زيارة الحريري الى واشنطن تتعرّض «لانتكاسة» بسبب التطوّرات اليمنيّة؟ طهران وحزب الله «الرقم الصعب».. ونصيحة أصدقائه : الصمود حتى 2016 ابراهيم ناصرالدين
«الحظ العاثر» يرافق الرئيس الاسبق للحكومة سعد الحريري كلما شد الرحال الى الولايات المتحدة الاميركية. قبل بضع سنوات وبعد جهود سعودية مضنية ادت الى موافقة الرئيس باراك اوباما على استقباله، دخل الى البيت الابيض رئيسا للحكومة وخرج منه رئيسا سابقا، واليوم وبعد ساعات من وصوله على «جناح» طائرات «عاصفة الحزم» السعودية وعلى خلفية توزيع صوره في القصر الملكي يوزع قبلاته على كتف الملك سلمان، توقفت «العاصفة» على وقع ارباك سعودي واضح لاختراع انتصارات وهمية لم تتحقق، وما كان يمني به النفس من استفادة معنوية من القدرة والقوة السعودية التي كان مقدرا لها ان تدق اول «مسمار» في «نعش» التمدد الايراني في المنطقة، تحولت الى عبء وخيبة بفعل «المخرج» الذي ستوضح الساعات المقبلة انه تمت «حياكته» بتفاهم ايراني ـ اميركي ورعاية روسية ما كرس طهران شريكا اساسيا له اليد «العليا» في اي تسوية سياسية في اليمن والمنطقة. لكن ما هي اسباب «خيبة» الحريري؟
بحسب اوساط ديبلوماسية في بيروت، فان الحريري ذهب الى واشنطن لمناقشة ملف وحيد يشغل باله كونه سيكون مفتاح الفرج بالنسبة الى فريقه السياسي في لبنان، ودونه لن تتحقق تطلعاته في التفاوض من موقع قوة مع حزب الله، ومن رتب له الزيارة من اعضاء الكونغرس الاميركي وهم تجمع النواب الاميركيين المتحدرين من أصل لبناني وأصدقاء لبنان في الكونغرس برئاسة السيناتور الجمهوري داريل عيسى والسناتور الديموقراطية غوين غراهام، يعرفون ان وجوده في العاصمة الاميركية سيكون فرصة جيدة له لمناقشة الملف السوري والاطلاع على طبيعة التوجهات السياسية الاميركية في المرحلة المقبلة.
طبعا قلق الحريري ليس مرتبطا بمجريات التسوية السياسية في اليمن، بل بالانعكاسات على الملف السوري بشكل خاص. فهو ذهب الى الولايات المتحدة وبين يديه معلومات عن تقارب خليجي ـ تركي مع واشنطن حول الملف السوري، وهذه المقاربة ستجد طريقها الى التنفيذ بعد القمة المزمع انعقادها بين الرئيس الاميركي وزعماء دول الخليج في كامب ديفيد في 13 و14ايار المقبل، وهذه الاستراتيجية بدأ التحضير لها عمليا من خلال تزخيم عمل المعارضة المسلحة على الارض، وبدا التسويق العملي لها عبر زيارة قائد «جيش الاسلام» زهران علوش، الفصيل المرتبط بالاستخبارات السعودية، الى اسطنبول، ويحكى جديا عن عملية عسكرية متزامنة على حلب ودمشق لتغيير المعطيات الميدانية، يسبقها موافقة اميركية على قيام تركيا بتطبيق حظر جوي فوق المناطق السورية، تمهيدا لاخراج الرئيس السوري بشار الاسد من المشهد السياسي في البلاد، واقناع الروس بانه فقد القدرة على السيطرة على العاصمتين السياسية والاقتصادية ولم يعد له مكان في مستقبل سوريا.
وبحسب ما سمعه الحريري من المسؤولين السعوديين تضيف الاوساط، فان ما سيسعى اليه القادة الخليجيون عند لقاء اوباما ليس فقط الحصول على تعهدات وتطمينات حول الاتفاق النووي مع ايران، لكنهم سيطالبون واشنطن بالتزامات جدية حيال الملف السوري، وعدم القبول بالتسليم الاميركي لايران بنفوذها الكامل هناك كما حصل في العراق وفي لبنان، ومن الفترض ان يبلغ قادة دول الخليج اوباما ان الكلام حول الفصل بين الملف النووي الايراني وملفات المنطقة لم يعد مقبولا والفرصة سانحة اليوم قبل التوقيع في حزيران على الاتفاق النهائي للضغط على ايران للحصول منها على تنازلات خصوصا في الملف السوري، والسؤال المطروح خليجياً هو: «كيف السبيل لاجبار ايران على مراعاة مصالحنا في المنطقة اذا تحررت من العقوبات الدولية؟ وما هي اوراق القوة التي يمكن استخدامها في سبيل اقناعها بذلك بعد ان فرطت الادارة الاميركية بهذه «الاوراق» الواحدة تلو الاخرى؟».
ووفقا لمعلومات تلك الاوساط، هذه الانطباعات تغيرت بعد التطورات المتسارعة في الملف اليمني، فما حصل خلال الساعات القليلة الماضية يشير بوضوح الى عدم قدرة دول الخليج على تجاوز المكانة الجديدة لايران في المنطقة، ويكفي ان تكون الحرب قد اعلنت من قبل سفير المملكة في واشنطن عادل الجبير، ووقف النار اعلن من طهران قبل ساعات من الاعلان الرسمي على لسان مساعد وزير الخارجية الايراني حسين عبد اللهيان، ولهذا الامر دلالات كبيرة في الاطار الدبلوماسي الذي اظهر ان كثيرا من دوائر القرار السعودي كانت لا تعلم بما يجري في «الكواليس» و«الغرف المغلقة». طبعا الحريري كان «كالاطرش في الزفة» وعلم بوقف العمليات العسكرية من وسائل الاعلام، وهذا الامر فرض عليه اعادة جدولة برنامج عمله في واشنطن، فما كان يعتبر سيناريو يمني قابل للتنفيذ في سوريا نسفته التطورات المتسارعة ، واذا كانت الديبلوماسية الايرانية قد افشلت الحرب السعودية في اليمن دون اطلاق اي «رصاصة»، فانها لن تقبل ابدا بأي خسارة في سوريا، في ظل الدعم الميداني واللوجستي الذي تشارك فيه روسيا بفعالية كبيرة، كما ان فشل الحل العسكري في اليمن ونجاح «الكولسة» الديبلوماسية، يجعلان من تكرار هذه التجربة في سوريا اقرب الى الواقع في ظل تردد اميركي في الرهان مجددا على وعود حلفائها التي لم تنجح في تغيير الوقائع على الارض بل افضت الى زيادة التنظيمات الارهابية. ومع افتراض تكرار المغامرة في سوريا فالجميع باتوا على علم مسبق بان ايران لن تقف مكتوفة الايدي ولن يكون التعامل مع هذا التطور مماثلا لما حصل في العدوان على اليمن.
هذه المعطيات اعادت الحريري الى «المربع الاول»، فهو بصفته ممثلا واقعيا للسنة، فان مكانه محفوظ في التركيبة السياسية في البلاد، لكن ما يدركه الاميركيون انه فقد القدرة على التأثير في الاحداث ولا تخوله التوازنات الداخلية المختلة بان يكون «جسر عبور» لاي استراتيجية اميركية او خليجية، هذا في حال وجودها. وثمة نصيحة اولية قدمت له من قبل بعض الاصدقاء الاميركيين، عنوانها «الصمود» حتى تشرين الثاني 2016 تاريخ نهاية ولاية الرئيس الاميركي الحالي باراك اوباما، لانه قبل هذا الموعد لا توجد اي احتمالات بحصول تغييرات دراماتيكية في الموقف الاميركي خصوصا حيال ملف الازمة في سوريا. وقيل له صراحة ان وصول الجمهوريين سيعني حكما سياسة متشددة ومختلفة جذريا عن القائمة اليوم، وحتى فوز الديموقراطيين بالرئاسة من خلال هيلاري كلينتون سيكون بداية تحولات في السياسة الاميركية لأن وزير الخارجية السابقة غادرت منصبها وهي على خلاف مع الرئيس حول هذا الملف.
وفي خلاصة ما فهمه الحريري من لقاءاته الاولية انه لا امكانية لتجاوز ايران في المنطقة، وثمة استحالة لتجاوز حزب الله في لبنان، اما الفرصة الوحيدة المتاحة اليوم لانتاج حلول للقضايا المصيرية العالقة وفي مقدمتها الانتخابات الرئاسية، فهي ان يقتنع زعيم تيار المستقبل وقبله السعودية ان الرهان على الوقت لم يعد مجديا، فاذا صدقت النوايا فان التفاهم في اليمن يمكن ان ينعكس اولا على الساحة اللبنانية باعتباره الملف الاكثر سهولة، وقد يساعد في ذلك الاعجاب الذي ابداه السفير السعودي في بيروت علي عواض العسيري اما بعض الاصدقاء، بموقف رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون من الحرب في اليمن، خصوصا اداء نوابه، ومحطته الاعلامية، وليس معلوما بعد اذا كان هذا الاعجاب كافيا لاقناع رئيس الدبلوماسية السعودية بتجاوز اعتراضاته السابقة على انتخاب «الجنرال» رئيسا للجمهورية.
(الديار)