في أسباب التراجع في شمال سورية عامر نعيم الياس
أكّد مصدر معارِض مقرّب من حركة «أحرار الشام» الإرهابية في حلب أن الحكومة التركية، بدعمٍ من حكام السعودية وقطر، استقدمت أكثر من خمسة آلاف مقاتل غير سوريّ عبر الحدود التركية لخوض ما دعي بـ«معركة النصر» إلى جانب «جيش الفتح» وبقيادة «جبهة النصرة»، للسيطرة على جسر الشغور. وقال المصدر إن المعركة خطّط لها وعلى مدار شهر كامل من داخل غرفة عمليات أقيمت داخل الحدود التركية على مقرّبة من الحدود السورية عند إدلب، ويديرها ضبّاط في الجيش والاستخبارات التركيين، بمساعدة زملاء لهم من دول أوروبية داعمة للمسلحين.
«أحرار الشام» و«جنود الشام» و«جيش الفتح» بقيادة «النصرة» وآلاف من المقاتلين الاحتياط المتواجدين على الحدود التركية ـ السورية، اندفعوا إلى معركة جسر الشغور، المدينة الاستراتيجية في ريف إدلب، «الواقعة على الحدود التركية ـ السورية، وعلى طريق إدلب ـ اللاذقية»، بحسب توصيف صحيفة «لوموند» الفرنسية التي أضافت أن السيطرة على المدينة تمّت «بشكلٍ شبه كامل»، وهذا ما يؤكد الرواية الرسمية السورية حول إعادة الانتشار حول المدينة وفي قلب أحد أحيائها الذي يعرف بولائه للدولة السورية.
هنا، وعطفاً على ما جرى في مدينة إدلب عاصمة محافظة إدلب الشهر الماضي، تتشابك أسباب السقوط لتتلخّص بما يلي:
ـ لا يستطيع أيّ جيشٍ في العالم الانتشار على مساحة 185 ألف كيلومتر مربّع وعدم خسارة منطقة هنا وأخرى هناك، خصوصاً بعد استنزاف مستمرّ لقدرات الجيش المادية والبشرية في حرب مستمرّة منذ أربع سنوات.
ـ الحدود، ملفٌ شائك تمّت شرعنة العمل عبره وفقاً لقرارت الأمم المتحدة المتعلقة بالحالة الإنسانية ودعم السكان في المناطق المحاصرة. بمعنى آخر، التدخل بذريعة إنسانية هذا أولاً، وثانياً تشريع التدخل العسكري في سورية تحت ستارة «الحرب المقدّسة». فالحدود التركية واللبنانية والأردنية مع سورية سمحت لإرهابيي أكثر من 90 دولة بالقتال في سورية. يوم أمس في النقل المباشر لميليشيات الإرهابيين من مدينة جسر الشغور لوحظ أن قادة الإرهابيين في غالبيتهم من الشيشان.
ـ البيئة الحاضنة والخلايا النائمة. مما لا شك فيه أن المناطق التي شهدت سيطرة مستمرة للجيش السوري منذ بداية الأزمات أجبرت جزءاً من البيئة الحاضنة على التبصّر والتفكير بما جرى في سورية وفقاً للتطورات الميدانية التي شهدتها البلاد على مدى سنواتٍ أربع. كما تحرّك جزء من البيئة الحاضنة باتجاه المدن والمحافظات والدول التي تتولى دعم الإرهابيين مباشرةً. فضلاً عن أن المدن والمحافظات المعروفة تاريخياً بولائها للإسلاميين ـ إدلب وجسر الشغور مثالٌ صارخٌ على هذا الأمر ـ لم تتخلّ عن هذه العقيدة وبقيت على موقفها الحاقد من سورية التعدّدية. وبالتالي تحرّكت الخلايا النائمة لترفد الهجوم المكثّف عابر الحدود للإرهابيين على بعض المدن التي تتواجد فيها القوات المسلحة السورية. وفي هذا السياق لا تزال القوات السورية تقاتل في جنوب جسر الشغور لانتفاء البيئة الحاضنة للمسلحين في هذه النقطة من المدينة.
ـ التسويات في المنطقة ومحاولة تمرير صفقات تاريخية كالملف النووي الإيراني، فضلاً عن التهدئة المضبوطة لعدم الرغبة بالتفجير والقائمة على الابتزاز في أماكن أخرى كلبنان على سبيل المثال، كل ذلك دفع حلفاء سورية إلى المهادنة على المدى المنظور، والتفرّغ لإدارة العلاقة مع الغرب أولاً، والدفاع عن أولويات استراتيجية ميدانية دوناً عن سواها داخل أراضي الجمهورية السورية ثانياً. هنا لا يمكن القول إن الحلفاء تخلّوا عن سورية، فالجميع يعي ضريبة التخلّي، لكن «الصبر الاستراتجي» وفقاً لتعبير السيّد حسن نصر الله, ربما يقتضي الآن العمل وفق ما سبق.
ـ الحصار المستمر لسنوات يُعدّ عاملاً هاماً لتفسير احتلال بعض المدن من جانب الإرهاب العالمي الإقليمي.
ـ أكلاف التمركز والانسحاب، كتبنا حولها مقالاً في صفحات «البناء»، وربما اختار الجيش السوري في هذه الفترة استنزاف الإرهابيين داخل المدن ورفع كلفة التحصين والتمركز داخلها ومحاصرتها بدلاً من أن تكون القوات السورية محاصَرة من الخارج ومطوّقة ببيئة حاضنة من الداخل.
ـ الحشد وإعادة هيكلة نشاط المجموعات الإرهابية المسلحة وتجميع القوى في شمال البلاد، وإهمال الجبهات الأخرى من جانب «القاعدة» وحلفائها في سورية، عوامل أدّت إلى تجميع كتل بشرية قادرة على الضغط على القوة المدافعة عن المدن.
تتعرّض سورية لأشرس حرب في التاريخ المعاصر. لم تستطع أي دولة تحمّلها وإدارتها كما تحمّل الشعب والجيش في سورية. وما جرى يوم أمس وعلى امتداد الشهر الماضي، لا يعني انهياراً في أداء الجيش السوري، إنّما يفرض على الجميع بمن فيهم جوقة ناعقي التراجع من مناصري الدولة السورية الانخراط في العمل والجهد النوعي للدفاع عن البلاد. قالها الرئيس الأسد في خطابه على مدرج جامعة دمشق مطالباً بحشد كافة الإمكانيات البشرية والمادية للدفاع عن الوطن فلا يجوز الاعتماد على الجيش وحده في كافة المناطق.
(البناء)