مؤتمر كامب ديفيد في ظلال كوبا جيمس جيفري
عندما تمّ الإعلان عن اتفاق الإطار النووي مع إيران، دعا الرئيس الأمريكي باراك أوباما قادة دول “مجلس التعاون الخليجي” إلى الاجتماع به في كامب ديفيد في 13 أيار/مايو. وبقيامها بهذه الخطوة، شعرت الإدارة الأمريكية على نحو محقّ بالقلق العميق لهذه الدول من أن الاتفاق النووي سوف “يطلق العنان” لإيران عبر منحها ضمانة ضمنية أمريكية لمتابعة سعيها للهيمنة الإقليمية .
غير أنّ طمأنة قادة دول “مجلس التعاون الخليجي” حول التهديدات الأمنية المتزايدة التي يواجهونها لن تكون مهمّة سهلة. بإمكان واشنطن أن توّفر عدداً من التدابير الملموسة وينبغي أن توفّرها، على سبيل المثال توفير الالتزامات الأمنية ونقل الأسلحة والانتشار العسكري، أو حتى المشاركة في عمليات عسكرية جديدة في بؤر التوترات مثل سوريا. لكن من المرجح أن يبحث قادة دول “مجلس التعاون الخليجي” عما هو أكثر من مجرّد خطوات مرئية تقوم بها الولايات المتحدة – فهم يريدون أيضاً تعهداً بأن الاتفاق النووي لن يبعد الولايات المتحدة عن دورها التقليدي المتمثل في احتواء طموحات الهيمنة الإيرانية. وفي غياب هذا الالتزام، لن يكون للتدابير الأخرى قيمة تُذكر، إذ يسهل منحها دون أن تضمن وجود سياسات أساسيةعلى المدى الطويل. وعلى الرغم من أن مثل هذا التعهد قد يصبح ملموساً في كامب ديفيد، إلا أن غموض التصريحات الرسمية الأمريكية حتى الآن يثير القلق حول ما إذا كانت الإدارة الأمريكية قد تعتمد بدلاً من ذلك مقاربة من جانب واحد كالتي اعتمدتها مؤخراً مع دولة معادية أخرى، هي كوبا.
تحوّل أو تعامل؟
يحتاج حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة إلى عوامل بارزة تبعث الطمأنينة في نفوسهم، ويعود ذلك بشكل كبير إلى أن الإدارة الأمريكية لم توضح ما إذا كان الإتفاق مع إيران يشكل أداة تعامل أم تحوّل. فإذا كان الاتفاق تعاملياً – على غرار اتفاقات الحد من التسلح الموقعة مع الاتحاد السوفياتي على سبيل المثال – فعندئذ لا يمكن توقع حدوث أيّ تغيير كبير في إيران أو في العلاقة الأمريكية الإيرانية. ولكن إذا تم اعتبار الاتفاق النووي تحوّلياً – أي إذا كانت الإدارة الأمريكية تؤمن بأن توقيع الإتفاق سيحوّل المواقف الإيرانية بسرعة إلى تأدية دور إيجابي يقوم على الوضع الراهن في المنطقة – فعندئذ سيكون من الصعب طمأنة قادة دول “مجلس التعاون الخليجي” المتشككين.
وفي الواقع، يختلف اتفاق التعامل عن اتّفاق التحوّل بشكل ملحوظ. فعند التحدّث عن اتفاق تعامل يكون الهدف الأساسي هو نفسه الهدف المعلن، وفي هذه الحالة تكون الغاية من الاتفاق هي تقييد قدرة إيران على تجاوز العتبة النووية مقابل تخفيف العقوبات. وبالتالي تتم مواجهة أي انتهاك إيراني لمثل هذا الاتفاق المحدود باستجابة واضحة وقوية – ولن يكون الاتفاق في حد ذاته مقدساً، بل مجرد وسيلة نحو نهاية الاحتواء النووي. وبالمثل، لن يضع الاتفاق النووي التعاملي وحده حداً لردود فعل الولايات المتحدة تجاه عمليات النهب الإيرانية الأخرى في المنطقة. فكما كان عليه الحال مع الاتحاد السوفياتي، تستطيع واشنطن احتواء التصرفات الإيرانية بثقة عالية بأنّ طهران ستفصل ما بين النضال الأوسع نطاقاً وبين اتفاق محدد ذو منفعة متبادلة.
غير أنّ ديناميكية اتفاق التحول تختلف بشكل ملحوظ. فهنا، يفترض هذا الإتفاق أنّ طهران ستحدّ من طموحاتها الثورية والإقليمية مع مرور الوقت بسبب العلاقات والثقة التي أرستها كما يُزعم مع المسؤولين الغربيين خلال المفاوضات، فضلاً عن ثقتها بأن الجمهورية الإسلامية أصبحت الآن عضواً مقبولاً في نظام الدولة. وفي هذه الحالة، ستتحوّل شروط الاتفاق النووي وأي سلوك سيء خارجه إلى أمورٍ ذات أهمية ثانوية. والمهم هنا هو السماح لديناميكية التحول بفرض سحرها. ووفقاً لهذا التوجّه، من المرجّح أن تتبنى الإدارة الأمريكية رد فعل مختلف جداً تجاه الانتهاكات الإيرانية للاتفاق أو استمرار العدوان الإقليمي، حيث أنّ القيام بالعمليات التي تهدف إلى تحقيق ما هو أكثر من مجرّد استيعاب التجاوزات الإيرانية قد يقوّض الهدف الرئيسي الكامن في تحويل البلاد. وهذا هو بالضبط ما يقلق قادة دول “مجلس التعاون الخليجي“.
والحل الجليّ لهذه المعضلة هو إعلان الإدارة الأمريكية بشكل واضح وضوح الشمس أن الصفقة النووية هي اتفاق تعامل فقط، وليس “الفصل الأول” من فصول متسامية أوسع نطاقاً. غير أن هذه المهمة لن تكون سهلة نظراً إلى التناقض في التصريحات الأمريكية والإجراءات التي اتخذتها الولايات االمتحدة حتى الآن حول إيران. ففي 29 كانون الأول/ديسمبر على سبيل المثال، صرّح الرئيس الأمريكي شخصيّاً من على محطة “الراديو الوطني العام“(NPR) قائلاً: “إذا تمكنّا من القيام بهذه الخطوة الأولى الكبيرة [أي الاتفاق]، عندئذ آمل أنّه سيكون الأساس الذي سنبني عليه لمحاولة تحسين العلاقات بمرور الوقت”. وكان أوباما وعدد من المسؤولين الأمريكيين قد أعلنوا مراراً وتكراراً للصحفيين الودّيين أمثال فريد زكريا وديفيد إغناتيوس أنّ بإمكان إيران أن تصبح قوة إيجابية في المنطقة، في حين يرى مستشاروه أن الاتفاق مع إيران سيعادل قانون “أوباما كير” على المستوى الدولي (و”أوباما كير” هو قانون حماية المريض وتوفير الرعاية الصحية بأسعار معقولة في الولايات المتحدة، وقد أُطلقت عليه هذه الكنية على إسم مقترحه الرئيس الأمريكي).
وفي المقابل، قدم نائب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن أفضل حجة ممكنة لتفسير المفاوضات النووية على أنّها اتفاق تعامل ورد فعل قوي للسلوك الإيراني السيء؛ وقد جاء ذلك أثناء خطاب ألقاه باللغة الانكليزية في حفل أُقيم في معهد واشنطن في 30 نيسان/أبريل:
“أعزائي، لسنا بصدد عقد صفقة كبرى بين الولايات المتحدة وإيران من شأنها أن تعالج جميع الخلافات بيننا … ولسنا نراهن على تغيير إيران لتوجهاتها. فجميعكم تعلمون أن إيران ليست كياناً واحداً … ولكن كما ترون، يتم خوض هذا النقاش داخل ايران. هذا ليس الأساس الذي يرتكز عليه هذا الإتفاق … تماماً مثل المحادثات التي أجريناها مع الاتحاد السوفييتي حول الحد من التسلح – وهو نظام آخر كنّا نختلف معه بشكل جذري إذ كانت تصريحاته ولهجته وإجراءاته بغيضة وغير مقبولة، وواجهنا عملاءه بالقوة في جميع أنحاء العالم – ولكنّنا تفاوضنا للحد من التهديد النووي … لذا نحن نعمل باستمرار على تطوير الوسائل والقدرات لمواجهة نشاطات إيران الهادفة إلى زعزعة الاستقرار … ونحن على استعداد لاستخدام القوة “.
لا شك في أن بايدن يؤمن بهذه الأمور، ولكن الرئيس أوباما، وليس جو بايدن، هو من يتخذ القرارات حول السياسة المتعلّقة بإيران.
سابقة كوبا
نظراً إلى الغموض الذي يحيط بهذه المسألة، من المفيد أن نحلل مقاربة الرئيس أوباما في وضع مماثل، وهو كوبا. فليس هناك شك بأن قراره إنهاء الحصار يشكل خطوة تحولية، ومن جهة واحدة تماماً أيضاً. فالإدارة الأمريكية لم تطالب بـ “مقابل مماثل” (باستثناء إفراج كوبا عن متعهد أمريكي ما كان ينبغي أن يُسجن في المقام الأول). وخلال إعلان سياسته الجديدة في 17 كانون الأول/ديسمبر، تحدث الرئيس الأمريكي عن “تحوّل دائم” في كوبا. ومنذ ذلك الحين، شدد مراراً وتكراراً على أن هذا الالتزام يشكل أفضل فرصة لخلق إمكانيات جديدة من الحرية للشعب الكوبي، كما جاء في المقابلة التي أجراها مع صحيفة “وول ستريت جورنال” في 27 نيسان/أبريل. وبالمثل، في مقابلة أخرى أجراها في 9 نيسان/أبريل مع وكالة الأنباء الإسبانية “إي إف إي”، أشار إلى أن التعاطي [مع كوبا] “قد أظهر بالفعل [بعض] النتائج… وأن حماس الشعب الكوبي لهذه التغييرات يثبت أننا على الطريق الصحيح“.
ليس من غير المعقول أن نفترض أن القرار بشأن كوبا – وتوقيته تماماً في الوقت الذي بدأت فيه المرحلة النهائية من المفاوضات مع إيران – لم يكن فريداً لمرة واحدة فقط بل كان إشارة ورمزاً حول النقطة التي يريد الرئيس أوباما حقاً الوصول إليها مع إيران، وذلك تمشياً مع المقاربة التي يفضلها في إطار سياسته الخارجية منذ عام 2007 والمتمثلة بالتواصل مع الدول المعادية. ويقيناً، لقد أشار أوباما علناً إلى الاختلافات بين كوبا وإيران، كما جاء في حديثه مع “الراديو الوطني العام” المذكور أعلاه. إلا أن الحالتين لا تزالان مرتبطتين في أذهان العديد من المراقبين، وبالتالي فإن كيفية تعامله مع هذا التصور ستلعب دوراً بارزاً في نتائج كامب ديفيد.
توصيات لكامب ديفيد
بغية تأمين قمة ناجحة، سيتوجب على الإدارة الأمريكية أن تضع حداً للغموض الذي يسود طبيعة الصفقة مع إيران والغرض منها. لكن مهما كانت قوة اعتقاد الإدارة باستراتيجية تحويلية، فإن السيناريو – في طهران، في الكونغرس، وبين حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة – ينذر من عدم توصل هذه المقاربة إلى نتائج تؤتي ثمارها في الثمانية عشر شهراً المقبلة، بل إلّا بعد مرور فترة من انتهاء ولاية الإدارة الحالية. وبالتالي فإن دعم هذه الاستراتيجية علناً أو ترك الموضوع مفتوحاً لن يؤدي سوى إلى زعزعة دول “مجلس التعاون الخليجي” وتأجيج [المشاعر] في صفوف أولئك الذين يعارضون حتى قيام صفقة تعامل. ومن المثير للسخرية أن إمكانية التحول في إيران يرجح أن تختفي إذا ما تم خرق الاتفاق.
فما الذي يجب على الإدارة الأمريكية فعله في كامب ديفيد؟ بالإضافة إلى تقديم الإجراءات الملموسة ولكن الثانوية التي يبحث عنها الزوار، يتوجب على الرئيس الأمريكي أن يردد تصريحات نائبه جو بايدن التي جاءت في خطابه في 30 نيسان/أبريل ويدعمها باتخاذ المزيد من الخطوات لمقاومة الإنتهاكات الإيرانية في العالم العربي، وتشمل هذه اتخاذ تدابير أكثر صرامة في سوريا، كما دعت صحيفة “واشنطن بوست” في 3 أيار/مايو. وأخيراً، يجدر بالإدارة الأمريكية أن توضح من خلال جميع القنوات بأن العلاقة التحويلية مع طهران لا تشكل أولوية بالنسبة لها في الوقت الراهن.
جيمس جيفري هو باحث في معهد واشنطن.