قمة “كامب ديفيد” تحسم الخيارات الخليجية.. أميركياً د. ليلى نقولا الرحباني
يتحضّر الحُكام الخليجيون للذهاب إلى قمة “كامب ديفيد” للقاء الرئيس الأميركي
باراك أوباما وفريق إدارته، وكان من ضمن سياق التحضير لهذا اللقاء التاريخي،
سلسلة تحضيرات أميركية وخليجية – خصوصاً سعودية – تسبق موعد اللقاء المرتقَب.
تحاول السعودية في هذا الوقت المنتظَر أن تجمّع قدر المستطاع من أوراق القوة
لديها، لذلك ستحاول أن تقوم بما يمكنها القيام به في اليمن، لتحقيق إنجاز
عسكري مهما كان شكله وحجمه، وهذا ما دفعها إلى تسريب قيام إنزال برّي في
اليمن، وإعلان أن القوات الخاصة التي تمّ إنزالها هي قوات يمنية كانت قد طلبت
اللجوء السياسي في الخليج في تسعينيات القرن الماضي، وانضمت إلى القوات
السعودية أو الإماراتية، ثم تمّ نفي الأمر جملة وتفصيلاً فيما بعد.. وفي
التسريب والنفي، إما محاولة القيام بحرب نفسية، والإيحاء بقدرة الخليجيين على
القيام بإنزالات برية في حال تعذّر القيام بهجوم برّي شامل، أو لجسّ نبض
الأعداء والأصدقاء على حدّ سواء، لمعرفة تطورات الأوضاع وردات الفعل تجاه أي
عمليات إنزال في المستقبل.
هذا في اليمن، أما في الداخل السعودي، فيستكمل الملك سلمان تغيير هيكلية
السلطة في السعودية، من “باب توحيد البندقية”، و”توحيد الرأي وتجانس السلطة”،
والتمهيد لحكم يكرّس قبضته وقبضة كل من ابنه محمد والوزير محمد بن نايف على
مقدرات الحكم، فكانت سلسلة التعيينات التي حصلت، والتي طالت أعلى قمة في الهرم
(ولي العهد، وولي ولي العهد) إلى أصغر منصب في هرم السلطة في الممكلة، ويبقى
من الحرس القديم الأمير متعب بن عبدالله على رأس وزارة الحرس الوطني، ما يجعل
القرار بالاستعانة بالحرس الوطني وإرساله إلى الحدود اليمنية للمشاركة في
“عاصفة الحزم” قبل إعلان توقّفها بلحظات هو من قبيل زجّ الرجل في مستنقع
اليمن، للتخلّص منه، من خلال تحميله وزر أي فشل سعودي في اليمن، أو التخلص منه
بإلغاء وزارة الحرس الوطني، كما أعلن أحد الباحثين البريطانيين؛ ديفيد هيرست،
الذي قال إن “الملك سلمان بن عبد العزيز سيُلغي وزارة الحرس الوطني قريباً،
والتي يتولاها الأمير متعب بن عبد الله، وسيُعيد الحرس الوطني إلى وزارة
الدفاع، والتي يرأسها ابنه محمد بن سلمان”.
كل هذه التطورات، بالإضافة إلى القمة الخليجية المسبَقة والتمهيدية لـ”كامب
ديفيد”، تفيد بأن الخليجيين يتهيبون لحظة اللقاء بالرئيس الأميركي، خصوصاً
بعدما كان قد أرسل لهم تهديدات علنية ومبطّنة، من خلال مقابلته مع الكاتب
توماس فريدمان بقوله إن “الخطر الأكبر على هذه الدول ليس تهديد الاجتياح
الإيراني، بل من عدم الرضى المتأجّج داخل هذه الدول ذاتها”، فهناك – حسب وصفه
– “مجتمعات داخل الشعب السعودي تواجه الإقصاء في بعض الحالات، وسوء توظيف
الشباب، وايديولوجية هدامة ومنعدمة”.. لذا ستعمد إدارته إلى “العمل مع هذه
الدول على تطوير قدراتها الدفاعية في مواجهة التهديدات الخارجية، والعمل على
تقوية السياسة الداخلية في هذه الدول، كي يشعر الشباب السُّني أن لديه شيئاً
عدا عن الدولة الإسلامية للاختيار”.
ومع كل هذا المخاض والتحولات الخليجية، يبقى المستقبل الخليجي بيد صاحب القرار
الأميركي، وذلك من خلال مقاربات ثلاث، على الإدارة أن تختار فيما بينها:
1- الإبقاء على السعودية قطباً أساسياً وشريكاً وازناً في المنطقة، وهذا يتطلب
أكثر من إعلان مبادئ فضفاض بدعم الأميركيين لـ”الحلفاء الخليجيين في حال
تعرّضهم لعدوان خارجي”، بل يتطلب التوقيع على اتفاق دفاعي بين أميركا ودول
الخليج، مقابل دعم الخليجيين للاتفاق النووي مع إيران، وهو ما عرضه ولي عهد
الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان على الرئيس أوباما في نيسان المنصرم.
2- الإبقاء على السعودية مستقرة وفاعلة إقليمياً، لكن أضعف من أن تعرقل أي
تفاهم نووي مستقبلي مع إيران، وهذا يعني عدم إعطاء السعودية وباقي الدول
الخليجية ما تطلبه، والاكتفاء ببيان رسمي شامل لا يُسمن ولا يُغني.
3- الفوضى وعدم الاستقرار السعودي، وهو خيار قد يكون غير مطلوب أميركياً إلا
في حال شعر الأميركيون بعدم قدرتهم على لجم الاندفاعة السعودية، وعدم قدرتهم
على ضبط حركة الحلفاء في ظل التوجّه للتفاهم مع إيران، وهو ما قد يدفع
السعوديين إلى خفض مستوى تمثيلهم في القمة.
كل السيناريوهات الآنفة قد تكون واردة، لكن يبقى الخيار الثاني هو الأقرب إلى
الواقع، فما زال أمام الأميركيين تحدّيات كبيرة في مناطق عدّة في الشرق
الاوسط، وللسعودية نفوذ في العديد من المناطق الحيوية، ومن المبكّر التخلّي عن
حليف يؤدي للأميركيين خدمات جمّة وثمينة في هذا الوقت؛ قبل نضوج التسويات في
المنطقة.