ارادة المقاومة والحرب النفسية
غالب قنديل
اثار السيد حسن نصرالله في خطابه فكرة الحرب النفسية التي تستخدم حملات التضليل والايهام في التحايل على وجوه تعثر المخطط الاستعماري الجاري تنفيذه في البلاد العربية وخصوصا في كل من سوريا واليمن والعراق.
حروب التفتيت التي هي مضمون هذا المخطط كما شرحه السيد نصرالله أكثر من مرة تعني تمزيق الدول العربية المستهدفة واغراقها في حروب طائفية ومذهبية يراد منها تدمير القدرات الفعلية للعرب بصورة تحقق استقرار الغلبة الاسرائيلية التي هشمها محور المقاومة، ويتضح من مراكز التخطيط الاميركية ان التدبير الاستعماري الغربي الذي حشد في هذه الخطة حكومات ودولا عربية وإقليمية مبني على ضرورة ادامة الحروب والفتن وعمليات التقسيم والتفتيت لشعارات السنين القادمة.
الحرب النفسية المستخدمة مؤخرا في التحايل على العقبات والعقد الناتجة عن صمود قوى المقاومة ظهرت بجلاء في الموضوعين السوري واليمني.
أولا في سوريا تشن الدوائر الغربية والخليجية والتركية حملة ايهام شاملة للتأثير على معنويات الشعب السوري والجيش السوري وللنيل من تلاحم وتماسك محور المقاومة ويتم ذلك من خلال حملة دعائية كثيفة وضخمة لترويج كمية من الانطباعات التي تخدم المخطط الاستعماري وقد ظهرت عبر المحاور التالية:
1 – استخدمت الحرب النفسية الايحاء بأن هجوما شاملا للعصابات الارهابية المسماة معارضة سورية رغم كونها متعددة الجنسيات ويقودها غرباء عن سوريا يتقدمها اتراك وشيشان وسعوديون وعراقيون ويرتبط معظمهم بأجهزة الاستخبارات الغربية والخليجية والتركية والأردنية وهؤلاء يقيمون سلطة التوحش البربري في الأراضي التي يسيطرون عليها بينما تريد الدعاية المضللة ان تقدمهم على الطريقة الاميركية “مناضلين من أجل الديمقراطية ” ومآثرهم الدموية والإرهابية وعقائدهم الوهابية التكفيرية والعثمانية تكفي للدلالة على أهدافهم القريبة والبعيدة ناهيك عن انفضاح علاقتهم الوثيقة والعضوية بالكيان الصهيوني.
2 – الهجمات الاخيرة التي شنها الإرهابيون بتدخل تركي مباشر وبتورط اردني مكشوف وبمؤازة اسرائيلية معروفة تقع في لعبة الكر والفر ومن الواضح ان تعثر العدوان على سوريا يصطدم بثبات وصمود الجيش السوري والشعب السوري والقيادة السورية وعلى رأسها الرئيس بشار الأسد وذلك الصمود هو المستهدف بالحرب النفسية لان توهين المعنويات في حساب المعتدين يسمح بتوسيع الثغرات التي يراهنون على النفاذ .
تتبع القيادة السورية نهجا واضحا في احتواء الاختراقات والاعداد للانتقال الى الهجوم المعاكس وهذا يسمح للقيادة السورية ولقواتها المسلحة بان تمسك بزمام المبادرة وان تكون هي الجهة المتحكمة بأولويات المعارك وأهدافها لا ان تستدرج الى الرزنامة التي يعدها المخططون الغربيون وفقا لترتيباتهم وحساباتهم وهذا أمر يجعل استرجاع المواقع ابعد قليلا من الزاوية الزمنية مما يتمناه انصار الدولة والجيش في سوريا لكنه يضمن تحقيق هذا الانتصار بثبات بعد استنزاف العصابات وانهاكها وفضح طبيعتها امام الشعب السوري والرأي العام العربي والعالمي.
3 – في حملة التضليل والحرب النفسية جرى استهداف مباشر لتلاحم محور المقاومة وهذا أمر ليس جديدا فقد شهدناه على موجات متتالية من محاولات الايهام بأن روسيا وإيران قد تقبلان المساومة على سوريا وعلى وحدة أراضيها وعلى مكانة قائدها العروبي المقاوم الرئيس بشار الأسد وعلى امتداد السنوات الماضية وكلما لاحت محطات تفاوض بين إيران والغرب او بين روسيا والولايات المتحدة بالذات كنا ولا نزال نشهد تسريبات وسيناريوهات من هذا النوع الذي أكدت التجارب انه لا أساس له أمام القناعة الروسية والإيرانية والصينية المتجددة بأن سوريا هي القلعة الأمامية لجميع الراغبين في تخليص العالم من الهيمنة الاحادية الأميركية ولذلك فان أكاذيب من نوع التسليم بنفوذ تركي في سوريا او القبول بتقسيم سوريا او التخلي عن الرئيس الأسد في مواقف حلفاء سوريا إنما تدعو الى السخرية لانها أولا تناقض إرادة الشعب العربي السوري الذس يطمح لتحرير بلاده ولانتصارها على العدوان مهما طال الزمن او كان الثمن وبغض النظر عن جميع المواقف الدولية والاقليمية ويحظى الرئيس الأسد بتفويض شعبي كاسح يعرفه الاعداء قبل الاصدقاء وقد ثبت لمن يريد ان يعرف ان سوريا تحسم خياراتها بنفسها وتهدي حلفاءها نتائج صمودها وهي حاجة مصيرية لجميع الحلفاء الذين يحترمون إرادة الرئيس الأسد ومن خلفه شعب سوريا ودولتها وجيشها بينما فلول المرتزقة والتكفيريين متعددي الجنسيات لا تمثل شيئا في وجدان السوريين وإرادتهم.
ثانيا أما في اليمن فإن الحرب النفسية تقوم على محاولة الايهام بأن هزيمة العدوان هي انتصار كما قال السيد نصرالله ويجري تبديل الاهداف في البيانات السعودية حول الحرب كما تبدل الأقنعة في مسارح التهريج وهذا أمر كشفه الشعب اليمني الواثق بانتصاره والمصمم على الصمود دفاعا عن استقلال اليمن ومن أداوت الحرب النفسية حيلة ما سمي بعاصفة الأمل بعدما تكسرت أنياب حملة الحزم وأفشلت أهدافها رغم ضراوة العدوان الوحشي وتفكك الحلف الذي قام على أساسها ومن الواضح جدا ان في سياق الحرب النفسية محاولة مفضوحة لتقديم فلول داعش والقاعدة في اليمن على انها قوة قبلية تمثل اليمنيين بينما يشهد الواقع اليمني مزيدا من الوحدة الوطنية ضد العدوان وتصميما على انتزاع استقلال ناجز واعادة بناء هياكل الدولة الوطنية بمشاركة جميع القوى والاطراف الحية في المجتمع اليمني وعبثا يسعى المخططون لتحويل العدوان إلى وسيلة حل مزعومة لأزمة داخلية يعرفها اهل اليمن ويعلمون انها من مخلفات الهيمنة التي عانت منها بلادهم وهي التي يسعى المعتدون لإحكامها مجددا وبكل صلافة.
في الحرب النفسية على اليمن محاولات حثيثة عبر وسائل الاعلام لاختلاق موقع ومكانة ووزن للادوات اليمنية الملحقة بالهيمنة السعودية الغربية لا تنطلي على الشعب اليممني الذي هو الأدرى بحقيقة أحجام القوى والرموز السياسية التي عجزت حتى الآن عن ايجاد موطىء قدم لها على أرض اليمن.
حروب التفتيت تستدعي انهاضا للثقافة الوطنية والقومية ونبذا لكل ما هو مذهبي وطائفي تعممه أدوات تسميم الوعي الشعبي والسايسي لطبيعة الخطط الاستعمارية المعادية.
ثالثا بمصداقية قائد مقاوم كبير هو السيد حسن نصرالله يواصل حزب الله التزامه بنهج قومي وطني تحرري الى جانب جميع القوى الحية المدافعة عن البلاد العربية والرافضة لخطط التفتيت والتمزيق التي تمثل نهجا أميركيا وغربيا وصهيونيا شاملا يجري التعامل به ضد سائر الدول والشعوب التي ترفض الخضوع وما يختبر في الفصل الحالي من المؤامرة على وحدة سوريا والعراق واليمن كشعوب ودول هو النسخة الأولية لخطط تختبر بهدف تمزيق روسيا ويخطط لاختبارها في النيل من الصين وإيران بوسائل القوة الناعمة عبر الدعاية الاعلامية والسياسة المكرسة لايقاظ العصبيات والحزازات بين الشعوب وعبر استخدام اداة الحرب بالوكالة التي يديرها الاميركيون منذ الثمانينات بالشراكة مع المملكة السعودية ومع التنظيم العالمي للأخوان وداعش والقاعدة وحكومة اردوغان وهي تنظيمات التكفير الارهابي التي يخططون لنقل نشاطها الى ايران وآسيا الوسطى واستهداف الصين وروسيا في عملياتها في السنوات العشر القادمة.
ان إدراك هذه الحقيقة يجعلنا على قناعة راسخة بان حلفاء سوريا يعرفون حقيقة ان الهزيمة التي يمنى بها الحلف الاستعماري وعصاباته التكفيرية على أرض سوريا ستكون انتصارا لجميع القوى العالمية الحرة المناهضة للهيمنة الاميركية ومخططها الدموي الرهيب القائم على تدمير وهرس جميع البلدان التي تأبى الخضوع وتتمسك باستقلالها ولا تستر جبال النفاق الأميركي والغربي هذه الحقيقة أمام بصيرة العارفين.