الأكراد يرسمون خارطة تركيا السياسية أسلي أيدنتسباس
23 نيسان/أبريل 2015
منذ عام 2002، هيمنت الانتصارات الانتخابية المتتالية لـ «حزب العدالة والتنمية» الحاكم على السياسة التركية. وتشير استطلاعات الرأي إلى أنّ هيمنة الحزب ستستمرّ في الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في 7 حزيران/ يونيو. ومع ذلك، قد يلعب «حزب ديمقراطية الشعوب» الموالي للأكراد، الذي هو أحد الأحزاب الصغيرة ظاهرياً، دوراً رئيسيّاً في تحديد ما إذا كانت الحكومة القادمة برئاسة «حزب العدالة والتنمية» ستحقق طموحها في تغيير النظام السياسي في البلاد بشكل جذري. فإذا فاز «حزب ديمقراطية الشعوب» بالحد الأدنى من عدد الأصوات اللازمة لدخول البرلمان، لن يتمتّع «حزب العدالة والتنمية» سوى بأغلبية ضئيلة في البرلمان الجديد، ممّا سيؤدي إلى تجديد ولاية حكومة «حزب العدالة والتنمية» للمرّة الرابعة برئاسة رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو. ولكن في حال فشل «حزب ديمقراطية الشعوب» في عبور العتبة البرلمانية، سيرتفع عدد مقاعد «حزب العدالة والتنمية» وسيحصل على الأرجح على الأغلبية الكافية للشروع في استفتاء شعبي لتعديل الدستور. وفي هذه الحالة، يمكن للحزب أن يدفع نحو تأسيس نظامٍ تنفيذي على غرار الولايات المتحدة بقيادة الرئيس التركي الحالي رجب طيب أردوغان.
الخلفية
على مدى السنوات القليلة الماضية، تحوّل «حزب العدالة والتنمية» من حزب إسلاميّ مؤيّد لأوروبا إلى تبجيل شخصية أردوغان. وعلى الرغم من انقسام الرأي العام بالتساوي بين الذين يدعمونه وأولئك الذين يعارضونه، لا يزال أردوغان كلّيّ الوجود في الشؤون اليوميّة للشعب التركي، بحيث تقطع محطات الأخبار برامجها لبث خطاباته التي أصبحت شبه يوميّة.
وعلى الرغم من أنّ الرئاسة حاليّاً هي منصب غير حزبيّ، إلا أن الرئيس أردوغان شارك بشكل كثيف في شؤون الحكومة منذ انتخابه في آب/أغسطس الماضي. ولم يحاول إخفاء أنّه ينظر إلى الانتخابات المقبلة كتمهيد لـ “تركيا الجديدة”، أي لإجراء إصلاح جذري للنظام البرلماني نحو ما يسميه “الرئاسة وفق النمط التركي” التي من شأنها أن تمنحه صلاحيات تنفيذية هائلة.
«حزب ديمقراطية الشعوب» يغيّر مسار اللعبة
من المفارقات، أن كلاً من رؤية أردوغان والخريطة السياسية المستقبلية في تركيا لا تعتمد كثيراً على خَلَفه من «حزب العدالة والتنمية» رئيس الوزراء داود أوغلو، الذي اختاره الرئيس التركي بنفسه، ولا على فصيل المعارضة الرئيسي، «حزب الشعب الجمهوري»، بل على أداء حزب قومي كردي صغير. فالجماعة التي كانت تُعرف سابقاً باسم «حزب السلام والديمقراطية» – وهو الفصيل الرئيسي الموال للأكراد في تركيا – قد حوّلت نفسها إلى ائتلاف أكبر يضم الحركات النسائية المؤيدة لحقوق المرأة والاشتراكيين واليساريين و “العلويين الأتراك” والأقليات المنضوية تحت راية «حزب ديمقراطية الشعوب»، ويعود ذلك إلى حد كبير من أجل تخطّي عتبة نسبة 10 في المائة من التصويت التي تتطلب حصول الأحزاب عليها لدخول البرلمان. وقد وُضعت هذه النسبة بعد الانقلاب العسكري عام 1980، خصّيصاً للحفاظ على مستوى متدني من التمثيل الكردي. وما زالت هذه النسبة الأعلى من نوعها في العالم.
لهذا السبب يستمر المعلّقون الأتراك في إيلاء الكثير من الإهتمام لآفاق «حزب ديمقراطية الشعوب» في الفترة التي تسبق الانتخابات. فإذا تمكّن الحزب من دخول البرلمان، قد يقلّل ذلك من مجموع مقاعد «حزب العدالة والتنمية» بشكل كبير، مما يجعل من المستحيل على أردوغان فعلياً تحقيق هدفه في الرئاسة واسعة الصلاحيات. أما إذا فشل «حزب ديمقراطية الشعوب» في تخطّي العتبة الانتخابية، قد يكون الاستقرار الداخلي في تركيا عرضة لمزيد من المخاطر. إذ إنّ احتمال بقاء الحزب الموالي للأكراد خارج البرلمان قد يثير اضطرابات واسعة النطاق في المناطق الكردية، الأمر الذي قد يعرقل مفاوضات السلام الجارية مع «حزب العمال الكردستاني» الانفصالي الذي يتشارك و«حزب ديمقراطية الشعوب» البرنامج القومي الكردي الأساسي.
هل ينجحون بذلك؟
تقليديّاً، كان «حزب ديمقراطية الشعوب» الموالي للأكراد في تركيا قد حصل سابقاً على حوالي 60-65 في المائة من أصوات الناخبين في المدن الكردية الرئيسية في الشرق، ولكن على حوالي 6.5 في المائة فقط على الصعيد الوطني، وهي نسبة أقلّ بكثير من عتبة الـ 10 في المائة. يُذكر أن أعضاء «حزب السلام والديمقراطية» والأحزاب الكردية الأخرى تمكنوا من التحايل جزئياً على هذا الحاجز من خلال خوضهم الانتخابات كمرشحين “مستقلين” بدلاً من الترشح مع قائمة الحزب. ورغم أن هذه الآلية سمحت للنواب القوميين الأكراد بدخول البرلمان، إلا أنها أعطت أحزابهم 20-35 مقعداً كحدّ أقصى، وهي نسبة أقلّ من الأصوات الفعلية التي يدلي بها الأكراد في الدوائر الكردية. لكن إذا تمكّن «حزب ديمقراطية الشعوب» من تخطي عتبة الـ 10 في المائة في حزيران/ يونيو، يمكنه الحصول على حوالي 50-70 مقعداً من مقاعد البرلمان التي يبلغ عددها 550، ليلعب فعلاً دوراً مؤثراً جداً في السياق السياسي.
وهذه هي بالضبط النقطة التي يركّز عليها «حزب ديمقراطية الشعوب» في الحملة الانتخابية الحالية. وتشير أحدث استطلاعات الرأي أنّ نسبة التأييد للحزب تحوم حول 10 في المائة؛ وهو يحتاج إلى دعم الأتراك العلمانيين، وكذلك الأكراد المحافظين الذين كانوا يميلون نحو «حزب العدالة والتنمية» في العقد الماضي، وذلك من أجل تحقيق نسبة أعلى تؤمّن له فارق مريح.
وقد أدّت عملية السلام بين أنقرة و«حزب العمال الكردستاني» المحظور إلى إضفاء الشرعية على «حزب ديمقراطية الشعوب» بين جزء من الشعب التركي والتيار الرئيسي للأكراد، الذين لطالما شعروا بالنفور بسبب الأساليب المتطرفة التي اتبعها «حزب العمال الكردستاني». إلى جانب ذلك حاز الحزب الموالي للأكراد أيضاً على ارتفاع كبير في الدعم بعد احتجاجات “حديقة غيزي” في عام 2013، حيث صوّر «حزب ديمقراطية الشعوب» نفسه على أنّه المعقل الجديد للمشاعر المعادية لـ «حزب العدالة والتنمية» بين الأتراك الليبراليين والمعارضين.
دميرتاز: ناقد صعب
تعود الزيادة الثابتة في الأصوات لـ «حزب ديمقراطية الشعوب» إلى حد كبير إلى شعبية زعيم الحزب الشاب صلاح الدين دميرتاز، المحام السابق لحقوق الإنسان (42 عاماً ) الذي برز كناقد قويّ لأردوغان. وفي الانتخابات الرئاسية التي جرت في الصيف الماضي، خاض الانتخابات ضد أردوغان وحصل على نسبة غير متوقعة من الأصوات وصلت إلى 9.8 في المائة (حصل أردوغان على 51 في المائة). أما اليوم، ومع وجود هذا الائتلاف الأكبر، الذي يتكوّن نصفه من مرشحات، يتطلّع «حزب ديمقراطية الشعوب» إلى الحصول على ما لا يقلّ عن 56 مقعداً وفقاً لكبار مسؤولي الحزب.
وفي خطاب برلماني ألقاه في آذار/مارس، تعهد دميرتاز قائلاً: “لن نسمح لك [ يا أردوغان] أبداً بأن تصبح رئيساً تنفيذيّاً،” وحاز على أثر ذلك على تصفيق الليبراليين والمعلقين العلمانيين. وفي الواقع، تشير استطلاعات الرأي إلى أن غالبية الأتراك لا تدعم قيام نظام رئاسي. غير أن هذا التصريح كان كافياً لأردوغان لكي يوقف المفاوضات فعلياً مع زعيم «حزب العمال الكردستاني» المسجون عبد الله أوجلان، مشيراً بذلك إلى نيته الضغط على المصالح الكردية إذا ما قوّض «حزب ديمقراطية الشعوب» طموحاته الدستورية.
عدد المقاعد سيكون حاسماً
من المؤكد أن «حزب العدالة والتنمية» سيحصل على أعلى نسبة من الأصوات في حزيران/يونيو. وفي الانتخابات المحلية في آذار/مارس 2014، حصل الحزب على 43.5 في المائة من الأصوات ولم تنخفض هذه النسبة كثيراً على الرغم من الانكماش الاقتصادي الحالي. ويواصل «حزب العدالة والتنمية» تقديم الخدمات العامة، بما فيها الرعاية الصحية لكافة المواطنين تقريباً وتطوير واسع النطاق لوسائل النقل والبنية التحتية الحضرية. وقد بنى أيضاً اقتصاداً يرتكز على الزبائنية ويعتمد على الولاءات السياسية السنّية المحافظة فضلاً عن الولاء لأردوغان.
ومع ذلك، ستكمن المشكلة الحقيقية بالنسبة لـ «حزب العدالة والتنمية» في ليلة الانتخابات، في عدد المقاعد التي يمكن أن يفوز بها. وإذا تمكّن «حزب ديمقراطية الشعوب» من تخطّي حاجز الـ 10 في المائة سيكلّف ذلك «حزب العدالة والتنمية» حوالي 40 مقعداً، ممّا يترك للحزب الحاكم حوالي 270 إلى 310 مقعداً فقط، وهو عدد قليل نظراً إلى أن الحكومة الجديدة ستحتاج إلى 276 صوتاً للحصول على الثقة. ولن يتسبب ذلك في خسارة أردوغان الفرصة لتحقيق الرئاسة واسعة الصلاحيات فحسب، بل سيهزّ هيمنته على السياسة التركية التي دامت [أكثر من] عشر سنوات. وإذا تمكّن الفصيل الموالي للأكراد من الفوز بنسبة 12 في المائة من الأصوات، يرجح أن يضطر «حزب العدالة والتنمية» إلى تشكيل حكومة ائتلافية مع أحد الأحزاب المعارضة.
وفي المقابل، إنّ تعثّر «حزب ديمقراطية الشعوب» في حزيران/يونيو قد يعطي «حزب العدالة والتنمية» هامشاً مريحاً للضغط من أجل إجراء استفتاء عام حول تعديل الدستور وإصلاح النظام البرلماني. ويحتاج الحزب إلى 330 صوتاً في البرلمان للمضي قدماً في مثل هذا الاستفتاء؛ وقد يكون التحدي الذي يواجه أردوغان في إقناع داود أوغلو أو إجباره نحو جعل هذا التصويت يرى النور، ومن ثم إقناع 51 في المائة من الرأي العام بالموافقة على الاستفتاء. وعلى الرغم من أن الدعم الشعبي لتصوّرات نظام أردوغان الرئاسي لا يصل سوى إلى 30-40 في المائة، إلا أنه من المرجح أن يستخدم الرئيس التركي شعبيته الشخصية وسيطرته على وسائل الإعلام لدعم قضيته في الأشهر المقبلة. وكما ذكرنا سابقاً، فإنّ استبعاد «حزب ديمقراطية الشعوب» من البرلمان قد يدخل تركيا في فترة من عدم الاستقرار، وربما يشمل ذلك اندلاع احتجاجات في الشوارع بقيادة القوميين الأكراد. ومن شأنه أيضاً أن يشجع أولئك الذين يدْعون إلى إنشاء برلمان كردي إقليمي وحكم ذاتي. وبالتالي يتعلّق التوازن بنجاح «حزب ديمقراطية الشعوب» أو فشله.
أسلي أيدنتسباس هو كاتب عمود في صحيفة “ميليت” اليومية التركية.