مقالات مختارة

لماذا تفاهمات «كامب ديفيد 2» لا تشمل «سوراقيا»؟ د. عصام نعمان

 

اتفاقات «كامب ديفيد- 1» احتوت النزاع بين مصر و«إسرائيل»، لكنها لم تحتوِ صراع الفلسطينيين معها. كذلك تفاهمات «كامب ديفيد- 2»، فقد احتوت مخاوف السعودية وحليفاتها الخليجيات مع إيران «النووية»، لكنها لم تحتوِ النزاع بين دول مجلس التعاون الخليجي وإيران حول «سوراقيا»، أي سورية والعراق.

باراك أوباما نجح، على ما يبدو، في تبديد هواجس ضيوف منتجعه الرئاسي بإعلانه أن الولايات المتحدة وحلفاءها الخليجيين «يتفقون على أن إبرام اتفاق نووي مع إيران يخدم مصالحهم الأمنية … وأن هذه الدول ستعمل معاً للتصدي لأنشطة إيران التي تزعزع استقرار المنطقة، وأن واشنطن ستضمن تسريع نقل السلاح لدول الخليج».

أمن الخليج، إذاً، أصبح في عهدة الولايات المتحدة التي ستساند حليفاتها أيضاً في قضايا مثل «مكافحة الإرهاب والانتشار النووي والصراعات». أيّ صراعات؟ وما معنى «التصدي لأنشطة إيران التي تزعزع استقرار المنطقة»؟ وهل دعم طهران لسورية وقوى المقاومة اللبنانية والفلسطينية «يزعزع استقرار المنطقة»؟

من الواضح أن أطراف «كامب ديفيد- 2» لم يتوصلوا مع الولايات المتحدة إلى تفاهم في شأن الصراعات المحتدمة في سورية وعليها، وكذلك في العراق وعليه. فالتفاهم في شأن الاتفاق النووي كان ممكناً لأن الولايات المتحدة طرف أساس فيه بينما دول الخليج ليست كذلك. أما التفاهم في شأن الصراعات في سوراقيا فإن السعودية ومعظم دول الخليج كما تركيا أيضاً أطراف مشاركة فيها وليس ما يشير إلى وجود رغبة لديها في قبول تسوية أميركية في شأنها. لماذا؟

ثمة خلافات بين واشنطن وحليفاتها الخليجيات حول الغاية المرتجاة من تحالفها معهم في كلّ من سورية والعراق، كما حول القوى المحلية والوافدة الجاري التعاون معها في الساحتين السورية والعراقية.

دول الخليج العربية وتركيا تبتغي الخلاص من النظام السياسي القائم في سورية، ومن رئيسه تحديداً. كما تبتغي، في الأقل، تعديل موازين القوى في العراق على نحوٍ يؤدي إلى تغليب حلفائهما «السنّة» في معادلة الحكم وإلاّ إقامة إقليم حكم ذاتي في المحافظات السنّية في غرب البلاد لضمان توازنٍ بينها وبين المحافظات الشيعية في جنوبها والمحافظات الكردية في شمالها.

إلى ذلك، يتحفظ الأميركيون في شأن التعاون مع «الدولة الإسلامية داعش» في كلٍ من سورية والعراق، كما يعتبرون جبهة «النصرة» في بلاد الشام فرعاً من «القاعدة»، بالتالي تنظيماً إرهابياً. الخليجيون والأتراك يتقبّلون التحفظ الأميركي في شأن «داعش» لكنهم يرفضونه في شأن جبهة «النصرة»، خصوصاً بعدما جرى ضمها، بمبادرة أنقرة وبعلم واشنطن، إلى تنظيم جديد يحتوي فصائل أخرى «غير قاعدية» اسمه «جيش الفتح».

واشنطن لا يهمها أمر الرئيس بشار الأسد، ولا تمانع في إزاحته إذا كان هذا الخيار قابلاً للتحقيق، وقد سبق لها أن أسهمت في محاولات جدّية لإزاحته سحابةَ السنوات الأربع الماضية، لكن دونما جدوى. فوق ذلك، تشعر واشنطن بأن معاودة العمل لإزاحة الأسد سيثير حفيظة إيران التي أعلنت مساندتها له ولنظامه كما لقوى المقاومة اللبنانية والفلسطينية ما قد يؤدي إلى «خربطة» المحادثات الجارية للتوصل إلى «الاتفاق النووي النهائي».

صحيح أن واشنطن لن تُغضِب حلفاءها الخليجيين، وحتى الأتراك، بمعارضة حملتهم على الأسد ونظامه. إلاّ أنها تعارض منحهم مزيداً من الوسائل والفرص، كـ «المنطقة العازلة» و«منطقة الحظر الجوي»، قبل الفراغ من إقرار الاتفاق النووي النهائي مع إيران.

يمكن تفسير هذا التريث الأميركي حيال الصراعات المحتدمة في سورية والعراق بأن واشنطن تأمل، إن لم تكن تخطط، لفتح كل ملفات النزاعات في الشرق الأوسط «الكبير»، بعد توصلها إلى «الاتفاق النهائي» المنشود، مع إيران. ولعل تخطيطها في هذا المجال ينطوي على إقامة نظام إقليمي رباعي الدفع، بإشرافها ورعايتها، يضم الدول الإقليمية الفاعلة في المنطقة وهي ثلاث بانتظار أخرى رابعة: إيران وتركيا و«إسرائيل»، فمن تراها تكون الدولة الرابعة؟

بمعزل عن أي تخطيط أميركي في هذا المجال فإن مصر، بقيادة المشير عبد الفتاح السيسي، ترنو إلى استعادة دورها العربي والإقليمي وذلك بالتعاون، مالياً واقتصادياً وسياسياً، مع دول الخليج من دون الاصطدام سياسياً وعسكرياً بإيران من جهة وبالإعلان عن تمسكها بوحدة سورية والعراق ودعمهما في وجه الإرهاب والتقسيم من جهة أخرى.

في المقابل، تسعى السعودية، في إطار مجلس التعاون الخليجي وخارجه، إلى تحويل نفسها قوة سياسية وعسكرية نافذة في المنطقة كي يكون لها دور وتأثير في التسويات المزمع «طبخها» بعد توقيع الاتفاق النووي النهائي أواخرَ الشهر المقبل.

إذ تبدو هذه القراءة للتوقعات القادمة مقبولة نسبياً، فإن تحققها يتوقف في التحليل الأخير على ما يمكن أن يفعله لاعبان أساسيان: سورية وقوى المقاومة اللبنانية إذا ما تنّسى لها دحر «النصرة» و«داعش» ومدى تجاوب إيران معها في سياق المرحلة الجديدة البازغة من جهة، و«إسرائيل» ومدى تجاوب الولايات المتحدة مع تحركاتها ضد الفلسطينيين ودول الطوق العربية من جهة أخرى.

و… الصراع مستمر على جميع الجبهات والمستويات.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى