قضية سماحة وفرقة «لطف الله»
غالب قنديل
يُراد للرأي العام اللبناني أن يبلع التلفيق والفجور السياسي بصفة رسمية لأنه يصدر عن رؤساء سابقين ووزراء ونواب حاليين، وعلى طريقة يرضى القتيل وليس يرضى القاتل. تدور طواحين الكلام والثرثرة السياسية عن قضية الوزير ميشال سماحة، وهي كما بات واضحاً قضية مدبّرة أمنياً وسياسياً لأهداف محدّدة.
يمنع شاهد الإثبات الوحيد من الحضور إلى جلسات المحاكمة، ويفرض التعتيم على مكان إخفائه الذي تردّدت بخصوصه إشاعات كثيرة أوردتها الصحافة المحلية والأجنبية من بينها أنه في «إسرائيل». ولم يرفّ جفن لأيّ من المسؤولين الذين روّجوا الرواية المفبركة عن مؤامرة تفجير واغتيال أرادوا اتهام سورية بها كالعادة، بينما في الواقع أكد سماحة أنه كان ضحية فخّ مفبرك نصبه له فرع المعلومات، وعلى الأرجح بالشراكة مع جهاز فرنسي أراد الانتقام من الوزير السابق على خلفية انتقاله من وضعية الوسيط مع سورية إلى الحليف الذي يناصرها ويدافع عنها ويفضح الدعم الفرنسي لـ«القاعدة» أمام الفاتيكان.
لا يمكن دحض الشكوك في تورّط فرع المعلومات بينما تلوح شبهات كثيرة عن تورّطه في فبركة الشهود الزور، وعن مشاركته في تسليح وحماية جماعات إرهابية مسلحة شاركت في الحرب على سورية، وفقاً للعديد من التقارير الصحافية المحلية والأجنبية. كما تلوح شبهات عن وضعه الشبكة الخليوية الثالثة في تصرّف الجماعات الإرهابية التي تقاتل ضدّ الجيش العربي السوري، إضافة إلى تمويل وإدارة شبكة إعلامية تعمل من لبنان في سياق تلك الحرب، ولا يزال بعض منصاتها عاملاً تحت الحماية حتى اليوم. بالتالي فإنّ ما يروّج حول قضية سماحة يُراد منه التستّر على حقائق مكتومة منها لغز ميلاد كفوري ودوره في توريط سماحة كما قال وكما شرح محامو الدفاع عن الوزير السابق أمام المحكمة العسكرية.
جوقة «لطف الله» التي تتناول هذه القضية تضمّ مشتبهاً في تورطهم كفريق سياسي في قضية أسطول بواخر «لطف الله» التي رست في ميناء طرابلس آتية من ليبيا، وكانت مرسلة من إرهابيّي «القاعدة» هناك، ومن ثمّ خزّنت حمولاتها تباعاً قبل نقلها إلى سورية وانفجر بعضها في قلب حي التبانة. والباخرة «لطف الله 2» التي افتضح أمرها بمراسلات دولية، وضبط ما عليها من حمولة طمس ملفها في المسار القضائي وتمّت لفلفة القضية والتستر على المتورّطين بسحر ساحر. والأرجح أنهم قادة أمنيون وحزبيون من تيار المستقبل الذي تكفّل بحماية ورعاية الجماعات المسلحة التي تمركزت في طرابلس والشمال وساهمت في العدوان على سورية، وورّطت مئات الشباب الذين قتل منهم الكثير وجرى التكتم على مصائرهم ودفنوا غرباء عن عائلاتهم، بينما لا يزال بعضهم منغمساً في تشكيلات الإرهاب من «داعش» و»النصرة» وسائر الجماعات التي تموّلها السعودية وقطر على الأرض السورية.
الوزير ميشال سماحة يُحاكَم على نية افتراضية ناتجة من فعل مدبّر ومحكم للإيقاع به على يد عميل مدرّب وبصورة مخالفة للقوانين والأنظمة والأعراف التي تحرّم على الأجهزة الأمنية القيام بتوريط خصومها السياسيين لتصنيع اتهامات بحقهم.
لكن ما قام به العديد من قادة وكوادر تيار المستقبل والجماعة الإسلامية وبعض المجموعات المتطرفة على هامشهما وجماعات أخرى تابعة لزعيم المختارة في سورية ولبنان، وما تورّطوا فيه من نقل أسلحة ومتفجرات وأموال، وما قدّموه من تسهيلات وحماية سياسية للجماعات الإرهابية التي تقاتل في سورية، لا يقارَن بالتهم التي يحاكم فيها الوزير ميشال سماحة. فهو نقل متفجرات ولم يشرع في أيّ عمل، بينما أطنان المتفجرات والقذائف والأسلحة والأموال التي نقلتها جوقة «لطف الله» استخدمت بالفعل وخلفت آلاف الضحايا في سورية وأودت بحياة جنود وضباط لبنانيين في عرسال وصيدا وطرابلس وعكار. ويتخفّى المرتكبون خلف الحصانات بينما تمتعوا بحماية الرئيس السابق ميشال سليمان خلافاً «لإعلان بعبدا» العزيز على قلبه عبر صمته على طمس القضايا والتحقيقات. وكلّ ذلك يفترض انه من مسؤوليات القضاء والتفتيش القضائي كشفه ومتابعته.
آن الأوان أن يُقال لجوقة «لطف الله» كفى محاضرة في العفة، فابتلاؤكم ظاهر وتورّطكم بائن من طرابلس وصيدا إلى عرسال وجرود عكار مروراً بمستودعات الصواريخ التي قالت الصحف إنّ وليد بيك باعها لعصابة «الجيش الحر».
قبل الوزير السابق ميشال سماحة وأصدقاؤه الاحتكام إلى القضاء على رغم التدخلات السياسية السافرة والابتزاز الذي لا يزال متواصلاً، لكن الغاية من ضجيج الجوقة الهستيري هي الضغط على القضاة وعلى المحكمة العسكرية بهدف الانتقام السياسي وعبر حماية أسرار التخطيط والتدبير التي حيكت بها تلك المؤامرة وفخها المحكم.