سياديو لبنان يشفقون على إرهابيّي القلمون! العلامة الشيخ عفيف النابلسي
هاج البعض عندما كثُر الحديث في الآونة الأخيرة عن اقتراب موعد الحسم في جرود القلمون. من السعودية حيث يقيم هذا البعض، إلى أوروبا التي يُلجأ إليها لتأجيج الغليان السياسي ويرابط فيها لتعجيل الانهيارات في بلادنا وعبور الطريق إلى السلطة المرجوة، إلى لبنان الذي شاع فيه التلوث السياسي وباتت إحدى كتله السياسية الكبيرة تمشي في مناكب المشروع الأميركي «الإسرائيلي» بلا حياء وتصّدق بعد كل هذا الخراب والقتل أنّ ما يجري هو ربيع عربي وأنّ عاصفة الحزم معقود على جبينها الخير إلى يوم القيامة!.
أصعب أمرٍ أن ترى أنّ هؤلاء الذين يتشدقون بالسيادة والحرية ويؤمنون بالتعددية ويدفعون لبنان للارتباط بقيم الغرب وثقافته وحضارته، يقفون إلى صفوف المجرمين والإرهابيين ويشفقون عليهم ويرفعون أصواتهم عالية لإدانة المقاومة، التي هي آخر ما تبقى من الشرف في هذا البلد، لأنها تواجه أقبح السفاحين والدمويين على تخوم بلدنا. فما المطلوب أن تقعد مع القاعدين، أن تترك الأرض يستبيحها أوباش «النصرة» و«داعش»، أن تتفرج على الأطفال يذبحون والنساء يؤسرون، والشباب يقطعون إرباً إرباً؟. ما المطلوب من المقاومة والنخب عندنا لا حمية ولا نخوة عندها، لا تحركها إلا أحلام السلطة وأوهام القضاء على سلاح حزب الله، وتمنع الجيش من القيام بواجباته لحماية الوطن، حتى صار عاجزاً عن القيام بأي مبادرة ولو في مستوى بسيط يحدّ من تمدد الإرهابيين في مناطقنا التي أصبحت مشرعة لخلايا آخر الليل.
إنّ هذا الهيجان مدروس ومبرمج لمنح الإرهابيين فرصة جديدة لإسقاط الرئيس السوري وإبقاء نزيف الدم مستمراً، وتثبيت التقسيم، وعندما وجدتْ هذه النخبة أنّ آمالها تخيب بدأت بالصراخ والزعيق، واتهام المقاومة بأن ما تقوم به في القلمون حرباً إرهابية وعدوانية تسبّب الفتنة. هذه النخبة غاب عنها أنها ستزول وتمحى إن انتصر الإرهابيون، ولن يشفع لها وقوفها إلى جانبهم، لأنّ هؤلاء يقتاتون على الإقصاء ويعيشون على القتل ولا تعنيهم الشعارات الإنسانية والدينية إن لم تكن متطابقة مع معاييرهم في فهم الإسلام.
ولا شكّ أنّ الحرب العدوانية على سورية توافق هوى صغار اللبنانيين والسوريين وفي قلب كل منهم ما فيه من الحقد أو رغائب من المكاسب يرجوها. وهكذا استغلوا الدين أبشع استغلال ولم يأخذوا منه سوى الشعارات والمظاهر واللحى والقمصان القصيرة وزعموا أنّ مواجهة الرئيس الأسد وحزب الله هي بتفويض إلهي ولكن لا ندري من هو إلههم أهو السعودي أو التركي أو القطري أو «الإسرائيلي» الذي تسلل إلى كل بؤر التحكم فيهم وسراديب صنع القرار.
هكذا كان يقال أيضاً عندما كانت المقاومة تقاتل العدو «الإسرائيلي». كانت المقاومة بنظرهم إرهابية وتسبب المشاكل والفتن في وقت يجهد، يا للسخرية، المجتمع الدولي والدول العربية المسمّاة معتدلة لإحلال السلام! وكما كانت المقاومة بنظرهم ضد السلام «الإسرائيلي» ها هي تفتعل المشاكل لئلا تستقر المنطقة على سلام الدويلات والإمارات والخرائط الجديدة!.
بالله عليكم، من أنتم وما دينكم؟ ألا تعلمون أنكم أنتم المسؤولون عن كل هذا التخلف والضعف والإحباط في هذا البلد؟ ألا تعلمون أنكم أنتم من أغرقتم الحقائق في طوفان الأكاذيب؟ أردتم الانفتاح على العدو «الإسرائيلي» واليوم تدافعون عن الإرهاب التكفيري وتواصلون مدَّ يد العون إليه؟. ألا تنتهون من هذا التعصب الذي أخذكم إلى اللعب بمصائر الشعبين اللبناني والسوري بل انخرطتم في لعبة تدمير المكونات التاريخية والثقافية والاجتماعية والدينية لكل شعوب المنطقة من خلال وقوفكم خلف أميركا في خياراتها ومساراتها.
وها أنتم تتعامون عما تخطط له أميركا من تقسيم، وتتصامّون عما تطلقه مجموعات التكفير من تهديدات لمختلف المكونات اللبنانية، ولا تجدون مَن تدينونه سوى حزب الله الذي يدافع عن حياتكم وبقائكم، عن مساجدكم وكنائسكم، عن أموالكم وأعراضكم، عن أولادكم ونسائكم، وأنتم مع تخاذلكم لا تصمُتون ولا تلتزمون الحياد.
أنتم يا من تطالبون بأن يكون لبنان على الحياد، أنتم لستم محايدين. أنتم منخرطون في لعبة تمزيق لبنان ولذلك لا نأمن على أولادنا وأعراضنا ومقدساتنا وأرضنا إن تركنا لكم القرار.
لقد جربنا عندما صدقنا أنكم كمسؤولين وحكام وقيادات سياسية ستدافعون عن الجنوب وشعبه عندما كانت القنابل «الإسرائيلية» تنهمر كالمطر، وجرى ما جرى علينا من مآس وعذابات.
واليوم لن نعطيكم الراية، ولن نسلم لكم حياتنا. بل سنسلمها للمجاهدين البواسل، للمقاومين الأبطال، لهؤلاء الذين صنعوا كرامتنا وعزتنا وأمننا. إلى هؤلاء فقط نعطي الراية! وإذا كانت معركة القلمون رفعت من مستوى الغل في صدوركم فإن معركة أكبر بانتظار كل من يقف في وجه وحدة الأمة وسعادتها واستقرارها وتعدديتها وتسامحها وقيمها الحضارية الأصيلة فانتظروا إنا معكم منتظرون!
(البناء)