قانون السير وفذلكة التنصل
فاطمة طفيلي
يتحمس اللبنانيون وتتعالى صرخاتهم مع كل استحقاق أو محطة مفصلية تتعلق بحياتهم حاضرا ومستقبلا، انطلاقا من ماضٍ، لم يتسن لهم بعد الاجماع على الإفادة من دروسه وعبره، وفي مجمل القضايا والعناوين المطروحة، من السياسة إلى الاقتصاد والاجتماع وصولا إلى أدنى تفاصيلهم اليومية، وكأني بهم يطلون في كل مرة من سبات عميق عزلهم طويلا عن الواقع، ومن ثم فاجأتهم الاستحقاقات، فاستفاقوا مذهولين وقد تجاوزتهم الأحداث، وتركتهم في الغالب ناقمين متذمرين في أمور كانوا قادرين على إدارتها واستثمارها بما يناسب تطلعاتهم لو انتبهوا في الأوقات المناسبة.
هكذا هي حال اللبنانيين مع قانون السير الجديد، وغيره من القوانين التي تدخل عالم المراوحة ولا تغادره إلى ان يغلفها الملل واليأس ويطويها النسيان، علما أن قانون السير لم يعد جديدا بمقياس العصر وسرعة تطوراته، وقد مضى على التداول به دراسة ونقاشا وتعديلا ما يتجاوز السنوات العشر، المدة الكافية للاعتراف به مقيما شرعيا أكمل فترة اختبار الأهلية والجدارة، ولا ضير من استمرار تأهيله وتطويره ومحاسبته أن لزم الأمر، وفيه الكثير من الإيجابيات، التي تستحق المحاولة والتجريب، بعدما تفاقمت مشاكل المرور، وتخطت حوادث السير بضحاياها الحروب والأحداث الأمنية مجتمعة، وباتت تستدعي حلولا سريعة تضع حدا لنزف بشري ومادي دائم مرشح للتصاعد والاستفحال إذا لم نتحرك سريعا للجمه ومعالجة أسبابه، وتطبيق القانون هو البداية، فماذا ننتظر، وما هي المبررات المنطقية للرفض والتأجيل؟.
لن نناقش في الثغرات ولا في الجهوزية المطلوبة بالتأكيد، ولا في الهيئات المفترض تشكيلها للعمل على التنفيذ والتطوير والتصويب وفق مقتضيات التجربة ومراحلها، علما أننا لم نسمع إلى اليوم أي دعوة للمجلس الوطني للسلامة المرورية للاجتماع مثلا، إيذانا بانطلاق ورشة العمل واستكمال بقية اللجان والهيئات، التي تتطلبها مواد القانون العتيد وآلياته، دليلا على جدية القرار وضمانا لاستمراره، كي لا يبقى المشهد مقتصرا على عناصر قوى الأمن الداخلي وشرطة السير المنتشرين في المناطق الرئيسية وفي عدد من النقاط الحساسة والمفاصل الحيوية، وفي كثير من الاحيان يتحول هذا الوجود الى ضرورة مع غياب الصيانة وكثرة أعطال الإشارات الضوئية، المفترض صيانتها بشكل دوري وتجهيزها بكاميرات مراقبة تدخل في برنامج المكننة المتكامل المنتظر، الذي يمكن اعتماده بديلا من عديد مؤهل يمكن الإفادة من قدراته في مهمات أخرى، على رجاء الاستمرار واكتمال العديد والتجهيزات، واعتماد أعلى درجات اليقظة كي لا تتحول المرحلة إلى استعراض فولكلوري ينفضّ مع مغادرة المتفرجين.
المسؤوليات مشتركة من أعلى قمة الهرم السياسي والتنفيذي إلى كل شرائح المجتمع وفئاته من مكونات الوطن، وهم أول المتضررين من الفلتان والفوضى. فهل ندرك أن بإمكاننا التأثير إيجابا بالانضباط أولا وبالمراقبة وعدم السكوت على الأخطاء والمخالفات ومكامن الخلل، أيا كان مصدرها، وإن لم يكن بالشكوى فبرفع الصوت عاليا، والإعلام شريك أساسي في نقل الصورة بكل تفاصيلها، فهل نعقل ونتوكل، ونساعد في بلوغ مرتبة المواطنية الصالحة في وطن نريده حضنا آمنا ومستقرا واعدا لنا وللأجيال الصاعدة؟.
يبقى أن نسأل المتذمرين الذين لا شك واكبوا بداية تطبيق القانون عن الفارق بين الفوضى والانتظام، الذي يمكن أن يتحول مع الوقت إلى أسلوب حياة عادي قائم على الرقابة الذاتية والتحلي بالمسؤولية، تتعدى فائدته مجرّد السلامة المرورية؟.
وللشاكين نقول أي علاقة للماء والكهرباء وضيق العيش وانعدام فرص العمل بأساليب القيادة المتهورة على الطرقات مع هذا الكم الهائل من الحوادث القاتلة، وفجاجة التعامل مع الآخر ووحشية التصرف على الطرقات ومع شرطة السير؟.
وإذا كانت الطرقات غير مؤهلة والإشارات الضوئية والتحذيرية مفقودة أو غير كافية، فهل هذه أسباب كافية للانتحار على الطرقات باعتماد السرعات القصوى والتخلي عن أحزمة الأمان أو القيادة متعبين مخمورين، أم انها أسباب إضافية للتروّي والتعقّل واعتماد أقصى معايير السلامة ضمانا لأرواحنا وأرواح الآخرين من حولنا؟.
وهل الوساطة التي تنقذنا من مخالفات السير قادرة على حمايتنا من مخاطر تكرارها بعيدا عن الرقابة، وكيف لهذه المداخلات إن استمرت أن تحمينا من الحوادث القاتلة عندما تفاجئنا الأعطال أو الحفر وغيرها من الأمور غير المتوقعة؟.
وإذا كانت لدينا القدرات والأساليب الكافية للتحايل على القانون ومغافلة شرطة السير والتهرّب من رادارات السرعة، فكيف نفعل للنجاة من الحوادث القاتلة عند وقوع المحظور، ومن يعش يندم إن لم تصبح حياته موتا بطيئا نتيجة الاعاقة الدائمة؟.
والأسئلة ذاتها للمتلاعبين بشروط النجاح في اختبارات الميكانيك، والمتحذلقين في الاستحصال على إجازات سوق غيابة مدفوعة الثمن، يقدمونها هدايا ومكافآت لأبنائهم، فتتحول إلى جوزات مرور تودي بهم الى موت محتم، والأمثلة كثيرة يعترف بها أصحابها بعد فوات الأوان!!.
وفي القانون الكثير من الإيجابيات المنسجمة مع مقولة “القيادة ذوق وأخلاق”، وأهمها غرامة رمي النفايات من النوافذ التي تحول طرقاتنا إلى مكبات للنفايات، فأي ظلم في هذه الغرامة، مها ارتفعت قيمتها، وبماذا يوصف المعترضون عليها، وهل يمكن اعتبارها واحدة من أسباب رفض القانون والمطالبة بتأجيله؟.
يبقى القول أن الكل مسؤول عن نجاح هذا الاختبار، وللمواطن دور كبير في المسؤولية التزاما ورقابة وضغطا باتجاه الجدية والتفعيل ومعالجة الشوائب والثغرات بدلا من التفلسف والبحث عن ذرائع واهية لا تغني ولا تسمن.