قضية سماحة وشريعة الغاب
غالب قنديل
يجد العديد من الحقوقيين ان الحكم الذي صدر في قضية الوزير ميشال سماحة يتخطى الحد المعقول من العقوبة قياسا إلى طبيعة الإدعاء والاتهام وفي ظل حجب شاهد الإثبات وانكشاف تصنيع القضية في لعبة مخابراتية تورط فيها جهاز المعلومات اللبناني وفقا لما أدلى به الوزير سماحة ووكلاؤه امام المحكمة.
رغم هذه الحقيقة فإن الحملة السياسية التي يقودها وزير العدل تنتهك عرفا جرى التقيد به طوال العقود الاخيرة وهو عدم الزج بالقضاء كساحة اشتباك سياسي بينما انطلقت بإشارة واحدة هجمة إعلامية غوغائية تستعمل الترويج والتحريض الممنوعين بقوة القانون لفتح أبواب الضغط على القضاء وهي تستبيح محرما جرى التحصن خلفه مرارا في تبرير وتفسير قرارات الإفراج عن متورطين في جرائم إرهابية من مشبوهي جماعات التكفير الذين عملوا بالتعاون مع ميليشيا المستقبل وتحت مظلتها في الحرب على سوريا حتى صدور الإشارة الأميركية بمباشرة تفكيك المنصات اللبنانية عشية تشكيل الحكومة.
طرق الاعتراض على الأحكام يحددها القانون وفقا لما ذكر به مجلس القضاء الأعلى وهو يرسم مسارها بآليات المراجعة المنصوص عنها اما الغوغاء السياسية والهستيريا الإعلامية المخصصة للقدح والذم بالمحكمة العسكرية وبرئيسها النزيه والمشهود له بعدم التحيز السياسي لأي كان وحملات الترويج التلفزيونية فجميعها ضد القانون ويفترض ان تكون موضع حساب وادعاء من القضاء الواقف ومجلس القضاء الأعلى المسؤول عن حماية كرامة القضاة وعن حصانة المحاكم حتى لا تسود شريعة الغاب السياسية في البلد وتصبح نزوات البعض وأحقادهم هي مصدر التشريع والأحكام على طريقة مشيخات الاستبداد الجاهلية.
نال القضاء العسكري تنويها وإشادات جلى عندما تعامل باللين مع عملاء الاحتلال الصهيوني نتيجة تقديره حينها لمصالح الدولة العليا وهو تشدد في الحكم بقضية الوزير ميشال سماحة ورغم ذلك نجده عرضة لهجمات رعناء وظالمة لمن لم يشبع غرائز انتقامهم السياسي حكم مبالغ في قسوته في جريمة لم ترتكب وتم تصنيع نية ارتكابها بلعبة مخابراتية للاستدراج السياسي والأمني .
الشريط المسجل الذي تباهى به المعترضون على الحكم هو قرينة اتهام ضدهم لأنه يكشف التدبير والتخطيط المسبق للإيقاع بسماحة وهذا دليل على خروج جهاز أمني عن مضمون وظيفته في القانون وتورطه في استدراج الخصوم السياسيين ونصب الأفخاخ لهم بهدف إدانتهم بالنية الجرمية ويعلم الحقوقيون ان ذلك وحده يفسد أهم أركان القضية.
الأكثر إثارة للشبهة هو حجب شاهد الإثبات الوحيد والتكتم على مكان وجوده ومنع مواجهته بالوزير ميشال سماحة امام المحكمة بل ومنع مثوله امام القضاء بقرار سياسي من خارج الأصول وفي تدخل فظ بعمل القضاء واستقلاليته.
الضوضاء السياسية والإعلامية تنتهك استقلال القضاء وتفتري على قاض نزيه ومشهود بكفاءته مرارا ممن يتحاملون عليه اليوم وكان الحري بهم ان يحترموا قوسه وقراره بدلا من الاحتكام لأحقادهم ورغباتهم الانتقامية ضد الوزير سماحة او سعيهم إلى نيل تعويض او ترضية معنوية بعد خيبة القلمون وربما على خيبة رهانهم في اليمن !
إن تلك الطريقة في التفكير والتصرف تعبث بما تبقى من المؤسسات اللبنانية وتخالف منطق الدولة والقانون وفي جميع الدول المحترمة حين تقوم شبهة خصومة سياسية ويقع نزاع قضائي يطبق مبدأ التمانع فلا يجوز ان يكون الخصم السياسي هو المسؤول عن تطبيق القانون بحق خصمه فيقع قراره في شبهة الانتقام والانحياز ولطالما اعتزل قضاة ومسؤولون سياسيون في الدول المتحضرة ورفضوا التدخل في بعض القضايا الكبرى نتيجة التمانع.
في قضية الوزير ميشال سماحة يصح مبدأ التمانع على جميع خصومه الذي عارضهم واختلف معهم في قضية شهود الزور وسواها منذ العام 2005 كوزير العدل وسائر الأشخاص المعروفين بخصوماتهم السابقة مع الوزيرسماحة بمن في ذلك بعض قضاة النيابات العامة الذين وردت أسماؤهم في ملفات متنازع بشأنها سياسيا كقضية شهود الزور المطوية والمنسية وكان يليق بهم جميعا ان يعتزلوا هذه القضية ويمتنعوا عن الخوض بها تصريحا أو تلميحا احتراما لاستقلالية القضاء ولمبدأ حصانة القاضي في قوسه لاسيما وان بعضهم مشكوك في تورطه بحماية شاهد الإيقاع بسماحة وفي حجبه عن المحكمة وكلاهما تعطيل واعتراض لعمل القضاء.
منطق القانون ومنطق الغابة نقيضان والصراخ لا يحجب ضعف الحجة او بطلانها ولا يعوض خسارة سياسية وخيبة رهان في جبهات خارج المحاكم والملفات القضائية رغم تشابكها بالعدالة وعملها المستهدف بالتدخل السياسي كقضية شهود الزور وسواها العديد من قضايا رواد التكفير الإرهابي وحماتهم تحت الطلب الخارجي.