القوة العربيّة المشتركة ! ثريا عاصي
ومن البلية عذلُ من لا يرعَوي عن غيـِّه وخطاب من لا يفهمُ » (المتنبي). لم يسكن الغضبُ بعد عن ملك آل سعود وأبنائه وأشقائه الوزراء، لقد مضى شهر على بدء اعتدائهم في 25 آذار الماضي، على الناس في اليمن. بل من المحتمل أن نكون حيال خطة يراد منها إطلاق «عاصفة» على سوريا !
هذا ما حملني على مداورة موضوع »القوة العربية المشتركة» في الذهن. الذي يبدو أنه يشغل ويُقلق من بقي من أعضاء في جامعة الدول العربية. أوصلني ذلك في الواقع إلى جملة من الأسئلة منها :
ـ من البديهي أن يستفسر المراقب بادئ ذي بدء، عن الجيوش التي سوف تشارك في هذه القوة. هل سوف يكون الجيشان التركي والباكستاني في عدادها ؟!. تأتي بعد ذلك مسألة المهمات التي ستضطلع بها هذه القوة. يمكننا هنا أن نفترض أن المطلوب هو حماية حكم آل سعود من إرتدادات إعتداءاتهم على اليمنيين والسوريين بوجه خاص، وعلى جميع سكان بلاد العرب بوجه عام ومن ضمنهم سكان نجد والحجاز، الذين لا شك في انهم يعانون من سلطة أقل ما يقال فيها إنها متخلفة وكيفية ! بمعنى آخر سوف تقتصر مهمة القوة العربية المشتركة في هذه الحالة على صون المملكة من فيضان المرجل اليمني المحتمل إذا بلغ حد الغليان. تحسن الملاحظة إلى أن هناك قوة » غربية مشتركة »، موجودة على مسرح العمليات العسكرية، مكونه من قوات أميركية وفرنسية وبريطانية تتعدى مهمتها ضمانة أمن مملكة خادم الحرمين الشريفين، إلى المشاركة الفعلية في الحرب ضد اليمن، على شكل معلومات وإرشادات وتوجيهات وإمدادات. ينبني عليه أن أمن المملكة لا يحتاج لقوة مشتركة عربية. علما أن التجارب السابقة تفيدنا بأن مثل هذه القوة تستخدم عادة للتغطية، كما حدث في حرب تحرير الكويت. تجدر الإشارة في هذا السياق إلى ما جاء في بعض وسائل الإعلام عن إستعانة آل سعود في حربهم على اليمنيين، بطيارين مرتزقة من دول أجنبية !
ـ مهما يكن لا نستطيع إسقاط فرضية ثانية لا تستبعد أن تتوكل القوة العربية المشتركة بغزو اليمن برياً وبغزو سوريا أيضاً، أو باقتطاع أجزاء من هذين البلدين بقصد إنشاء كيانات جديدة، في إطار إعادة رسم خريطة المنطقة، أو ضم الأجزاء المقتطعة إلى كيانات موجودة حالياً.
ـ من المحتمل في سياق آخر أن يكون إشتعال الحرائق هنا وهناك وهنالك، دلالة على معالم جبهة أو خط نار بين معسكرين، يمتد من سواحل شمال إفريقيا، مروراً بالبحر الأحمر، فدوراناً حول شبه جزيرة العرب وصولا إلى بحر قزوين والقوقاز. بكلام أكثر وضوحا وعقلانية، لا أظن أن الصراع هو بين آل سعود في نجد والحجاز وبين آل الأسد في سوريا، أو بين السنة وبين الشيعة. وإنما هو مواجهة بين معسكر يقوده نظام غربي إمبريالي معولم في مقابل معسكر ثان يضم الذين يرفضون الإنصياع إلى نظام معولم في خدمة الولايات المتحدة الأميركية. ليست المنازعة في الواقع بين نظامين متناقضين. فمن نافل القول أن نظام الحكم في سوريا لم يكن يشهر العداء ضد الرجعية ممثلة بآل سعود ولم يجعل من سوريا قاعدة لمناهضة الإستعمار الجديد ولم تكن الإشتراكية والعدالة الإجتماعية في صلب مشروعه السياسي.
لماذا يشن آل سعود وحلفاؤهم في تركيا، حرباً على سوريا. هل لأن السوريين كفروا بالله ورسوله؟ سؤال لا يستحق التوقف عنده. هل أن السوريين طالبوا آل سعود، بإسم العروبة والإسلام، بقسمة من عائدات النفط ؟ لا طبعا.
من المعروف أن آل سعود جاءوا إلى لبنان وسوريا ومعهم حقائب مملوءة بالأموال. فاستهووا وأفسدوا المقاومين والمناضلين والسياسيين والموظفين. لماذا فعلوا ذلك؟
لماذا تعتدي الحكومة التركية على سوريا ؟ الإجابة هي أن تركيا لا تدخل حرباً من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، ولا تعلن الجهاد تبشيرا بدعوة دينية، ولكنها شاركت في خمسينيات القرن الماضي، في الحرب الكورية كعضو في الحلف الأطلسي وانضمت إلى الحلف الذي تزعمته الولايات المتحدة الاميركية من أجل غزو أفغانستان. بالإضافة إلى ارتباط تركيا بإتفاقيات عسكرية مع دولة المستعمرين الإسرائيليين. مجمل القول أن تركيا تحارب في سوريا نيابة عن الولايات المتحدة الأميركية والإسرائيليين.
بصرف النظر عن الظروف التي إعترضت الدولة السورية، لم تكن السياسة التي اتبعتها هذه الأخيرة سياسة تقدمية وثورية وعادلة، لا تشوبها شائبة. ولكن لا مجال للمقارنة بين الدولة الوطنية في سوريا من جهة وبين دويلات وممالك النفط من جهة ثانية.
خلاصة ما أود قوله هو أن المستعمرين الإسرائيليين إرتكبوا بمعاونة القوى الإستعمارية في الغرب، جريمة بشعة عنصرية ضد الفلسطينيين. المشكلة هي في أن المستعمرين الغربيين القدامى والجدد يحاولون بالقوة، بالإرهاب وبالقتل، أن يجعلوا القضية الفلسطينية قضية لبنانية ـ سورية خالصة. بمعنى أنهم يتبرأون من أدنى قسط من المسؤولية عن الفاجعة الإنسانية الفلسطينية التي ما تزال فصولها تتوالى إلى اليوم.
فما تطلبه الدول التي رفضت الإملاءات الأميركية والإسرائيلية هو أن لا تتحمل هذه الدول وحدها مسؤولية معالجة ما ترتب عن إلغاء شعب من قبل إستعمار إستيطاني عنصري. لا سيما أن لا طاقة لها على ذلك. بمعنى آخر إرتكبت هذه الدول من وجهة نظر المستعمرين، خطأ كبيراً ليس لأنها طالبت بمحاسبة المستعمرين على ما ارتكبوه من مجازر وتهديم وترحيل، ولكن لأنها تمسكت بضرورة أن يتحمل الأخيرون جزءاً من المسؤولية عما إقترفت أيديهم. فعوقبت بـ «الديمقراطية والثورة» وسخط آل سعود وعجرفة العثمانيين الجدد وتغول الإسلاميين.. ناهيك عن المجتمعات التي تهتكت.
إن مخالطة المستعمرين والرجعيين مقامرة بمصالح الناس وبالأوطان، قد يستفيد منها بعض الأفراد، ولكن واهمٌ من يظن أن من خلالها تسترجع الحقوق الوطنية وتتحرر الأرض من المحتلين.
(الديار)