التحالف مع «النصرة»: روح الرهان الميداني في سورية عامر نعيم الياس
خلال الأشهر الأخيرة، أعيدت هيكلة عددٍ من الميليشيات الإسلامية المتواجدة على الأراضي السورية، بعضها لا يزال يحتفظ ضمن مكوناته بلافتة «الجيش الحرّ»، لكن العنوان العريض يبقى إسلامياً. فمن «الجبهة الشامية» إلى «جيش الفتح» مؤخراً والذي نجح في احتلال مدينة إدلب ثاني عاصمة محافظة في سورية، إلى حلّ بعض التنظيمات نفسها والاندماج في تنظيمات أكبر، مثلما جرى في 22 آذار الماضي على إثر إعلان الاندماج بين «حركة صقور الشام» الإسلامية و«حركة أحرار الشام» التي كانت من أولى الحركات السلفية التي أعلن عنها في منتصف عام 2011، أي منذ بدء الأحداث في سورية.
تشارلز ليستر الباحث في معهد «بروكينغز» في الدوحة، والذي يتحضر حالياً لنشر كتاب بعنوان «التمرد الجهادي في سورية»، رأى في مقال له أن ما جرى بين «حركة أحرار الشام» و«صقور الشام» يعبّر عن «محاولة واعية لتحقيق توازن مع القوة المتنامية لجبهة النصرة، لا سيما في محافظة إدلب شمال غرب سورية» وهذا، بحسب الباحث، «يوفر للغرب نافذة لا تقدر بثمن للتواصل مع الجزء الأوسع من المعارضة المسلحة في سورية، تشمل الإسلاميين». هو رهان على تغيّر ديناميات عمل المجموعات السلفية في سورية لمواجهة ذراع تنظيم «القاعدة» الممثلة بـ«النصرة»، وصولاً إلى «داعش». فهل يمكن الرهان على ما يرى فيه الباحث الأميركي بديلاً ناجعاً في سورية؟
على رغم تغيير التحالفات الدورية بين الفصائل الإسلامية الإرهابية في سورية، وعلى رغم القتال المرير في ما بينها، الذي أوقع في بعض الأحيان قتلى في صفوفها تجاوز عدد قتلاها في مواجهة الدولة السورية، كالصراع الدموي بين «النصرة» و«داعش» في المنطقة الشرقية في سورية، إلا أن التطورات الميدانية الكبرى والاختراقات التي أحرزتها الميليشيات المسلحة على الأرض السورية، وفي المواجهة الدائرة مع الدولة السورية، كانت على أساس التحالف الثابت مع تنظيمات «القاعدة» الأكثر نفوذاً وخبرةً وقوة ودعماً مالياً، ممثلةً بـ«النصرة» بشكل رئيس، و«داعش» في بعض الأحيان. ولعلّ ما حصل أخيراً في مخيّم اليرموك من تحالف بين بعض «النصرة» و«داعش» خير مثال على الترابط بين المجموعات السلفية على رغم الخلافات العميقة التي تعصف بها سياسياً وفقهياً، من دون أن نغفل التحالف الذي كان قائماً بين «النصرة» و«حماس» داخل مخيّم اليرموك، والذي لولاه، لما تمكنت «حماس» من السيطرة على المخيّم.
إن التحالف مع «النصرة» في ريف درعا، والتحالف معها في ريف إدلب وصولاً إلى المحافظة بكاملها، إضافةً إلى غرف العمليات في مثلث ريف دمشق ـ القنيطرة ـ درعا، تعدّ من ثوابت الديناميكية الميدانية للحراك الميداني للعصابات المسلحة في سورية ومن ورائها الغرب عموماً. فالتنسيق مع «النصرة» كان له أثر كبير في ساحة المعركة في سورية، بغضّ النظر عن الخلافات التي تحكم العلاقات بين هذه العصابات في المناطق الأخرى، وفقاً لما يدعوه ليستر «الإدارة البراغماتية للعلاقات بين التمرد التي كان من شأنها تأمين الانتصارات العسكرية لقوات المعارضة في مواجهة النظام».
تعتمد كافة الميليشيات الإسلامية في سورية، والتي تريد أن تنأى بنفسها عن «داعش» حفاظاً على بعض التنسيق مع الولايات المتحدة، على التحالف مع «النصرة»، تحت مسميات مختلفة، للحفاظ على فعاليتها في مواجهة الدولة السورية وحلفائها، وبالتالي الحفاظ ما أمكن على الأموال القطرية والسعودية وبعض الدعم اللوجيستي من تركيا، وبغير ذلك لا يمكن لها الصمود وحدها في المواجهة سواء على المستوى الميداني، أو على المستوى الداخلي في ما يخص سياسات التنظيمات وولائه وفقاً لنظام البيعة المعمول به. فإن لم تكن من أنصار البغدادي، فأنت حكماً عليك أن تكون من أنصار الظواهري زعيم تنظيم «القاعدة» الذي أرسل خيرة خبراته السورية إلى ساحة المعركة في الداخل السوري لتجنيد المقاتلين لمصلحته، حتى لو لم تنضوِ تحت لواء «النصرة» و«القاعدة» بشكل علني، وبالتالي يفقد سيناريو التحالف في مواجهة «النصرة» والتحوّل عن فكر «القاعدة» أي مبرر منطقي للرهان عليه، إن لم نقل طرحه حتى.
(البناء)