حزب الله يُدشّن «مدرسة» قتاليّة جديدة في القلمون.. وإسرائيل تراقب «بقلق» «عين» على «الفيل».. «و«القيادة والسيطرة».. وحرفيّة «فرقة الرضوان» ابراهيم ناصرالدين
نشرت «الايكونوميست» البريطانية في عددها الاخير رسما «كاريكاتوريا» يعكس ردود الفعل التي تلقاها الرئيس الاميركي باراك أوباما عند عرضه الاتفاق النووي مع إيران، في البداية يظهر الرئيس الاميركي وهو يعرض الاتفاق أمام إسرائيل. الرد؟ «صراخ» إسرائيلي. فيما بعد يعرضه على السعوديين. الرد؟ «صرخة سعودية». نفس الرد في دول الخليج. «يجب ألا تصرخوا»، قال الرئيس وهو يعرض الاتفاق على مجلسي الكونغرس الاميركي، لكنهما ايضا يصرخان، في نهاية الأمر بقي أوباما وحده في الغرفة. ماذا يفعل؟ يصرخ هو نفسه. «الكاريكاتور»، يظهر إلى أي درجة ليست إسرائيل وحدها قلقة من الاتفاق مع إيران. هذا الرسم المعبر يمكن اسقاطه على ردود الفعل لحلفاء واشنطن على معركة القلمون، فالسعودية «تصرخ» وكذلك قوى 14آذار، والنائب سعد الحريري «يصرخ»، واسرائيل ايضا تملأ الدنيا «صراخا» باعتبار انها بعد رئيس «التيار الازرق»، تعد اكثر المتضررين من هذه المواجهة. اما السبب فهو المعالم القتالية الجديدة التي ابرزت القدرات المكتسبة لدى مقاتلي حزب الله من المشاركة في «الحرب السورية»، ويبدو ان ما كانت تخشى منه اسرائيل تحول الى امر واقع.
هذا القلق الاسرائيلي عرضته اوساط ديبلوماسية غربية في بيروت خلال ما يمكن وصفه بـ «جلسة» تقويم للمواجهات المستمرة في السلسلة الشرقية، حضرها عدد من الشخصيات «الحليفة»، تداعيات النتائج النهائية لهذه المعركة كانت محط خلاف بين الحاضرين، لكن الشق المرتبط بالادارة العسكرية لهذه المعركة لم تلق اي نقاش في ظل الاقرار بان «الحرب النفسية» التي سبقت انطلاق العمليات، وتوجت باطلالة الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وما تلاها من «تكتيكات» عسكرية على الارض، كلها تشير الى ان ما بات يمثله حزب الله راهنا مختلف جدا عما سبق، وكان كافيا اجراء مقارنة بسيطة لكيفية ادارة معركة القصير قبل اشهر، وما يحصل اليوم، ان المقاومة استخلصت العبر والدروس بسرعة فائقة، وباتت تشكل نموذجا عسكريا غير تقليدي، وغير مألوف في «المدارس» العسكرية، وبحسب المعلومات المتوافرة، فان اسرائيل التي تفهم جيدا الاسباب الموجبة لهذه الحرب بالنسبة الى حزب الله، لاترى انها ترتبط فقط بخطر تلك المجموعات المسلحة على الامن اللبناني أو على النظام في سوريا، بل تجزم انها معنية جدا بهذه «الرسالة»، وهي تدرك ان ما يسربه الاعلام الحربي من صور للعمليات العسكرية موجه بالدرجة الاولى لها. فاين الجديد الذي قدمه حزب الله في القلمون؟
العلامات الفارقة كثيرة تقول مصادر في 8 اذار اهمها، انه بعد النجاح في المزج بين قتال الجيوش وحرب «العصابات»، والقيام بتجربة «حية» على مختلف الجبهات السورية، حيث تم تطويع الحركة «الثقيلة» للجيوش لخدمة «حرب الشوارع»، تخوض قوات النخبة في الحزب تجربة معاكسة حيث تم تحويل المجموعات القتالية «الميليشيا» لتخوض حرب جيوش نظامية في مساحات مفتوحة، وهذا يعتبر في العلوم العسكرية بلوغا لذروة «الكمال» في الجهوزية والتدريب العالي المستوى.
– الامر الثاني يرتبط «بالقيادة والسيطرة» لدى غرفة عمليات المقاومة، فقد وصلت الى اعلى مستوياتها، وثمة رصد لتلك الادارة المحكمة للعمليات العسكرية والتنسيق الاحترافي بين التقدم البري والتغطية النارية البرية والجوية، وثمة اهتمام شديد بالقدرات القتالية الفردية لعناصر فرقة «الرضوان» باعتبارها طليعة قوات «النخبة» في حزب الله، «فهؤلاء يخوضون حرب جبال وتلال في مساحات مفتوحة ويتقدمون بسرعة قياسية تعكس حرفية كبيرة وقدرة هائلة على التحمل».
– ثالثا، تبقى «عين» اسرائيل على الاسلحة «الصاروخية» النوعية المستخدمة في المواجهات خصوصا تلك المستخدمة لتدمير تحصينات المجموعات المسلحة، وبعد تتبع دقيق في الماضي لصاروخ «بركان» الذي استخدمه حزب الله خلال المعارك الرئيسية في القصير وبعض الجبهات الاخرى، ثمة قناعة لدى الاسرائيليين ان ثمة شيء جديد يستخدم اليوم في المواجهات في تلك المنطقة الوعرة، وحتى الان لا توجد معلومات ثابتة حول نوعية هذا السلاح رغم الترجيحات القوية باستخدام وحدة «الصواريخ» لصاروخ «طوفــان» «وهو صاروخ نوعي من النوع الثقيل، يُستعمل لدك ونسف المعسكرات والمباني المُحصّنة، «الطوفــان» أو«الفيل» نسبة للصوت الذي يطلقه حين إقترابه من الهدف هو عبارة عن صاروخ شبيه بـ «بركان» من حيث الشكل، ولكنه اكثر فعالية، فهو سلاح ثقيل يحمل أكثر من 300 كلغ من المواد شديدة الإنفجار. يُطلق على الهدف من مسافة 5 كلم ينطلق بشكل عامودي ثم ينحدر أفقياً عند إقترابه من الهدف ويسقط «لولبيا» بهدف إختراق الهواء كي لا يُغيّر مساره. أما قطر إنفجاره فنحو 1 كلم. هذا ما تعرفه اسرائيل وما هو متداول عن هذا الصاروخ «المعدل»، لكن هل من معلومات مؤكدة انه النوع المستخدم في المواجهة الراهنة؟
لا يملك الاسرائيليون جوابا حاسما، طبعا المقاومة ليست معنية بتقديم اي توضيحات، لكن الصور الملتقطة عبر طائرات الاستطلاع، والاقمار الاصطناعية، تشير الى ان ما يستخدمه حزب الله صاروخ يملك قدرة تدميرية هائلة. وهذا كاف كي تصاب اسرائيل «بالهلع».
اما اظهار التنسيق العالي المستوى بين طائرات بدون طيار ووحدة الصواريخ على الارض وتصوير المواقع المحددة قبل وبعد استهدافها، فهو ليس فقط جزء من الحرب النفسية ضد المسلحين تضيف المصادر، ولكنه قرار قيادي متخذ على اعلى المستويات في سياق «استراتيجية» الردع التي يعمل حزب الله على تثبيتها وتفعيلها، «واليوم يتعمد أطلاع الاسرائيليين عليها وان كان ذلك «بالتقسيط».
وفي هذا السياق تعرف الاستخبارات الاسرائيلية ان حزب الله لن يطلعها الا على ما يريدها ان تعرفه، فعنصر المفاجأة سيبقى احد اسرار النجاح في اي حرب مقبلة، ولكن ما عرفه الاسرائيليون حتى الان من خلال المتابعة الدقيقة للمواجهات ان «اسوأ كوابيسها» قد تحقق . وما قاله رئيس هيئة اركان الجيش الاسرائيلي السابق بني غانتس بات حقيقة، فقبل رحيله وفي اطار عرضه لتهديد حزب الله العسكري، قال امام مؤتمر هرتسيليا «لدى حزب الله قدرة وتسليح افضل من بعض جيوش العالم». وتساءل امام الحاضرين: «من فضلكم اعطوني اربع او خمس دول، لديها اكثر مما لدى حزب الله، اهي روسيا او الصين او اسرائيل او فرنسا او بريطانيا؟ فقط هذه الدول لديها قوة نارية اكثر مما لديه، لديه قوة ضخمة تغطي كل نطاق «دولة اسرائيل». وقال ايضا، «أعتقد أننا سنضطر يوما إلى مواجهة الخبرة الهجومية التي باتت موجودة في حوزة حزب الله، وهي الخبرة التي راكمها طويلا في سوريا»؟
اليوم تشاهد اسرائيل عرضا مباشرا، ليس لمناورة بالذخيرة الحية، بل لحرب حقيقية يخوضها «عدوها اللدود» الذي بات جاهزا لعبور الحدود الى الجليل عندما تتوفر الرغبة بذلك، وهذا سبب كاف يبرر «الصراخ» الاسرائيلي، اما ما هو مناف للمنطق على حد قول المصادر، فهو «صراخ» الرئيس الحريري وفريقه السياسي ورعاته الاقليميين. فعندما تجمع «المصيبة» هؤلاء مع اسرائيل، تفتح «الابواب» على الكثير من الاسئلة وعلامات الاستفهام!!!
(الديار)