لماذا يعتبر الحريري انتصار حزب الله في القلمون هزيمة لتيّاره؟ تهديد «بتعليق الحوار» «ولوائح الإرهاب»الخليجيّة وانزعاج من الجيش! ابراهيم ناصرالدين
مع كل اطلالة للامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، تبدأ الجهات السعودية المعنية بالحرب النفسية والدعائية باحصاء الخسائر المادية المهدورة على تلك الحملة، فما ينفق عليه اموال طائلة هناك لا يحتاج من السيد سوى بضعة دقائق وعدة كلمات كفيلة بانهيار كامل هذه المنظومة، هذا ما يحصل منذ اسابيع في العدوان على اليمن، وتكرر قبل ساعات في الحرب على سوريا، فرغم كل حملات التشويه يدرك «خصوم» السيد ان مصداقيته وقدراته الهائلة على ادارة هذا النوع من الحروب مؤثرة للغاية، وهذا ما يفسر الغضب العارم بعد ان «عرى» «عاصفة الحزم» وكسر «حاجز الصمت» تجاه العائلة السعودية الحاكمة، واليوم تبدو حالة الحنق اكبر بعد ان افشل السيد نصرالله موجة الاشاعات الجديدة حول سوريا، والعارفون بالواقع السوري يتحدثون اليوم عن مرحلة ما قبل خطابه الاخير وما بعده. واذا كانت «خطورة» السيد تبرر هذا الكم من الحملات الشخصية والسياسية عليه يبقى سؤال الجوهري عن اسباب اعتبار الرئيس سعد الحريري هزيمة المجموعات التكفيرية في القلمون هزيمة شخصية له وهزيمة لمشروعه السياسي ويتصدى للدفاع عنهم بحماسة منقطعة النظير جعلته يخاطب الامين العام لحزب الله بالقول» أنت تكلّف نفسك بمهمة لا أخلاقية ولا وطنية ولا دينية. وتتلاعب بمصير لبنان؟.
اوساط قيادية في 8 آذار بعثت برسالة عبر طرف ثالث تطلب من الحريري توضيحات وتفسيرات حول هذا التوصيف، فكيف يمكن لهذه الحرب ان تكون غير وطنية وغير اخلاقية اذا كان الطرف الاخر في هذه الحرب مجموعات تكفيرية تهدد السيادة اللبنانية وتقاتل الجيش اللبناني وتخطف جنوده، وترسل الانتحاريين الى الداخل اللبناني، وتعبث بالامن الوطني، اما التوضيح الاكثر وجوبا فهو اعتبارها حربا «لا دينية» وهو تطور خطير في كلام الحريري المطالب بموقف واضح ازاء تلك المجموعات التي يدعي أنه يدعم الاجهزة الامنية في ملاحقتها في الداخل بينما هو اليوم يرفض ابعاد خطرها عن الحدود، ويستخدم الوازع الديني في محاولته، فهل يمتلك الجرأة لتبني الهوية السنية التي يدعيها هؤلاء؟ بعد ان ثبت ان ما يجاهر به النواب «الزرق» المعزولين يمثلون حقيقة ما يفكر به الحريري وتياره في السر؟
اما لماذا يعتبرها هزيمة شخصية؟ فهذا يعود اولا وبحسب الاوساط، لقناعة لديه بان بشار الأسد انتهى، وان السيد نصرالله يتدخل مجددا لحمايته، وهو يعرف انه قادر على ذلك، وهذه «الاوهام»موجودة ايضا لدى السعوديين الذين دخلوا مع الاتراك والقطريين في مغامرة جديدة لتغيير الوقائع الميدانية في سوريا، ومنطقة القلمون تعد جبهة اساسية في استراتيجية حلفاء الحريري لتضييق الخناق حول دمشق. وثانيا لانه يعرف جيدا ان حسم هذه المعركة ستزيده ضعفا في الداخل وستعزز اوراق القوة بيد حزب الله الذي يملك «الكلمة الفصل» في تحديد هوية رئيس الحكومة المقبل، وهذا ما يجعل الطريق الى السرايا الحكومي اكثر صعوبة. لكن هل يملك الحريري الادوات الفعلية والرادعة لمنع حزب الله من استكمال استراتيجيته؟
لا يبدو ذلك، تؤكد الاوساط، فاستخدام المحكمة الدولية «كسيف مسلط» للضغط على الحزب لم تثبت جدواها بدليل ان قيادة الحزب تتجاهل مسار الجلسات «المملة» في لاهاي وتعتبرها غير ذات قيمة سياسية او قانونية، اما «وربط النزاع» الحكومي الذي ابتكره الحريري لتبرير مشاركته مع حزب الله في حكومة واحدة، فهو مصلحة شخصية له ولتياره السياسي ولا يملك ترف «تفجير» «زواج الاكراه» المقدر له ان يستمر الى اجل غير مسمى بفعل انسداد الافق الرئاسي، واي خطوة بهذا الاتجاه تعتبر «انتحار سياسي» في الداخل، ولذلك فان السقف الذي يمكن ان يصل اليه الحريري في محاولاته لردع حزب الله عن القيام بتصفية المنظمات الارهابية على الحدود الشرقية تبدو محدودة او منعدمة، وهو سمع كلاما عالي النبرة من قبل عدد من نوابه وقياداته المحسوبين على تيار الرئيس فؤاد السنيورة بسبب ما يعتبرونه اخطاء جسيمة تم ارتكابها خلال الاشهر القليلة الماضية من خلال الاندفاع نحو تبريد «الجبهات الساخنة» في الداخل والتخلي عن «اوراق القوة» التي كانت تؤرق حزب الله وتحد من اندفاعته «وتهوره»، دون اي مقابل او ضمانات، وفي هذا السياق اصبح «صقور» «التيار الازرق» الذين كانوا يحركون الشارع في الشمال والبقاع دون اي غطاء سياسي جدي يحميهم من المسألة بعد ان تم اخراجهم من «عباءة» تيار المستقبل، كما ان من تبقى من القيادات الاسلامية «الفاعلة» في الشارع السني ابلغت من يعنيهم الامر في «التيار الازرق» انه لن يكونوا مجددا «مرتزقة» يعملون وفق اجندات تتخلى عنهم عند الازمات، وهؤلاء يعرفون جيدا ان اي خروج عن «الخط» والقيام باعمال تهز الاستقرار الداخلي ستواجه بحزم من قبل الجيش ولن يكون هناك اي صدام مع حزب الله يمكن استثماره في التحريض المذهبي.
وفي هذا السياق، فان المأزق الرئيسي لدى الحريري يكمن في موقف المؤسسة العسكرية التي يتهمها بحماية «ظهر» حزب الله في الداخل، وهو يعرف ان الحزب ما كان ليخرج الى الحرب في القلمون لو ان الساحة الداخلية «رخوة» فالجيش باتت الحرب على الارهاب جزء من عقيدته. وهنا نقطة ضعف الحريري فهو لم ينس حتى يومنا هذا دور المؤسسة العسكرية في السابع من ايار، واكثر ما يخشاه ان يعيد التاريخ نفسه، فهو من خلال الضغوط السياسية يمنع حتى الان حصول تنسيق بين الجيشين الللبناني والسوري على الحدود، ويحاول الضغط من خلال ملف التعيينات الامنية لفرض اجندته داخل الجيش، ولكنه اكتشف انه غير قادر على فرض «عقيدته» في المؤسسة العسكرية، «فالمكرمات» السعودية لم تغير من الوقائع شيئا ومحاولة «تكبيل» الجيش بالمساعدات العسكرية اتضح انه تفكير «بائس» لم يجد نفعا بعد كل التضحيات التي دفعتها المؤسسة العسكرية في مواجهة هؤلاء، وتم افهامه بانه لا امكانية «لبيع» دماء الشهداء، وفي المحصلة رضي الحريري او لم يرض، اقتنع او اعترض، فان الجيش والمقاومة سيكونان في «خندق» واحد في مواجهة المد التكفيري في لبنان، وثمة مفارقة اكتشفها خلال اتصالاته الدولية تفيد بان هذه الحرب المشتركة تحظى برضى ضمني من قبل الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الاميركية «غير المنزعجة» من الدور الذي يقوم به حزب الله في هذه الحرب.
وفي هذا الاطار عندما تحدث السيد نصرالله عن عدم قدرة الدولة على المواجهة في «السلسلة الشرقية»، لم يكن يوجه انتقاداته للجيش اللبناني او لقيادته التي تعمل بكامل طاقتها لمواجهة الارهاب، فالتنسيق قائم مع المقاومة في الداخل وعلى الحدود، وضمن القدرات المتاحة لاستخبارات الجيش والقوات المقاتلة، لكن الدولة الغائبة وغير القادرة تتمثل بموقف الحريري وفريق 14آذار الذي يصر على حماية هؤلاء خدمة للاجندة السعودية. وامام انسداد الافق بدات قيادات فاعلة في تيار المستقبل بتسريب معلومات حول عدم قدرة الرئيس الحريري على تغطية استمرار الحوار مع الحزب اذا ما انطلقت الحرب في القلمون وهو سيكون مضطرا حينها الى خطوة اولية بتعليقه قبل الاعلان عن وقفه نهائيا، ريثما تسمح الظروف بذلك، وثمة تهديد بخطوات خليجية مواكبة من خلال تبني الموقف البحريني بتصنيف حزب الله كحزب ارهابي، وهذا ما سيضفي تعقيدات كبيرة على الواقع اللبناني. لكن هل ستردع هذه الاجراءات حزب الله؟ لا يبدو ذلك فمعركة القلمون قد بدأت فعليا، وفقا لاستراتيجة شديدة الذكاء، وعمليات «القدم» الممنهج لمواقع المسلحين تتوالى، والانهيار السريع قد لا يسمح للحريري «بالتقاط انفاسه».
(الديار)