‘الشاب عديم الخبرة’ في المملكة العربية السعودية سايمون هندرسون
21 نيسان/أبريل 2015
في 21 نيسان/أبريل، أعلنت المملكة العربية السعودية عن انهاء غاراتها الجوية على اليمن بسبب انتهائها من تدمير الأسلحة الثقيلة والصواريخ الباليستية التي تهدد المملكة. ويبدو أن القتال كان يواجه مأزق، على الأقل خلال الأسبوعين الماضيين. وعلى الرغم من أن النتيجة المعلنة يجري وصفها بأنها نجاح عسكري، إلا أنه من غير الواضح كيف ينسجم ذلك مع الاستراتيجية السعودية لإعادة حكومة الرئيس عبده ربه منصور هادي – الموجود حالياً في المنفى في الرياض – إلى الحكم على الرغم من أن البيان تحدث عن حل سياسي .
ويعتبر الأمير محمد – أحد الأبناء الأصغر سناً للعاهل السعودي الملك سلمان – صانع القرار الرئيسي في السعودية فيما يتعلق بالحرب مع اليمن. وكان قد عُين وزيراً للدفاع في كانون الثاني/يناير. ويمكن أن تكون نتائج الأزمة، التي شهدت نشر وحدات من البحرية والجيش السعودي، مسألة حياة أو موت بالنسبة للسيرة المهنية للأمير الشاب، كما أنها يمكن أن تحدّد إرث والده.
عندما أشار المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي – في خطاب ألقاه في 9 نيسان/أبريل، إلى القادة الجدد في المملكة العربية السعودية كـ “شباب عديمي الخبرة”، لم يكن هناك شك بأنه كان يشير، على الأقل جزئياً، إلى الأمير محمد. فقد برز الأمير على الساحة منذ أن خلف والده الملك سلمان، العاهل السعودي السابق الملك عبد الله في كانون الثاني/ يناير. وحيث شغل سابقاً منصب رئيس ديوان والده عندما كان الملك سلمان ولياً للعهد، يشغل الأمير محمد حالياً منصب وزير الدفاع فضلاً عن رئاسة الديوان الملكي، ورئاسة “مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية” الذي تشكل حديثاً، بالإضافة إلى كونه عضواً في “مجلس الشؤون السياسية والأمنية” التي هي هيئة رئيسية أخرى لصنع القرار.
وفي كثير من النواحي يعتبر الأمير محمد بن سلمان وجه الحرب السعودية مع اليمن التي دامت شهراً [تقريباً]، وحتى تفوّق في ذلك على ابن عمه الأكبر، نائب ولي العهد ووزير الداخلية الأمير محمد بن نايف، الذي يشغل أيضاً منصب رئيس “مجلس الشؤون السياسية والأمنية”. وفي الأسبوع الماضي وحده زار الأمير محمد بن سلمان البحرين لدعوة الملك حمد لزيارة الرياض، كما زار القاهرة لإجراء محادثات مع الرئيس عبد الفتاح السيسي. وفي الوقت نفسه، أظهرت وسائل الإعلام السعودية صوراً له في اجتماعات عقدها بصورة منفصلة مع قائد “القيادة المركزية الأمريكية” الجنرال لويد أوستن، والسفير الأمريكي جوزيف ويستفول، ورئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير.
ورغم أنه من الواضح أن الأمير محمد بن سلمان يحصل على قدر كبير من الخبرة العملية، لا تزال هناك الكثير من التكهنات بشأن عمره. فالملك سلمان، الذي يبلغ التاسعة والسبعين من عمره هذا العام، قد أنجب ما لا يقل عن اثني عشر ولداً من ثلاث زوجات. والأمير محمد هو الإبن الأكبر من الزوجة الثالثة. وتختلف التقارير عن تاريخ ميلاده وتتفاوت ما بين 1980-1985، مع تاريخ نموذجي لعام 1988، مما يعني أن عمره لا يزيد عن سبعة وعشرين عاماً. وللحصول على تأريخ ولادة محدد هو أمر صعب التحقيق: فموقع السفارة السعودية في واشنطن العاصمة لا يعطي تاريخ ميلاد الأمير محمد بن سلمان في قائمته عن أعضاء مجلس الوزراء السعودي.
وبغض النظر عن عمره، فإن الأمير محمد قد اكتسب بالفعل سمعة باعتباره منفذ سياسي عديم الرحمة. فعندما أصبح والده وزيراً للدفاع في أواخر عام 2011، استخدم الأمير محمد منصبه كرئيس ديوان والده سلمان لتقويض عدد من نواب وزراء الدفاع. وقد تم شغل المنصب من قبل أربعة أمراء مختلفين في الفترة ما بين نيسان/أبريل 2013 وحزيران/يونيو 2014، وكان المنصب شاغراً منذ ذلك الحين. وبالمثل، بصفته رئيس “مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية،” ينظر إليه على أنه المسؤول عن إقالة كل من وزير الإسكان ووزير الصحة في الشهرين الماضيين، لعدم كفاءتهما الإدارية على ما يبدو.
ويُعزى الصعود السريع جداً للأمير إلى علاقته الوثيقة مع والده، الذي يبدو أنه يحبه بشغف وقوة. ويبدو أن الملك قد وضع مسار مهنى خاص لمحمد. ورغم أن بعض الأبناء الأكبر سناً للملك سلمان قد التحقوا بجامعات في الولايات المتحدة أو بريطانيا، إلا أن الأمير محمد التحق بـ “جامعة الملك سعود” في الرياض حيث درس القانون. ومن ضمن اخوته غير الأشقاء الأكبر سناً الأمير سلطان (58 عاماً)، ورائد الفضاء السابق المسؤول عن السياحة، وعبد العزيز (55 عاماً)، الذي قضى حياته المهنية في وزارة البترول والثروة المعدنية، ورُقّي لمنصب نائب وزير في كانون الثاني/ يناير. وكلاهما يجد نفسه مرؤوساً لشقيقه الأصغر بحكم رئاسته لـ “مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية”. ومن خلال بقائه مقرباً من والده، فإن ذلك قد سمح للأمير محمد بأن يصبح مساعداً رئيسياً للملك سلمان على مر السنين، وخصوصاً بسبب تدهور صحة العاهل السعودي، الذي يستخدم حالياً عصا للمشي ويمكن أن يظهر في حيرة من أمره خلال جدوله الحافل باللقاءات – في كثير من الأحيان – مع كبار الشخصيات الزائرة.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، تضمنت التصريحات الشائكة لآية الله خامنئي إشارة إلى تغريدة تؤكد أن السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية قد تغيرت من “رباطة جأش” إلى “همجية”، في إشارة واضحة إلى المقاربة الأكثر فاعلية التي تنتهجها المملكة تحت حكم الملك سلمان، مقارنة بالحذر الذي لوحظ أثناء حكم الملوك السابقين. وبغض النظر عن كيفية اعتبار التحوّل، قد يبدو أنه سيعكس النظرة الإقليمية لمحمد بن سلمان. وفي الشهر الماضي قال لوفد من الكونغرس الأمريكي كان يزور السعودية بأنه “لا يمكن الوثوق بإيران”، وسأل لماذا تتفاوض واشنطن مع الإيرانيين بشأن القضية النووية بينما يكون الإيرانيون مسؤولين عن تزايد التوترات في الشرق الأوسط. وخلال جولة قام بها في وقت سابق من هذا الشهر، التقى بنائب وزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن خلال زيارة الأخير إلى الرياض – وهي رحلة شملت أيضاً لقاءات مع وزير الخارجية سعود الفيصل، الذي يشغل منصبه لفترة دامت 40 عاماً، ومع محمد بن نايف، الذي كان الشخص المسؤول عن المناقشات الثنائية حول مكافحة الإرهاب لمدة دامت عشر سنوات على الأقل، ومحمد بن سلمان، الذي كان آنذاك وزيراً للدفاع لمدة شهرين ونصف. وعندما سأل كاتب هذه السطور نائب وزير الخارجية بلينكين في منتدى في 15 نيسان/أبريل ما الذي لديه قوله عن محمد بن سلمان في ضوء الإهانات التي صدرت عن خامنئي، أجاب بلينكن انه وجد الأمير ذو “اطلاع واسع للغاية، ويتركز [في مسؤولياته]، ويتواصل [مع الآخرين]”، قائلاً، “كان لدينا تبادل آراء جيد للغاية”. ولا تشير أياً من هذه الكلمات، مع الأخذ بنظر الاعتبار المفردات الحذرة التي يستعملها الدبلوماسيون، أنه كان هناك الكثير من الاتفاق مع مواقف وزير الدفاع الشاب.
وعلى الرغم من البيانات السعودية شبه اليومية التي تصوّر تحقيق نجاحات في الصراع اليمني وقيام دعم شعبي واسع، إلا أن الواقع يشير إلى تحقيق القليل من التقدم على أرض الواقع: فالحوثيون ذوي العلاقة بإيران غير قادرين على كسب السيطرة الكاملة على مدينة عدن الساحلية في جنوب البلاد، كما أن أنصار الرئيس هادي ضعيفون جداً لكي يستطيعوا التغلب على سيطرة الحوثيين على العاصمة والمدن الرئيسية الأخرى. وفي الوقت نفسه، يتمتع تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» بحرية العمل في مناطق شاسعة من البلاد إلى الشرق من محور صنعاء باتجاه عدن. وتحاول واشنطن والمجتمع الدولي إعادة إطلاق عملية دبلوماسية، لكن يُحتمل أن تكون هذه المهمة قد واجهت انتكاسة في الأسبوع الماضي عندما استقال وسيط الأمم المتحدة. إن الدعم الأمريكي المقدم على مستوى العمليات يقتصر حتى الآن على نقل المعلومات الاستخبارية، والحصول على معلومات عن الأهداف، والتزود بالوقود في الأجواء، ووجود بحري على وشك أن يتوطّد بوصول فريق عمل على حاملة طائرات أمريكية.
ومن غير الواضح ما إذا كان الأمير محمد بن سلمان ينظر إلى الوضع على أنه مناسباً للتوصل إلى نتائج دبلوماسية بعد أن توقفت الآن الضربات الجوية. وبدلاً من ذلك قد يأمل أن بإمكانه أن يضاعف من عدد القوات التي يستخدمها حالياً وربما يستخدم وحدات من الجيش والبحرية لإلحاق هزيمة عسكرية بالحوثيين. وعلى الرغم من إصدار إعلان جديد آخر بشأن مشاركة “الحرس الوطني” بصورة أكبر، يبدو من غير المرجح بشكل متزايد شن غزو بري واسع النطاق، لا سيما في ضوء قرار باكستان عدم إرسال قوة عسكرية للعملية الجارية حالياً وامتناع مصر الواضح عن تحويل دعمها الدبلوماسي إلى مساعدة عسكرية علنية. وإذا وضعنا صغر سنه جانباً، قد يكون لمحمد بن سلمان صوتاً حاسماً في تحديد الخطوات المقبلة في الرياض بسبب مكانته كوزير للدفاع والقائد الفعلي للجيش والبحرية والقوات الجوية. وقد يكون لولي العهد الأمير محمد بن نايف تأثير أقل على هذه المسألة؛ وعلى الرغم من أن لوزارة الداخلية العديد من القوات، إلا أنها مسلحة بأسلحة خفيفة، وأن بن نايف ليس نجل الملك. أما الأمير متعب بن عبد الله، ابن العاهل الراحل، فيرأس “الحرس الوطني” السعودي. وربما الأمر الجدير بالملاحظة أن هذا الأخير جلس بجوار الأمير محمد بن نايف في جلسة “مجلس الشؤون السياسية والأمنية” في 21 نيسان/أبريل.
لقد أُصيب العديد من المراقبين بالدهشة عندما قفز محمد بن سلمان إلى الصدارة في كانون الثاني/يناير بدلاً من أخيه غير الشقيق فيصل (44 عاماً)، الذي عُيّن بدلاً من ذلك أمير منطقة المدينة المنورة. وكان كتاب الأمير فيصل الذي صدر عام 2003، استناداً على أطروحة الدكتوراه التي كتبها حول النفوذ الإيراني في الخليج العربي، من المؤهلات الواضحة لتعامله مع السياسة الخارجية من خلال لعبه دوراً في ديوان والده. وبدلاً من ذلك، وبينما ما زال التدخل في اليمن يحظى بشعبية في داخل السعودية، يتتبع العالم كيف يكافح الشاب المبتدئ من أجل كسب الإحترام في صراع نادراً ما أسفرت عنه الجولات السابقة عن نتيجة واضحة، والذي يُنظر إليه بشكل متزايد على أنه حرب بالوكالة بين السعودية وإيران.
من مصلحة الولايات المتحدة أن لا تُشعر الرياض بالحرج من “مبالغتها” في قدرتها. فالدبلوماسية الرصينة، إلى جانب الضغط الذي هو أقل من أن يأتي في الوقت المناسب والناتج عن استبدال مخزونات الذخائر أو قطع الغيار المستهلكة، قد يكونا قد دفعا نحو اتخاذ قرار لوقف الغارات الجوية، التي كانت تسبب تصاعد الخسائر في صفوف المدنيين. ولا يزال هناك خطر قيام مواجهة مباشرة مع إيران، على الأقل في البحر. وفي معظم البلدان الأخرى، فإن القائد العسكري أو وزير الدفاع الذي لا يحقق نتيجة واضحة يصبح ضحية سياسية. واذا لم يحدث ذلك في المملكة العربية السعودية، فقد يجد الملك سلمان نفسه تحت ضغط من قبل كبار الأمراء نحو إحداث تغيير أكثر جوهرية.
سايمون هندرسون مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن.