التغيير المطلوب في مواجهة الحرب على سورية عامر نعيم الياس
الهجوم المعاكس الذي قادته الدول الإقليمية بضوء أخضر أميركي عبر الانكفاء والسماح لهذه الدول بعواصف الجنون من اليمن بشكل مباشر إلى سورية بشكل غير مباشر، جاء في غالبيته للردّ على التغيير الميداني الذي بدأه الجيش السوري والقوات المتحالفة معه منذ تموز 2012، وكانت ذروته في عام 2014، إذ استُكمِل تحرير القصير، والقلمون على الحدود اللبنانية السورية التي أخرجت بشكل شبه كامل من معادلة الحدود المفتوحة، كما حُرّرت قلعة الحصن، وحمص القديمة التي أخرِج منها الإرهابيون بالباصات الخضراء، وعدد من المناطق في ريفَي دمشق الشرقي والغربي، وفك الطوق المفروض على العاصمة دمشق، من دون أن نفغل هنا أثر المصالحات على الوضعين الميداني والسياسي، الذي صبَّ في غالبيته لمصلحة الدولة السورية، وصار الحديث عن «إسقاط النظام» من المنسيات الدولية، وبدأت عملية «إعادة الشرعية» للدولة السورية بحسب المصطلح المستخدم في الإعلام الغربي.
وفي ضوء كل تلك النتائج، فتَحَ الجيش العربي السوري وحلفاؤه، بداية عام 2015، جبهتَي الجنوب والشمال، إذ أدركت القوى الإقليمية وعلى رأسها الكيان الصهيوني وتركيا الإخوانية استحالة الانتظار. وبالفعل تمَّ البدء بمرحلة الهجوم المضاد، إذ شهد الشهران الأخيران إنجازات للمحور المعادي فرضَت على الجيش السوري والأجهزة الأمنية والقوات الرديفة والمتحالفة معطياتٍ جديدة لا يمكن التخفيف من أهميتها وآثارها تحت ستارة الحفاظ على المعنويات لدى القاعدة الشعبية المؤيدة أو حتى معنويات الجنود والمقاتلين العقائديين الذين دافعوا وما زالوا يدافعون عن وحدة الأراضي السورية. لكن في ضوء ما نقلته الروايات الرسمية وشبه الرسمية عن أسباب التراجع في سورية، وفي ضوء المؤشرات التي تدعم هذه الأسباب، سواء الحدود المفتوحة من جانب تركيا، أو توحيد جهود القوى الإقليمية وبالتالي أدواتها في سورية، وصولاً إلى الحديث عن الخلايا النائمة وأثرها المباشر على سير المعارك مع القوة المدافعة عن أي مدينة من المدن، فإنه صار من الضروري إعادة النظر بالاستراتيجية الدفاعية في ضوء هذا الانكفاء المبرمج لحلفاء سورية عن الهجوم والرغبة في إدارة المعركة على الأرض السورية في المدى المنظور بأقل الكلف الممكنة، إذ يبرز هنا سيناريوان:
ـ الأول: الحفاظ على المواقع التي تتواجد فيها القوات السورية والحلفاء: هذا إن تم من شأنه أن يفسّر الانكفاء الحاصل إقليمياً ودولياً من جانب حلفاء سورية بانتظار شهر حزيران المقبل، وبالتالي لا حاجة لأيّ تغيير على مستوى إدارة المعركة في سورية.
ـ الثاني: التراجع عن المواقع بالشكل المتواتر الذي نشهده حالياً يرفع من أعباء الدفاع الملقاة على الجيش السوري وقوات الدفاع الوطني بالدرجة الأولى، ويساهم في تكبيدهم خسائر إضافية، كما يساهم هو دون غيره في التأثير المباشر على معنويات الكتلة المؤيدة للدولة السورية. ولذلك لا بدّ أن تتم عملية إعادة الانتشار وفق ضوابط جديدة لا تقوم على ردّ الفعل على الهجوم أو بالأحرى العدوان المباشر من المناطق الحدودية خصوصاً مع تركيا، بل تقوم على أساس رسم خطوط تماس جديدة ضمن عملية إعادة تمركز تسمح للقوى المدافعة بالصمود واستنزاف الخصم وحصاره لا العكس، كما يحصل في الوقت الحالي في محافظة إدلب على وجه الخصوص. إضافةً إلى الملف الأهم الذي يتعلق بالمحافظات الداخلية في سورية والتي يجب العمل فيها بطريقة مختلفة عما مضى تقوم على استكمال حسم بعض المناطق فيها، في ضوء أثر ما يجري في الشمال على اتفاقات المصالحة المبرمة في عدد من المناطق وعلى رأسها تلك المحيطة بدمشق، إذ يتوقع في ظل العدوان التركي في الشمال، أن تُحرّك بعض الأدوات المرتبطة بالاستخبارات التركية والسعودية والقطرية لنقض التهدئة وبالتالي الضغط باتجاه المحافظات الداخلية في سورية. هذا ولاً. وثانياً لا بدّ من إعادة هيكلة العمل الأمني المرتبط بملف الخلايا النائمة التي أدت دورها على أكمل وجه في توجيه سهام الغدر إلى الجيش السوري الذي تكبّد خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد في محاولته الوقوف في وجه الحرب الشرسة التي تمتد على مساحة سورية.
«جيشنا أملنا»، وما قدمه هو دون غيره لهذه الأرض يفرض على الجميع الحفاظ على عوامل قوته وصموده الأسطوري في وجه هذه الحرب القذرة.
(البناء)