العدوان المستمر رغم الفشل
غالب قنديل
قد يتهيأ لأي قاريء موضوعي ان العنوان مكرر من مقالة سابقة عن حرب غزة ولكنها المرة عن اليمن حيث تشير الوقائع إلى أن الحلف الأميركي السعودي وبعد الإعلان الرسمي عن وقف “عاصفة الحزم ” يتبع تكتيكات هي استمرار لتلك الحرب العدوانية بوسائل أخرى متعددة والهدف الملح هو التأثير على المعادلات التي سوف تتحكم بصيغ الحل السياسي في اليمن وتحاشي هزيمة فاضحة قد تولد انهيارات سياسية كبرى لمنظومة الهيمنة الاستعمارية في المنطقة.
اولا مظاهر استمرار العدوان السعودي الأميركي على اليمن متواصلة من الغارات الجوية إلى الحصار البحري الذي يشارك فيه الأسطول الأميركي وكذلك التدخل السعودي عبر تصعيد الدعم الذي تتلقاه جماعات رجعية من المرتزقة ومعها فصائل داعشية لمحاربة الجيش اليمني واللجان الشعبية التي تقاتل إلى جانبه خصوصا في جنوب اليمن حيث يراهن المخططون على اقتطاع إقليم يمني يمكن استخدامه كقاعدة انطلاق لشن العمليات العسكرية عبر استراتيجية الحرب بالواسطة بعد فشل “عاصفة الحزم ” وغاية هذه المحاولة الاحتفاظ بأوراق تأثير في المعادلة اليمنية عبر ضغوط وعمليات تحجز مكانا وحجما سياسيا للجماعات المتبقية تحت الهيمنة السعودية داخل اليمن .
الأسلوب السعودي في إدارة العمليات يكاد يكون بالفعل نسخة عن حرب إسرائيل الأخيرة على غزة حيث وبعد إعلان وقف العمليات الحربية نتيجة الفشل تجدد القصف الجوي للتأثير على التفاوض السياسي عبر الوسطاء رغم ثبوت العجز عن إحداث تغييرات جوهرية في ميزان القوى وهذا بالضبط ما يدور في ميادين الحرب على اليمن ومع مواصلة قوات الجيش اليمني والوحدات الشعبية المساندة للتقدم على الأرض.
ثانيا الفشل السعودي في اليمن بات اكثر من واضح على الرغم من الحرص الروسي والإيراني على عدم تظهيره بصورة جارحة لتسهيل التراجع الأميركي والسعودي والحصيلة العملية لهذا الفشل ستكون كبيرة وبعيدة الأثر على توازنات المنطقة بعد تبلور الواقع الجديد.
للمرة الأولى من عقود تظهر المملكة السعودية بوصفها قوة خارجية متدخلة وساعية للهيمنة على البلاد بعدما نجحت في جميع المواجهات والحروب السابقة في الاختباء خلف قوى يمنية وازنة ربطتها المملكة سياسيا وعمليا بنفوذها وبنهجها السياسي وهي قوى تماهت مع المملكة في طابعها التقليدي وفي تبعيتها للغرب.
هذه المرة تفتش المملكة السعودية بصعوبة عن حلفاء وشركاء في اليمن المتحول بعدما انقلبت على الرئيس السابق علي عبد الله صالح وإثر انهيار النفوذ القبلي لآل الأحمر وبينما تسعى لاستمالة بعض اطراف الحراك الجنوبي تتمرد عليها اجنحة قاعدية معروفة فلا يبقى لها سوى احتضان جناح الأخوان المسلمين الأشد رجعية وارتزاقا ودعم مجموعات داعش اليمنية والعمل تحت النيران لتجميع المرتزقة وحشدهم ضد الجيش اليمني مع قشرة رقيقة من عناصر البيرقراطية اليمنية التي يمكن استمالتها بالمال وبوعود حول مستقبلها السياسي والسلطوي كامتداد سعودي.
ثالثا التركيز على إنهاء العدوان كليا ورفع الحصار بجميع أشكاله هو هدف طبيعي للقوى الوطنية اليمنية وينبغي ان توضع لتحقيقه على مسرح الأحداث جميع أدوات الردع المتاحة ويستهدف ذلك التحرك تعطيل محاولات السعودية لفرض أسلوب التفاوض تحت النار المستعار من التجارب الصهيونية … وكما رددت القيادات اليمنية الوطنية إن وقف العدوان شرط يجب ان يسبق تحققه بدء الحوار السياسي اليمني دون قيد أو شرط وفي مكان محايد ومن النقطة التي قطعها العدوان السعودي الأميركي أي من مسار الحوار حول آليات تطبيق اتفاق السلم والشراكة الذي ظل جمال بن عمر يقوده في صنعاء حتى انطلاق العدوان الأميركي السعودي .
من واجب أصدقاء الشعب اليمني وخصوصا روسيا وإيران دعم مواقف القيادات اليمنية الوطنية وتشددها في وجوب رفع الحصار ووقف العدوان وهو ما ينبغي إبلاغه لحلفاء المملكة السعودية الذين يعملون لتغطية انكفائها وتراجعها وخصوصا حكومات الولايات المتحدة وباكستان وتركيا ومصر التي اتخذت تباعا مسافة عن المبالغات السعودية التي انكشفت امام الوقائع العنيدة .
إن الإنجاز السعودي الثمين الذي حققته الحرب على اليمن سيبقى نضوج الوطنية اليمنية ولم شمل معظم القوى الحية في المجتمع اليمني حول مشروع استقلالي وطني وهذا ما يتطلب بلورة سياسية وعملية وهو سوف يتعزز كلما استمرت مظاهر العدوان والتدخل التي تحركها عنجهية متأصلة في السلوك السعودي يحكمها العجز عن التسليم الواقعي بالتحولات والمتغيرات القاهرة .