من كامب دافيد السادات إلى كامب دافيد سلمان بقلم بنت الأرض
كان أول ما أشاع صيت “كامب دافيد”، منتجع الرئاسة الأميركية في العالم العربي، هو توقيع الرئيس المصري أنور السادات إتفاقاً مع الكيان الصهيوني عام 1978 وبعد عام على زيارته للقدس، عرف باتفاق كامب دافيد. ولا بدّ من التذكير هنا أنه وقبل زيارته إلى القدس قد زار السادات الرئيس حافظ الأسد في دمشق، حليفه وشريكه في حرب تشرين، وحاول أن يقنعه بالموافقة على زيارته وأنه قادر أن يُعيدَ له الجولان كاملاً ولكن الرئيس حافظ الأسد لم يوافق على الطريقة ولم يقتنع بها كما أن همّه لم يكن الجولان فقط وإنما الحق العربي بأكمله، وكان حلمه دائماً وعمله يصبّ في خلق إمكانية لاستعادة الحقوق العربية كاملة دون نقصان. إن أهمّ هدف إسرائيلي تحقق من توقيع اتفاق كامب دافيد مع السادات هو إخراج مصر من الصراع العربي الإسرائيلي، وهذا الهدف ليس هدفاً بسيطاً، بل جعل الأمة العربية بدون مصر كالبطة العرجاء، وما زالت الأجيال العربية حتى اليوم تدفع الثمن الباهظ لهذا الإتفاق. وأما مقاطعة مصر وعودة عودة مصر إلى الصف العربي كما يقولون، فهذه تفاصيل لم تغيّر أبداً من الحقيقة المرّة أن مصر العربية قد أُخرجت من حمأة الصراع العربي-الإسرائيلي وتلتها الأردن باتفاقية وادي عربة .
حين وقّع عرفات اتفاق أوسلو ووجه بذلك ضربة قاصمة لعملية السلام التي دخلت في حينها بمرحلة إحراج العدو الإسرائيلي، نتيجة التزامها بتلازم المسارات، فأتى اتفاق أوسلو لخرق هذا التلازم وتوجيه ضربة قاصمة للصف العربي، توهّم حينها عرفات أنه سيصنع تاريخاً من خلال خلق كينونة فلسطينية للدولة الفلسطينية التي طالما حلم بها ولكنه لم يحسن السير اتجاهها. وحين ذهب إلى كامب دافيد مع إيهود باراك وبرعاية الرئيس بيل كلينتون كان واهماً أن الإسرائيليين والغرب سيقدمون له ما يحتاجه في الإتفاق بعد أن أعطاهم كل ما يريدونه في اتفاق أوسلو. لكنه فوجئ أنهم يريدون منه أن يسقط حق العودة من الإتفاق وكان يعلم أن “حق العودة” هو الحق المقدّس لكل فلسطيني وأنه لا يمكنه فعل ذلك. فقال لهم إذا وقّعت لن أبقى يومين وسيقتلني أول فلسطيني يتمكن من قتلي ورفض التوقيع. ولا شك أن قراره بعدم التوقيع قد أنجب قراراً آخر لدى العدو الصهيوني بقتله وهذا ما فعلوه. وقد نصحه بعض زملائه بعدم العودة إلى الداخل الفلسطيني ولكنه كان قد أحرق مراكبه مع معظم الأخوة العرب فعاد إلى هناك وفعلاً قتلوه.
واليوم، سوف يتوجه ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز ولفيف مجلس التعاون الخليجي إلى كامب دافيد بعد أن قدّموا عربوناً تدمير بلد عربي وقتل أهله الآمنين بقصف طائراتهم، ولا شك أن الإجتماع القادم والذي يشغل المحلليين والمهتمين بالوضع الإقليمي سيركز على استخدام دول الخليح ضد شعب اليمن والشعب السوري وضدّ أي بلد عربي يظهر حتى رغبة في الإستقلال عن أوامر الدوائر الصهيونية في الغرب.
سيخطّ كامب دافيد 16أيار 2015 تاريخاً جديداً عنوانه هو الحفاظ على يدي الغرب نظيفة من التدخل في المنطقة واستخدام “التحالف اللاعربي” (والذي أسموه عربياً فقط لتضليل المواطن العربي، كما أسموا الربيع العربي) لضرب أي دولة أو حركة عربية تعمل ضد المصالح الصهيونية والإستعمارية في المنطقة. ولهذا الأمر فائدة أخرى وهي استحضار العرب في نظر العالم الغربي بأنهم مجلس التعاون الخليجي، كونها الكتلة الوحيدة المنظمة وبهذا يحققون ويثبتون صورة المستشرقين عن العرب على المستوى الفكري والإجتماعي والسياسي، ويستخدمون مال الخليج لتشغيل معامل السلاح لديهم، ويستعملون هذا السلاح نفسه لتدمير بلدان عربية، وبنىً تحتية، وقتل العرب في بلدانهم، وإعادتهم مئة عام إلى الوراء. وبهذا يستكمل كامب دافيد(3) ما بدأه كامب دافيد(1) بحيث لا يخرج الخليج من العروبة والصراع العربي-الإسرائيلي فحسب، وإنما ينصّبونه أداة حرب على العرب ومقدراتهم وتاريخهم ومستقبل أجيالهم. فهل نستكين أم نُحسن خلق استراتيجيات وأدوات حقيقية للردّ الفعلي والتاريخي في البلدان التي تدافع عن عروبتها وتدفع ثمناً باهظاً من أجل ذلك وتدرك أن العروبة هي الحلّ وهي المستقبل !