فصل جديد من العدوان على سورية
غالب قنديل
أنجز محور المقاومة إغلاق البوابة اللبنانية للعدوان على سورية، واستطاعت قيادة حزب الله وحلفاؤها بالردع وبالاحتواء السياسي أن تدفع الحكومة اللبنانية إلى تفكيك منصات العدوان المحلية التي تورّطت في الحرب على سورية من يومها الأول باستثناء المنصة السياسية والإعلامية المستمرة في عملها، خلافاً للقوانين والأنظمة اللبنانية وللنأي المزعوم في موقف الحكومة وسلوكها.
أولاً: الفصل المستجد من العدوان الاستعماري يقوم على ثلاثي إقليمي متناغم يضم كلاً من «إسرائيل» والحكومتين التركية والأردنية، وهو يتلقى الدعم السياسي والمالي من حكومتي السعودية وقطر اللتين تصدرتا الحرب الكونية على سورية بقيادة الولايات المتحدة التي لم تخف تصميمها على متابعة استنزاف الدولة الوطنية السورية على رغم اعترافها بجبرية التفاوض معها ومع رئيسها بعد الفشل في جميع اختبارات وهم الإسقاط والتدمير الفاشلة والمكلفة.
الاستمرار في حماية وضمان تدفق المال والسلاح والإرهابيين إلى سورية تؤمّنه أنقرة وعمان بكلّ وضوح، والدعم اللوجستي والميداني والاستخباراتي يؤمّنه في الجنوب الشريكان الأردني و«الإسرائيلي»، ومن الشمال تتكفل به تركيا من خلال شبكة واحدة يقودها الأميركيون عبر غرف العمليات المشتركة التي تستخدم تكنولوجيا اتصالات متقدمة لتوجيه جماعات «القاعدة» و«داعش»، وتزويدها بالإحداثيات ولترسيم طرق الاختراق الممكنة في الجغرافيا السورية بناء على صور الأقمار الاصطناعية المركزة في الفضاء السوري.
أما الحملة الإعلامية السياسية المواكبة، فهي اختصاص منظومة العدوان نفسها بما تضمه من إمبراطوريات إعلامية غربية وخليجية تستمر في الترويج لأكذوبة الثورة السورية المفضوحة، بمثل ما تروج للكذبة الأميركية الخليجية التركية عن محاربة الإرهاب الذي يستعمل للنيل من الدولة السورية والشعب السوري وقواته المسلحة.
ثانياً: استنزاف الدولة الوطنية السورية هو الهدف المستمر حتى لو طالت الحرب وامتدت زمنياً، لأن نهوض سورية وانتصارها بقيادة الرئيس بشار الأسد يشكل خطراً مصيرياً على منظومة الهيمنة الاستعمارية في المنطقة، بفعل صلابة التزامه الاستقلالي وتجذر هوية الدولة القومية والوطنية التحررية ورفضها الاستسلام للهيمنة الصهيونية الغربية على الشرق بجميع أبعادها الاستراتيجية والاقتصادية خصوصاً.
أما الغاية السياسية المحددة والراهنة، فهي إرغام الدولة الوطنية السورية على تقديم تنازلات سياسية استناداً إلى فرض تعديل في التوازن العسكري على الأرض بواسطة «القاعدة» وفصيليها «جبهة النصرة» و«داعش»، فباقي اليافطات ثبت عملياً أنها لا ترقى إلى مستوى الملحقات التابعة لـ»القاعدة»، فهي تتماهى بها عقائدياً وتنظيمياً وتتبعها ميدانياً.
طفرة العدوان على الجبهة الجنوبية تم ردعها واحتواؤها حتى الآن، بينما تكرر «إسرائيل» باعتداءاتها محاولاتها واختباراتها لمعادلات الردع بهدف محاولة التأثير على الواقعين الميداني والمعنوي كلما حقق الجيش العربي السوري تقدماً جديداً. أما الطفرة في الشمال فقد أحدثت اختراقاً في إدلب يجري التعامل معه، حيث يخوض المقاومون السوريون من الجيش النظامي والوحدات الشعبية قتالاً ضارياً ضدّ جحافل «القاعدة» متعدّدة الجنسيات التي دفع قسم كبير منها عبر الحدود التركية جهاراً.
ثالثاً: بات محور المقاومة مجتمعاً ملزماً بتطوير مبادرات رادعة لهذا الفصل من العدوان على سورية شمالاً وجنوباً واتجاه كلّ من «إسرائيل» وتركيا والأردن. وثمة أدوات كثيرة متاحة لذلك ينبغي استخدامها وتوظيفها بحزم وإلى جانب القيام سياسياً بتعرية الموقفين التركي والأردني وتبيان ارتباطهما بالموقف «الإسرائيلي»، وكشف التصميم السعودي والقطري المتمادي على دعم قوى الإرهاب والعدوان.
موجات الإرهابيين الأجانب والسلاح والمال باتت هي وسيلة الضغط على الدولة الوطنية السورية. وهي عاجزة عن كسر المعادلات السورية الكبرى في ظل الموقف الشعبي السوري الذي يزداد رسوخاً في الالتفاف حول الدولة والجيش، وفي نبذ عصابات الإرهابيين والمرتزقة متعددة الجنسيات. لكن ارتفاع درجة المساندة السياسية والعسكرية والاقتصادية لصمود سورية من جانب الحلفاء والشركاء بات أكثر من ضروري في هذا التوقيت بالذات، وبينما يجاهر الحلف العدواني بوحدة التخطيط والعمل التنفيذي وباحتضان «القاعدة» يترتب على حلف المقاومة وعلى الشريك الروسي رفع درجة الدعم والمساندة للدولة الوطنية السورية لاختصار الكلفة الزمنية والمادية لإفشال هذا الفصل من الحرب على سورية.
لا بد أن يتحول تجفيف منابع الإرهاب إلى شرط ملزم في أي مشاركة أميركية وغربية تحت عنوان المساعي السياسية، وهو الثمن المقدم المتوجب على الولايات المتحدة مع تحريك المساعي مجدّداً لعقد جنيف، ما يفترض أن تتمسك به كلّ من روسيا والصين وإيران. وبعد نتائج منتدى موسكو التي حسمت مبدأ أولوية مكافحة الإرهاب في الحوار السوري، ينبغي التشدّد في رفض أيّ محاولة لإقحام تنظيم الإخوان وائتلافهم وأي من واجهات قوى الإرهاب والتكفير بجميع مسمياتها في نصاب الحوار وفي الواقع السياسي السوري. فهذا هو مضمون الصراع الذي تطرحه الطفرة الجديدة لقوى العدوان: زرع العملاء في مستقبل سورية ومعادلاتها.