اليمن ينتصر صبراً… والسعودية تحصد الخسائر بالجملة العميد د. أمين محمد حطيط
منذ اليوم الأول للعدوان السعودي على اليمن كنا نرتقب هزيمة نكراء تلحق بالسعودية التي حددت لعدوانها أهدافاً تعجز بما تملك من طاقات وإمكانات وقدرات عن تحقيقها. فالقرار السعودي بالعدوان على اليمن لم يكن قراراً يمت إلى الحكمة والمنطق العسكري بصلة، بل كان نتيجة سوء تقدير مترافق مع الوهم والظن الخاطئ، أو نتيجة الوقوع في فخ نصب لها واستدرجت إليه. فالسعودية كما يبدو ارتكبت عدوانها نتيجة قرار أحمق، وزحلقة أميركية على الأرجح.
وقد يكابر البعض أو يتعامى عن هذه الحقيقية أسباباً ونتائج، أو يقلب الأمور ويحرف المشهد الذي آل إليه العدوان، وهو مشهد من الوضوح لا يمكن أن يناقش فيه عاقل عارف، قد يدعي البعض بأن السعودية «انتصرت»، وطبعاً وعلى رغم أن الادعاء هذا يثير السخرية والاستهزاء من مطلقيه لأنه يعاكس أبسط قواعد التقييم العسكري لنتائج المواجهات والحروب، والتي تتمثل بالقول إن «المهاجم ينتصر إذا حقق أهداف هجومه»، والسعودية لم تحقق شيئاً مما حددته لهجومها من أهداف، على رغم ذلك فإننا ومن أجل التاريخ والتوثيق نذكر بالأهداف والنتائج لنؤكد الهزيمة السعودية والنصر اليمني مقابلها.
وللإيضاح نذكر بأن السعودية ادعت بأنها قامت بعدوانها من أجل إعادة الشرعية الممثلة بحسب قولها بعبد ربه هادي وحكومته إلى اليمن، ومن أجل طرد الحوثيين من صنعاء ومن كل المحافظات التي دخلوها وإعادتهم من حيث أتوا، أي إلى جزء من مناطق محافظة صعدة، كما وتجريدهم من السلاح وحرمانهم من أي فرصة لامتلاك سلاح ثقيل أو متوسط، ثم إلزام اليمنيين بالمجيء صاغرين إلى الرياض لحوار شكلي يفضي إلى التوقيع على حل وفقاً للمبادرة الخليجية وبإشراف سعودي مباشر… أي باختصار العودة باليمن إلى ما كان عليه قبل 21 9 2014 مجرد مستعمرة سعودية لا قول ولا رأي لأهليها في شأن بلادهم.
هذا ما أرادوا، ولكن شيئاً من ذلك لم يتحقق، وأيضاً للتوثيق نذكر بأن السعودية أعلنت وقف عدوانها والواقع قائم على ما يلي:
الرئيس الفار هادي لا يزال في الرياض وليس لديه أي فرصة للعودة لليمن وإذا كانت فرصه قبل العدوان قائمة وإن في سقف منخفض فإنه بعد العدوان بات معدوم الفرص كلياً.
حكومة البحاح كانت قبل العدوان مستقيلة ولكنها مقبولة لا بل متمسك بها لتصريف الأعمال وإدارة شؤون الدولة من مكاتب الوزارات والإدارات الرسمية وبحماية الجيش واللجان الثورية، أما بعد العدوان فقد باتت منفية تصرخ عبر الحدود ولا تجد من يصغي إليها أو يتقبل فعلها.
اللجان الثورية وأنصار الله كانوا قبل العدوان في صنعاء وبعض المحافظات التي لا تشكل 40 في المئة من مساحة اليمن أما بعد العدوان وأثناءه فقد باتوا منتشرين على مساحة 85 في المئة من اليمن وأحد لا يقوى على المس بهم في وجودهم أو سلاحهم خفيفاً أو متوسطاً أو ثقيلاً.
قبل العدوان كان الحوار في الرياض مرفوضاً لكنه كان مقبولاً في قطر إحدى دول مجلس التعاون الخليجي الذي تقوده السعودية، أما بعد العدوان فقد بات أي مكان تابع لهذا المجلس العدواني مرفوضاً كمحل للحوار اليمني. وحدها عمان التي تثير حساسية السعودية تظل مقبولة لأنها لم تشارك بالعدوان.
وهكذا نجد أن السعودية لم تفشل فقط في تحقيق أهداف عدوانها لتتشكل هزيمتها وفقاً للمعايير المألوفة ـ بل إنها خسرت ما كان قائماً في يدها وبات موقعها في اليمن بعد العدوان أسوأ بكثير مما كان قبل العدوان أي أن العدوان لم يفشل في تحقيق أي مكتسب للسعودية فحسب بل عجز عن المحافظة عما في اليد أيضاً… وهنا تكون الهزيمة السعودية التي لا يناقش بها ألا أحمق أو جاهل أو مكابر متملق.
ولكن الأمور لم تتوقف هنا فالأخطر والأدهى برأينا ليست الخسارة أو الهزيمة محصورة في الساحة اليمنية فحسب بل أن الهزيمة والخسارة الأخطر تتعدى ما ذكر لتلامس البعد الاستراتيجي للمسألة وهنا نسجل بعض وجوه تلك الخسائر:
انكشفت السعودية في علاقتها مع اليمن وباتت دولة استعمار سابق، يختزن اليمني في صدره ضدها كل أنواع الحقد والكراهية، كراهية لا تغسلها الأيام والريالات والموعودة بإعادة الأمل. فقد خسرت السعودية اليمن إلى غير رجعة. والأخطر من ذلك أن السعودية تدعي بأن عدوانها أزال الخطر عن حدودها الجنوبية. والحقيقة أن العكس هو الصحيح، فقبل العدوان لم يكن هناك أي خطر يتشكل عبر الحدود أما الآن فالأمر تغير واليمن سيمتلك قراره المستقل وقد تجد السعودية نفسها قريباً عرضة لفسخ اتفاقية 1934 وإعادة المحافظات الثلاث إلى اليمن، كما أن السعودية خسرت أيضاً ورقة التقسيم التي كانت تلوح بها في حال عجزت عن استعادة استعمارها لليمن كله.
انكشفت طبيعة السعودي وحجمها الفعلي في العالم العربي والإسلامي، وأظهرت أن أبوتها ورعائيتها كاذبة مزيفة وأنها من أجل مصالحها ونزواتها لا تتردد في اللجوء إلى الإجرام والقتل والتدمير، وصحيح أنها كانت تفعل ذلك قبل عاصفة العزم لكنها كانت تلبس القفازات والأقنعة وتخفي بشاعة دورها الإجرامي، أما اليوم فالأمر تغير وظهرت على حقيقتها وساديتها وطبيعتها الإجرامية العدوانية التي لن تدع عاقل يصدقها أو يثق بها. وإضافة إلى ذلك تبين أن ما كانت تدعيه السعودية من هيمنة ونفوذ ومحلاً لأمر مطاع تبين أنه كله أمر واه لا محل له على أرض الواقع حيث تخلى عنها من كانت تظن أنهم طوع أمرها من عرب ومسلمين وظهرت شبه وحيدة في ميدان العدوان. وظهرت بالمقابل مصر وباكستان في عقلانية وبعد نظر ستسجل في رصيدهما مستقبلاً.
انكشفت في مقابل القوى الإقليمية المنافسة، خصوصاً إيران وتركيا. حيث ظهرت إيران بخاصة دولة وعي وعقل وسلام، دولة تحرص على دماء المسلمين وأموالهم في مقابل السعودية التي ظهرت أنها دولة ترتكب المجازر وتنزل الدمار والقتل بالشقيق والجار. وقد كان مذلاً للسعودية في معرض الانكشاف والتنافس أن تعلن طهران وقف العدوان في اللحظة التي يأمر فيها سلمان ملك السعودية إرسال الحرس الوطني إلى الجنوب للتحضير للحرب البرية، ثم يتبين أن القرار بوقف العدوان اتخذ وأملي على السعودية فانصاعت، بينما تبين أن إيران كانت شريكاً فاعلاً في الوصول إلى مثل هذا القرار.
انكشف وضع السعودية في علاقاتها الدولية لجهة شراء الموقف بالدولار ـ فبعد صفقة الـ3 مليارات دولار التي دفعت لفرنسا تحت عنوان تسليح الجيش اللبناني رشوة لها على مواقفها من الملف النووي الإيراني والمسألة السورية تبين كما تناقل الإعلام الغربي أن السعودية أنفقت والتزمت بما يصل إلى 6 مليارات دولار للحصول على القرار 2216 في شأن اليمن الذي تجاهل عدوانها.
أما الانكشاف الأخطر فهو ما اتصل بالعلاقات البينية في أسرة آل سعود حيث ظهر التناحر والتنافر بين الأمراء في الأسرة إلى الحد الذي جعل أميراً ينأى بنفسه عن الحرب وأميراً يستفرد بالقرار وأميراً ينازع بالصلاحية. وكانت النتيجة شللاً وإخفاقاً في الميدان وسلسلة من القرارات الخاطئة والسلوكيات المشينة ورائحة تزكم الأنوف إلى الحد الذي يحمل الملك على التدخل شخصياً لإلزام متعب رئيس الحرس الوطني بالمشاركة بعاصفة العزم حتى يختبر طاعته وانصياعه، ويقطع الطريق على استمرار التداول في الخلاف الناشئ بين الأمراء … لقد كشفت عاصفة العزم على العدوان كم أن الأسرة باتت واهنة خاوية ينخرها سوس التدمير الذاتي.
أما انكشاف الوضع العسكري للسعودية ووهنه فحدث ولا حرج ولن نستفيض في شرحه يكفي الإشارة فقط.
(البناء)