السعودية: فشلٌ في التوقيت المناسب عامر نعيم الياس
أعلنت السعودية، بلسان تحالفها العشري الوهمي، وقف العدوان على اليمن، بذريعة «إزالة التهديد على أمن المملكة والدول المجاورة». وأعلن التحالف، في بيان رسمي أول من أمس، انتهاء عملية «عاصفة الحزم»، بعدما «تمكّنت بنجاح من إزالة التهديد على أمن المملكة والدول المجاورة من خلال تدمير الأسلحة الثقيلة والصواريخ البالستية التي استولت عليها الميليشيات الحوثية والقوات الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح من قواعد الجيش اليمني ومعسكراته». وأوضح المتحدث العسكري السعودي، أحمد عسيري، أن هذا حصل «بطلب من حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي»، معلناً انطلاق عملية «إعادة الأمل»، التي ستبدأ على الفور، وهي قائمة على «سرعة استئناف العملية السياسية وفق قرار مجلس الأمن الأخير والمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني الشامل، واستمرار حماية المدنيين، واستمرار مكافحة الإرهاب، ومساعدة المتضررين من الضربات الجوية، والتصدي لتحركات والعمليات العسكرية للميليشيات الحوثية ومن تحالف معها»، إلى جانب، «منع وصول الأسلحة جواً وبحراً إلى الميليشيات الحوثية وحليفهم علي عبد الله صالح من خلال المراقبة والتفتيش الدقيقين»، إضافةً إلى الاستمرار في تيسير إجلاء الرعايا الأجانب وتكثيف المساعدة الإغاثية والطبية للشعب اليمني.
إعلان مفاجئ لجميع المراقبين الذين شككوا بتصريحات نائب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان عن أن الحرب ستتوقف «خلال ساعات»، فكما بدأت الحرب بقرار وضع فورياً على الأرض موضع التنفيذ، انتهت بقرار نُفِذَّ على الفور وإن حصلت غارة جوية سعودية بعده، لكنها تشابه إلى حدٍّ ما الغارات «الإسرائيلية» التي تنفّذ بعد الإعلان عن وقف الكيان الصهيوني لاعتداءاته المتكررة على غزة وجنوب لبنان، بعد أن «يحقق أهدافه!!» كما جرت العادة، هنا أيضاً تتشابه أهداف العدوان السعودي النهائية التي تختم الفشل مع الأهداف الصهيونية، فتقلُّص قائمة الأهداف والاكتفاء بالحديث عن «شل قدرة إطلاق الصواريخ متوسطة وبعيدة المدى» يعد المبرر الأمثل لإنهاء حرب على غزة بدأت على أمل القضاء على المقاومة الفلسطينية وانتهت بالحجة السابقة، مثلها مثل حرب تموز على لبنان، فحزب الله بقي وقوّته ازدادت وصواريخه استمرت في استهداف الكيان المحتل حتى آخر لحظة، وتطوّرت ترسانته الصاروخية اليوم إلى مستوىً غير مسبوق على رغم الحصار.
طهران وحدها لم تكن متفاجئة بوقف العدوان، بل تولت الإعلان عنه بنفسها وحددت له مدة زمنية «خلال ساعات»، الأمر الذي يؤكد أنها كانت محور الاتصالات في المنطقة، وشكّلت محطةً أساسية لتقاطع الجهود الروسية والأميركية للتهدئة، في إشارة مباشرة إلى الدور الجديد لإيران في المنطقة بعد البيان الاتفاق مع الدول الست الكبرى.
أربعة اسابيع من القصف الوحشي السعودي على المدنيين كانت كافية لتظهير الدور الجديد لطهران، فبات واضحاً أن البيان الاتفاق حول النووي الإيراني مرَّ بسلام بعد توريط واشنطن للرياض في اليمن، وبعد التقاط موسكو هذا الأمر وصمتها في مجلس الأمن على قرار سعودي تحت الفصل السابع يستهدف «أنصار» الله والجيش اليمني من دون قوات هادي. وهنا، لا بدّ من ربط سلسلة تطورات حدثت خلال الحرب وبعدها على الشكل التالي: بدأت الحرب بإعلان سعودي من واشنطن، تلاها الإعلان المدوي عن اتفاق إيران والدول الست الكبرى حول النووي، روسيا لا تعترض على قرار مجلس ا من تجاه الحوثيين الذي طرحته السعودية، لقاء إيراني ـ سويسري ـ سوري في طهران على مستوى مساعدي وزراء الخارجية، اتصال هاتفي بين الملك السعودي والرئيس الروسي على خلفية تحريك طهران لقطع بحرية قيل إنها تحمل مساعدات قبالة السواحل اليمنية، أوباما يدعو دول الخليج إلى الاجتماع معه في كامب ديفيد ليفهمهم ما لا يريدون فهمه ابتداءً من الاتفاق النووي الإيراني مروراً بالإصلاحات داخل دول الخليج، وليس انتهاءً بحق إيران في امتلاك منظومة صواريخ «أس 300»، السيد حسن نصر الله يتحدث عن الصبر الاستراتيجي، والرئيس السوري بشار ا سد يظهر على قنوات أميركية وبريطانية وفرنسية، بوتين يزود طهران بصواريخ «أس 300» للحفاظ على «الردع في الشرق ا وسط»، باكستان وتركيا تنأيان بنفسيهما عن المشاركة في التحالف السعودي، والقاهرة ترفض الانخراط في الحرب البرية، الملك سلمان يأمر الحرس الوطني بالانخراط في عملية «عاصفة الحزم»، وبعد ساعات تعلن السعودية انتهاء «عاصفة الحزم» ن العملية حققت أهدافها!
بين الدفع بالحرس الوطني السعودي للمشاركة في العدوان وإعلان الرياض فشلها، ساعاتٌ كان قد حددها حسين أمير عبد اللهيان، وسط تسريبات عن إصرار من جانب طهران على إيصال المساعدات إلى اليمن حتى لو اضطرت إلى الاشتباك مع السعوديين، وتحذير الرئيس الروسي للملك سلمان، خلال الاتصال الهاتفي بينهما، من مغبة الاستمرار في الحرب لارتداداتها على الرياض، لكن هل توقفت الحرب نهائياً؟
ستحاول السعودية عبر فرض الحصار البحري والجوي والاستناد إلى قرار مجلس الأمن الدولي إحداث تغييرات سياسية في اليمن، سواء عبر شراء الولاءات أو عبر دعم تنظيم «القاعدة»، لكن «أنصار الله» لن يسلموا للرياض بالسياسة ما عجز عنه العدوان الهمجي، وتوقف الحرب جاء بعد التلويح بانفجار إقليمي، فيما لا تزال طهران محور تحركات الحرب والسلم، ولا تزال اللجان الشعبية تتقدم حيث سيطرت بعد ساعات من وقف العدوان السعودي على مقر اللواء 35 في تعز، وهو المعقل الأخير للقوات الموالية لهادي في المدينة.
أوقفت الرياض عاصفة جنونها في الوقت المناسب، حفظت ماء وجهها، وأخرجت الفشل بتوقيت ناجح، مُرِّرَ البيان الاتفاق مع إيران، و لا يزال «أنصار الله» يتقدمون على الأرض، فما الذي سيُمرر أيضاً في المنطقة؟
(البناء)