السعودية: الولايات المتحدة الأمر لي! عامر نعيم الياس
أجرى الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز سلسلة تغييرات في إدارة المملكة، إذ أعفى أخاه غير الشقيق الأمير مقرن بن عبد العزيز من ولاية العهد، ليعيّن ابن شقيقه الأمير محمد بن نايف في المنصب.
وفي سلسلة قرارات ملكية أذاعها التلفزيون السعودي، عّين الملك أيضاً ابنه الأمير محمد بن سلمان ولياً لوليّ العهد. وعيّن عادل الجبير سفير السعودية لدى الولايات المتحدة الأميركية وزيراً للخارجية، بعد إعفاء الأمير سعود الفيصل من منصبه.
وليّ وليّ العهد أصبح ولياً للعهد، الأمير محمد بن نايف المعروف بأنه رجل واشنطن الوفيّ من السديريين الأبناء، في قلب المؤسسة الحاكمة السعودية أصبح ولياً للعهد. بينما أزيح مقرن الضعيف الذي كان بمثابة صلة وصل لا أكثر ولا أقل بين محمد بن نايف وكرسيّ الحكم في المملكة. لكن من الواضح أن الإدارة الأميركية تعي حجم المخاطر التي تتهدد حكم المملكة ومصيرها. كما أنها تعي حجم الطموحات والخلافات المستحكمة بين أبناء الأخوة حول حكم المملكة في مرحلة أحفاد ابن عبد العزيز. ولذلك قرّرت ضمان وصول الأمير محمد بن نايف البالغ من العمر 55 سنة إلى الحكم، وهو ما يضمن بدوره لاعتبارات تتعلق بالعمر أيضاً، حكم المملكة واستقرارها لفترة طويلةٍ نسبياً، وإعادة ترتيب الحكم ومفاصله في مرحلة «الملك» محمد بن نايف.
وفي هذا السياق، تزامن تعيين الأمير محمد في ولاية العهد مع الكشف عن تفكيك إحدى أكبر الخلايا في المملكة التابعة لتنظيم «داعش» وفقاً للرواية الرسمية السعودية. بمعنى آخر، تمَّ إبراز إنجازات محمد بن نايف على صعيد «مكافحة الإرهاب» باعتبارها خطاً ثابتاً في مسيرة ولائه للبيت الأبيض والإدارات الأميركية المتعاقبة والتي جعلت منه رجل واشنطن في المملكة أولاً، وثانياً قربه في الوقت الحالي من سياسات إدارة أوباما في المنطقة خصوصاً في سورية والعراق. وهنا نستذكر مقالاً نشرناه على صفحات «البناء» بتاريخ 4/3/2015 جاء فيه: « يدرك وليّ وليّ العهد البالغ من العمر 55 سنة حجم المخاطر التي تحيط بالمملكة من جرّاء الأزمة السورية، سواء لجهة الفشل في إخضاع الدولة السورية، أو لجهة ملفّ عودة الإرهابيين السعوديين إلى المملكة. ولذلك يحاول تقديم نفسه باعتباره الشخص الأمثل القادر على إعادة توجيه سياسات المملكة في ما يخصّ ملف الإرهاب، وملف الحرب على سورية بما يضمن التطابق مع سياسة أوباما في سورية، وصولاً إلى تصفير المشاكل. وعند هذه النقطة تقول إحدى الدراسات الصادرة عن مركز ويلسون للدراسات في الولايات المتحدة: الأمير محمد بن نايف الذي تمَّ الدفع به بشكل غير متوقع في خط ولاية عهد المملكة العربية السعودية، هو الشخصية السعودية المفضّلة في واشنطن. ويرجع هذا جزئياً لدوره الفعال في إنهاء الاستراتيجية السعودية لدعم الميلشيات الإسلامية المتطرفة بحسب التعريف الأميركي للتطرّف التي تقاتل للإطاحة بالرئيس بشار الأسد في سورية».
بالتوازي مع تعيين محمد بن نايف، ولتمرير العملية، تمَّ الدفع بوزير الدفاع محمد بن سلمان وهو أصغر وزير دفاع في العالم ورئيس الديوان الملكي السعودي والمستشار الخاص لملك البلاد، ليصبح ولياً لوليّ العهد. وقد لمع نجم محمد بن سلمان أخيراً باعتباره «إعلامياً» المسؤول الأول عن العدوان على اليمن، ومنفذ استراتيجية والده للحدّ من نفوذ إيران في المنطقة عبر التقارب مع تركيا وقطر ومصر، ومحاولة خلق تحالف «سنّي» في مواجهة طهران.
كما عُيّن عادل الجبير السفير السعودي في واشنطن وزيراً للخارجية مكان الأمير سعود الفيصل الذي تولّى المنصب أربعين سنة. واقترن اسم الجبير في الإعلام بحادثتين رئيسيتين الأخيرة كانت إعلانه بدء العدوان على اليمن من واشنطن. أما الأولى فقد كانت في 11 تشرين الأول 2011، حينما ذكرت وثائق قضائية أن السلطات الأميركية أحبطت مؤامرة إيرانية لتفجير سفارة السعودية في واشنطن واغتيال الجبير، وحدّدت الشكوى الجنائية التي كُشف النقاب عنها في المحكمة الاتحادية في نيويورك اسم الشخصين الضالعين في المؤامرة وهما منصور أربابسيار وغلام شكوري. وقالت المستندات إن الرجلين من أصل إيراني في حين يحمل أربابسيار الجنسية الأميركية.
وحصل عادل الجبير على درجة البكالوريوس من جامعة تكساس في الاقتصاد والعلوم السياسية، ودرجة الماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية من جامعة «جورج تاون» في واشنطن.
إذاً، مرّرت واشنطن تعيين محمد بن نايف على رأس الحكم في السعودية. فالمسألة مسألة وقت بالنسبة إلى الملك المريض الهرِم والمصاب بالألزهايمر وفقاً لعدد من التقارير الإعلامية الأميركية. أما ملف تعيين الأمير محمد بن سلمان وليّاً لوليّ العهد جاء حالياً لتمرير تعيين الأمير محمد بن نايف ولياً للعهد في المملكة السعودية، فيما الأيام وحدها كفيلة بتكريس محمد بن سلمان وليّاً للعهد أو حصول العكس، أي خلعه كما تم خلع مقرن. فالأمر الملكي السعودي أثبت بما لا يدع مجالاً للشك قدرة الملك على نقض أي قرار حتى لو كان في صيغة «بيعة نهائية».
هنا يحضر المثال القطري ليلقي بظلاله على المشهد السعودي حالياً. فإعفاء الأمير حمد ووزير خارجيته، وإن لم يفرز تغييراً كبيراً في السياسات القطرية، إلا أنه جاء على خلفية فشل تقدير موقفهما في سورية، واجتهادهما الشخصي في ملف الحرب على سورية. واليوم نرى في السعودية أن وليّ وليّ العهد يحمل وحده عبء عملية «عاصفة الحزم» في اليمن، وبالتالي فإن سيناريو مصيره في الحكم مرتبط بالعمليات والسياسات التي تلقى على عاتقه، مثله مثل محمد بن نايف وزير الداخلية ووليّ العهد الذي رُقّي إلى سلّم رجال واشنطن المقرّبين عبر ملف مكافحة الإرهاب والنجاحات التي حققها عبره، قبل أي ملفٍ آخر.
واشنطن التي تشكك باجتهادات أمراء آل سعود أتت برجالها المقربين لقيادة دفة البلاد في هذه المرحلة الحساسة من إعادة رسم توازن القوى في المنطقة، ابتداءً بمحمد بن نايف وليس انتهاءً بعادل الجبير الموظف الملتزم تعليمات الراسم الأكبر للسياسات، والذي لا يملك أي قدرة على الاجتهاد بناءً على نفوذ عائلي أو ما شابه.
(البناء)