العائلة السعودية القلقة :هادي قبيسي
أسس عبد العزيز لسلطة عائلته في بلاد نجد والحجاز عبر إرهاب وترويع القبائل العربية في تلك البوادي بدعم عسكري وسياسي بريطاني في عشرينات القرن الماضي، فتوسعت هيمنة العائلة من نطاق مضاربها المنحصرة في بعض مناطق نجد إلى الحدود الحالية التي فرضها الإستعمار البريطاني كخط يتوقف عنده طموح عبد العزيز التوسعي .
المنطقة الشرقية المكونة من الإحساء والقطيف تقع ضمن الأراضي التي احتلها عبد العزيز بالقتل والذبح وكذلك عسير ونجران وجيزان في الجنوب، فيما منعت بريطانيا امتداد الإحتلال السعودي من الوصول إلى الكويت وقطر والبحرين وعمان واليمن والإمارات، ولا تزال الأزمات الحدودية مع تلك الدول قائمة حتى يومنا هذا.
استطاع عبد العزيز اغتنام تحولات مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى أن يستفرد بالقبائل النجدية ومن ثم الحجازية بدعم الإنجليز ويؤسس مملكة باسم عائلته، إلا أنه عجز عن بناء هوية متلاحمة تسمح له ببناء جيش متماسك قادر على الدفاع عن المملكة وخلق توازن مع الجيوش الإقليمية، التي كانت في حالة تطور متراكم بسبب الصراع العربي الإسرائيلي، فلم يجد بديلاً عن الجيش الوطني سوى الدعم العسكري الغربي.
استفادت العائلة السعودية عام 1979 من الجيش الفرنسي لتحرير الحرم المكي من قوات جهيمان العتيبي الذي قاوم لمدة أسبوعين، ثم استأجرت قوات باكستانية للتدخل السريع في مواجهة أي اهتزاز أو انقلاب، واستقبلت عام 1991 500 ألف عسكري أمريكي لمواجهة تقدم قوات صدام حسين، وفي حربها على اليمن سعت للإستفادة من قوات مصرية وباكستانية وحتى من الأجانب الوافدين المتواجدين على الأراضي السعودية بغض النظر عن جنسياتهم.
عجز المشروع التوسعي للعائلة عن تعبئة وإقناع الشعب السعودي للقتال دفاعاً عنها، على مستوى القوات البرية يظهر هذا العجز جلياً وحتى على مستوى القوات الجوية اضطرت العائلة إلى تأهيل الأمراء الشباب لقيادة الطائرات بعد التجارب المرة للإنشقاق والهروب خلال التحليق، وحتى على المستوى الأمني اضطرت في القضايا الحساسة وفي مواجهة الإرهاب المتطرف في الداخل للإستفادة من الأجهزة الأمنية الغربية بكثافة.
نظراً للتصدعات المتداخلة في البنية التي أنشأها عبد العزيز، برغم التدفق المالي الهائل من عوائد النفط، نلاحظ خروج آلاف الإنتحاريين والإرهابيين ذوي الميول الإجرامية والتدميرية من أحضان بلاد هي الأغنى في المنطقة، فمسار تشكل الكيان السعودي المصطنع من خلال مشروعية مسلحة في البداية وصولاً إلى مشروعية مدفوعة الثمن، لا يمكن أن يفضي إلى التماهي بين العائلة المالكة والجمهور، بل يدور الطرفان في حلقتين متداخلتين مصلحياً متمايزتين بشكل حاد على مستوى الهوية، بحيث لا تسمح العلائق المصلحية بالإندماج السياسي لأجزاء الكيان فيبقى منقسماً بين مالك ومملوك، وسط أزمة ثقة عميقة متبادلة عبرت عنها هفوة لاواعية للملك السابق حين قال : الشعب السعودي الشقيق.
تقدم الحداثة وثورة الإتصالات فتح المجال للأصوات المعارضة المقموعة للتعبير عن أزمة الثقة هذه وانعدام الإنسجام مع تخلف نظام الإستحواذ الملكي المتعالق مع أيديولوجيا أكثر تخلفاً وتحجراً، وهذا ما يغذي سلوكيات الخوف المزمن. تسود هذه السلوكيات العوائل الملكية في العصر الحاضر، خصوصاً الحديثة النشأة منها، وتنبع هذه السلوكيات من دوافع الخوف والقلق من استيقاظ الوعي الجماعي للشعب تجاه التاريخ، تاريخ ما قبل الإستيلاء والإستحواذ الذي أخضعت له مناطقها من قبل المشاريع الملكية.
القلق المتنامي مع عدم وصول المشروع السعودي في سوريا إلى أهدافه، والتراجع الكبير لداعش في العراق وتشكل قوة عراقية حقيقية نتيجة المواجهة، لم يكن ينقصه سوى استعادة اليمن لاستقلال قراره السياسي حتى يتحول إلى عملية تعويض واستعادة ثقة من خلال استخدام التكنولوجيا العسكرية المستوردة التي نهشت أجساد اليمنيين الفقراء، فيما أن المشكلة تكمن في عوامل القلق التي لن تتغير ما دامت البنية السعودية على حالها.