الصحافة الغربية: التحشيد لاحتواء التراجع عامر نعيم الياس
«جيش الفتح»، عنوان بارز في الصحافة الغربية الصادرة هذا الأسبوع. هذا التشكيل الجديد الذي يضمّ «النصرة»، تجاوز مرحلة الذمّ بـ«القاعدة». فهو حقق الانتصارات وإن كان ناتجاً عن توافق قطري ـ سعودي ـ تركي، بضوء أخضر أميركيّ بطبيعة الحال.
الأساس في المرحلة المقبلة سيبقى الرهان على هذا الجيش لاستكمال تقدّمٍ ميداني في سورية على قاعدة الفرصة التي لا تعوّض. أما الذراع الرسمية لـ«القاعدة» في سورية، فهي حليفٌ للفرنسيين، وبدرجة أقل للأميركيين تحت شعار «الاتصالات السرية الأردنية ـ الإسرائيلية المكثّفة مع أعضاء جبهة النصرة على طول المناطق الحدودية لتواجدها في سورية، من أجل الانفصال علناً عن القاعدة والاندماج الكلّي في أطر جيش الفتح»، وفقاً للكاتب ديفيد أغناتيوس في صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية.
ما سبق من تحالف تشكل «النصرة» نقطة القوة فيه، أصبح من المسلّمات في السياسة الإقليمية المرسومة لسورية. وبالتالي فإن الرهان لا علاقة له بتطورات الواقع الميداني الحالي. فالفرصة لا تزال متاحة أمام هذا الجيش والقوى المرتبطة به للعمل في سورية عبر اختراقات أو مبايعات جديدة تمنح «جيش الفتح» زخماً جديداً أقله من الناحيتين الإعلامية والنفسية. وهنا يتوقع أن يتم الإعلان عن مبايعات لـ«جيش الفتح» في عدد من المناطق السورية وفي مقدّمها دمشق، للقول إن التمدد في سورية لهذا المولود الجديد الذي يضم إلى جانب «النصرة» المرتبطة بـ«القاعدة» وسلفيي «أحرار الشام» بحسب «ليبيراسيون» الفرنسية، «الثوار المعتدلين المدعومين من الغرب». هذا التمدد مستمر، وبالتالي لا تزال الدولة السورية وحلفاؤها في طور التراجع. وفي سبيل تدعيم هذا التوجّه، لا بد من تكثيف الحرب الإعلامية النفسية على الدولة السورية ومؤيديها. وهنا لوحظ إجماع الصحافة الغربية الصادرة هذا الأسبوع على مسلّمات ثابتة في معركتها الحالية ضد سورية تحت راية «جيش الفتح» تتجلّى بما يلي:
ـ الترويج لانقسامات داخل بنية النظام في سورية. هنا يقول ديفيد أغناتيوس في «واشنطن بوست» إن «اللواء علي مملوك قيد الإقامة الجبرية». فيما تقول «ليبيراسيون» في مقال للكاتب جان بيير بيران إن الانقسام وصل إلى «داخل القصر الرئاسي في سورية». أما «تلغراف» البريطانية فتصرّ على أن «اللواء مملوك اعتقل على إثر محاولة انقلاب».
ـ الرهان على تراجع الموقف الروسي من سورية. إذ سلّمت «واشنطن بوست» بذلك بقولها «الموقف الروسي قد ضعُفَ الآن». فيما استبقت «تايمز» البريطانية اجتماع كيري مع الرئيس الروسي في سوتشي بعنوان «اجتماع روسي ـ أميركي للإعداد من أجل هزيمة الأسد».
ـ احتواء إيران عبر الاتفاق النووي، والدفع بشكل متوازٍ «لضغط كبير وجريء من أهل السنّة»، وفقاً لتعبير «واشنطن بوست»، على إيران وحلفائها.
اللافت في ما سبق، إنكار التطورات الميدانية الأخيرة على الأرض السورية. فلا معركة القلمون غيّرت من الحملة المعدّة سلفاً، ولا حتى الهجوم الذي يشنّه الجيش السوري والقوات الرديفة على محور جسر الشغور، والصمود الأسطوري لحامية المشفى الوطني فيه، فضلاً عن المقطع المصوّر الذي دحض فيه التلفزيون الرسمي السوري الإشاعات حول وضع اللواء علي مملوك، الذي ظهر إلى جانب الرئيس السوري بشار الأسد أثناء استقبال علاء الدين بروجردي في القصر الجمهوري. وبالتالي، فإن عدم مراعاة ما سبق، ينقلنا مرةً أخرى إلى عام 2011 والتحشيد الإعلامي الغربي والعربي من أجل رفع معنويات الجمهور المعارض والتحريض للدفع بالمشاركة الشعبية في التظاهرات حينها إلى مستويات قياسية بعد أفول نجمها منذ الأشهر الأولى لعام 2011. وعليه، فإن الحملة الإعلامية الغربية الأخيرة حول سورية وتحديداً الانقسام داخل بنية النظام في سورية يراد منها تحقيق هدفين: الأول حشد الرأي العام المعارض وراء «جيش الفتح» ومنع أي تراجع في معنويات عملاء الغرب في سورية في ضوء إدراك الغرب خطورة الهجوم المعاكس الذي يقوده الجيش السوري والحلفاء على أكثر من جبهة، خصوصاً في شمال سورية. فالفرصة التي أتاحتها اندفاعة «النصرة» وحلفائها في إدلب لن تتكرر بهذه السهولة ويجب استغلالها. أما الهدف الثاني فيتمثل بالرهان على تراجع معنويات مؤيدي الدولة السورية. هذا الرهان الذي أثبت جدواه وحقق بعضاً من أهدافه عند سقوط مدينتَي إدلب وجسر الشغور، لكن ما لبث أن احتُوِي وإن لم يكن بشكلٍ كامل حتى اللحظة.
إن الاستمرار في استهداف اللواء علي مملوك على رغم ظهوره التلفزيوني، مثالٌ على حجم المعركة التي يقودها الغرب ضدّ سورية والتي يشكّل الجانب النفسي جزءاً رئيساً منها تحت شعار: اكذب اكذب حتى يصدّقك الجميع.
(البناء)