ملحوظات عن حرب التحرير ثريا عاصي
عندما يكون التراب الوطني جزئياً أو كلياً، تحت احتلال عدو، يكون تحريره هو الهدف الأول للنضال الوطني، الذي يتقدم على ما عداه. هذه هي السمة الرئيسية لمرحلة التحرر الوطني من أجل استعادة كامل التراب الوطني واستعادة السيادة الوطنية…
في الواقع لا يقتصر الإحتلال على السيطرة على جزء من البلاد أو عليها كلها، ولكنه يتعدى ذلك إلى تمزيق المجتمع الوطني وإلى استهواء شرائح من الناس وجعلهم يعملون في خدمة المستعمر. إذا أخفق العدو في كسب الناس إلى جانبه بواسطة الإغراء، لجأ إلى أساليب أخرى منها التجويع والترهيب والإبتزاز.
إن حرب التحرير، التحرير الوطني هي في جوهرها تحرير للإنسان لكي يتمكن هذا الأخير من تحرير وبناء وطنه .
هذه معطيات يمكن التحقق منها في خلال التجربة الفلسطينية. نحن في لبنان قريبون جداً من الفلسطينيين، وصار لدينا خبرة في سياسة المستعمرين الإسرائيليين الذين احتلوا بلادنا ولكنهم اضطروا إلى الخروج منها، دون انتزاع إعتراف بشرعية وجودهم أو إتفاقية معهم كالعادة. لا بد من التسليم بأنهم استطاعوا إخراج فصائل الفلسطينيين من لبنان. يطول شرح أسباب هذا النجاح هنا.
في المسألة السورية هناك احتلال أرض أو تعبير أكثر دقة، تراجعت سلطة الدولة في بعض المناطق . وهناك أيضا بضعة ملايين من السوريين هـُجروا أو بالأحرى أخذوا رهائن إلى مخيمات في تركيا والأردن ولبنان . بكلام أكثر وضوحا يوجد سوريون بالقطع، غرر بهم، فذهبوا إلى المخيمات، وصاروا في داخلها كمثل المعتقلين في داخل السجن . إتبع الفرنسيون في الجزائر السياسة نفسها، حيث رحلوا سكان البلدات الجزائرية وقاموا بتجميعهم في معسكرات مسيّجة ومراقبة، بقصد تجفيف منابع «جبهة التحرير الوطني».
إستنادا عليه، إن على السوريين في الراهن، خوض حرب تحرير وطني، لدحر الأعداء عن أرضهم بالإضافة إلى أن عليهم أيضا أن يعملوا على تحرير السوريين في المخيمات، الراغبين في العودة إلى بلادهم والإنضمام إلى حرب التحرير الوطني.
هذه الحرب تعني جميع السوريين، جميع الذين يريدون أن يكونوا سوريين أو أن يبقوا سوريين . إن الإحتلال هو تدمير وتحطيم الوطن الذي كان، والتحرير هو تعبير عن إرادة في معاودة البناء من جديد، على أسس جديدة، أكثر صلابة وأكبر إحتمالاً . لذا يخاف المستعمرون من التحرير، ويتصدون «للمحرِرِين» بشراسة متفلتة، تفوق شراستهم في الغزو والإحتلال، إلى حد أنهم غالباً ما يظهرون أشد الندم على ما فعلوه ويعترفون بأن الإحتلال كان خطأ .
لا شك في هذا السياق، أن مرد الكراهية والحقد الذي يضمره المستعمرون وأعوانهم الرجعيين العرب، تجاه المقاومة في لبنان، ليس إلى كون هذه المقاومة إسلامية شيعية جزءاً من ثورة إسلامية، أي ثورة في داخل الإسلام نفسه، فقط ولكن لأنها خاضت أيضاً معركة تحريرية ضد المستعمرين الإسرائيليين، لا يرغب الأخيرون في أن تتكرر وفي أن تتخذ مثالاً يحتذى.
أظن أن الغاية التي يسعى إلى بلوغها المستعمرون هي تكدير صورة المقاومة، كما قال فيلتمن، ومحو «التحرير» من الذاكرة الوطنية هذا التحرير الذي حدث في الواقع على أرض لبنان، حتى لا تنتقل «عدوى التحرير» فتتجاوز موانع الطائفية والمذهبية وتنتشر في المجتمع الوطني في لبنان، وإلى ماوراء حدوده.
مجمل القول أن العدو يحتل في سوريا أرضا سورية، ويختطف عدداً كبيراً من السوريين، يحتجزهم في معسكرات التجميع! يحسن التذكير أيضاً، بمعسكر أنصار في جنوب لبنان الذي جمع فيه المستعمرون الإسرائيليون الذين كان يخشى أن يلتحقوا بمجموعات المقاومة!
إن الدولة في سورية ترمي بكل ثقلها وإمكانياتها في حرب تحرير سوريا. يشكل الجيش العربي السوري العمود الفقري للمقاومة السورية . قلنا أعلاه أن حرب التحرير الوطني هي سيرورة ولادة جديدة للوطن وللشعب السوريين، الشعب تسمية تشمل جميع الذين يختارون سوريا وطنا وهوية. ينبني عليه إن التحرير، وما يتطلبه التحرير، هما قضية السوريين، جميع السوريين. الهوية السورية الجديدة تكتسب من خلال دور الفرد في معركة التحرير. الأرض لمن يحررها. لا إختلاف ولا حياد في حرب تحرير الوطن!
تأسيسا عليه، تترك كل المسائل جانباً، لأنها تصير ثانوية، الموالاة والمعارضة والأحزاب والديانات والمذاهب والطوائف تصير جميعها ثانوية، قبل الدخول إلى ميدان معركة تحرير الوطن واستحقاق الإنتماء اليه!
تتوجب الملاحظة هنا إلى أن القيادة التي توصل الشعب إلى التحرير والإستقلال الوطني، لا شك في أن لديها التجربة والكفاءة اللازمة لكي تضع أسس نظام سياسي وطني يتيح للناس أن يشاركوا فعلياً في التفكير والعمل في مشروع وطني يترجم معان الوطن الحقيقية!
(الديار)