لماذا خصّص نصرالله «دقيقتين» لنصيحة خصومه في الداخل: «ما تجرّبونا» السعوديّة دعت الحلفاء الى الانتظار : «النموذج اليمني سيُطبّق في لبنان قريباً»! ابراهيم ناصرالدين
دقيقتان خصصهما الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه الاخير تحت عنوان رسالة الى الداخل اللبناني، تلك الثواني المعدودات تختصر المشهد الراهن، وربما حملت في طياتها الاجابة غير المباشرة على سؤال يطرحه الكثيرون عن اسباب استمرار الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل رغم ارتفاع حدة السجال على خلفية العدوان السعودي على اليمن. وربما تجيب ايضا عن اسئلة اكثر سخافة او ربما الاكثر خبثا، حول ما علاقته بما يحدث جنوب الجزيرة العربية وعلى بعد آلاف الكيلومترات من لبنان؟ ولماذا يبدو في حال غضب وقلق حاد المزاج من تحالف «عاصفة الحزم»؟ ولماذا «يورط» نفسه في مواجهة مع المملكة العربية السعودية؟ وهذا ما يطرح سؤالاً شديد الاهمية حول الاسباب التي دفعت السيد نصرالله الى تقديم نصيحة لخصومه بعدم الرهان على «عاصفة الحزم»؟
قبل الاجابة على هذا السؤال، تشير اوساط قيادية بارزة في 8آذار الى ان المفارقة في هذا السياق ان من يطرح الاسئلة السابقة غارق حتى اذنيه بالتناقض الصارخ الذي يصل الى حد «العهر السياسي»، فمن يربط احداث اليمن بالتطورات اللبنانية هم حلفاء الرياض وليس حزب الله، والدليل على ذلك ما يقوله السفير السعودي في جلساته الخاصة مع الحلفاء حول الانعكاسات المتوقعة لهذه الحرب على لبنان والمنطقة وهو الامر الذي دفع السيد نصرالله الى توجيه نصائحه الى الداخل اللبناني.
ولفهم طبيعة الصراع القائم فان الاسئلة لا يجب ان تبدأ من سؤال السيد نصرالله عما يدفعه الى مناصرة الشعب اليمني ضد «الشرعية» المزعومة للرئيس عبد ربه منصور هادي، وانما السؤال يبدأ من اسباب شن المملكة العربية السعودية ودول الخليج حربا بالوكالة اسندت الى الرئيس العراقي الاسبق صدام حسين لوأد الثورة الايرانية في مهدها في ثمانينات القرن الماضي، فالانصاف يقضي بان يبدأ التاريخ الحديث من تلك الحرب المذهبية التي بدأتها المملكة ضد اول نواة دولة شيعية في المنطقة، وليس من رد فعل ايران دفاعا عن وجودها وعن مصالحها. والاسئلة يجب ان تبدأ من ايضاحات يجب على السعودية ودول الخليج ومعها فريق 14 آذار ان تقدمها حول كيفية دعمهم للشرعية في اليمن ومحاربتها في سوريا، لماذا انصار الله يصنفون بالميليشيات الايرانية والمجموعات المسلحة في سوريا يعتبرون طليعة الفئة الثورية في العالم العربي والاسلامي؟ اما محاولة تحميل حزب الله مسؤولية الدماء السورية المهدورة فهي قمة النفاق، لان مسؤولية هذه الدماء وتلك المجازر، وآلاف الشهداء والجرحى، والمفقودين، يتحملها من موّل هذه الحرب وساهم في اشعالها ظنا منه انه سينجز المهمة سريعا لاسقاط النظام السوري وضرب محور المقاومة بعد فشل المهمة في عدوان عام 2006 في لبنان.
والاسئلة الدالة على قلب الحقائق والمعايير المزدوجة لا تتوقف هنا تضيف الاوساط، فهل لدى هؤلاء اجابة عن اسباب الحملة الطائفية والمذهبية في الاعلام السعودي على الحشد الشعبي في العراق، رغم ولادة هذه الفصائل من رحم الدولة وشرعيتها وتقاتل الفصائل الارهابية، وفقا للتصنيف السعودي والاميركي؟ ولماذا لاتقدم المملكة ما هو واجب عليها لدعم الشرعية في العراق؟ ولماذا تتعامل هناك بنفس «مقيت» ومريب وتساهم مع تركيا في تأليب العشائر السنية وتحضهم على عدم التعاون مع الحكومة المركزية؟ اما الفضيحة الكبرى فيقدمها النموذج المصري كمثال صارخ الى ازدواجية المعايير، او بشكل ادق، الكذب السعودي في التعامل مع قضايا المنطقة، فهناك اختلف السعوديون مع قطر وتركيا على «الكعكة» المصرية وشعر السعوديون انهم سيخسرون آخر ما تبقى لهم من وزن في العالم العربي بعد سقوط مشروعهم في سوريا وخسارة الرهان على «اللعب» المؤثر في الساحة العراقية، فدخلوا في صراع مفتوح مع «الاخوان المسلمين» واغدقوا الاموال وقدموا كل دعم مطلوب لاسقاط الرئيس الشرعي المنتخب محمد مرسي بانقلاب لا يختلف على توصيفه اثنان، واعادوا انتاج حكم حسني مبارك بصورة منقحة، وكل ذلك تحت عنوان «دعم الشرعية»، فعن اي شرعية يتحدثون؟ شرعية انتفاضة الشعب البحريني بغالبيته الشيعية التي دخلت الدبابات السعودية الى المنامة لوأد ثورته؟ ام الشرعية التي تمنع المسيحيين في لبنان من ايصال رئيس اكبر كتلة نيابية الى سدة الرئاسة؟
اما الاسئلة المطروحة عن اسباب توتر السيد نصرالله، فهي مثيرة «للشفقة»، تؤكد الاوساط، فالرجل استطاع مع حلفائه في المنطقة ان يستوعبوا «الهجمة» من «البوابة»السورية والعراقية وانتقلوا من الدفاع الى الهجوم، وقريبا بعد نجاح انصار الله في امتصاص «عاصفة الحزم» سينقلون الحرب الى مستويات جديدة مغايرة تتماشى مع نظرية «الصبر الاستراتيجي» التي تحدث عنها السيد نصرالله في خطابه الاخير. اما الخوف والقلق فهما على الضفة الاخرى، فعندما تضطر السعودية الى الخروج من «وراء الستار» وتتخلى عن سياسة التخريب بالوكالة، فهذا يعني انها وصلت الى مرحلة متقدمة من القلق على المستقبل المجهول للمملكة التي بدأت تستشعر ان دورها الوظيفي في المنطقة قد انتهى، وهذا يعني بداية النهاية، لماذا؟ لان الولايات المتحدة سئمت من الرهان على «حليف» بات يشكل عبئا عليها، وفشل في انجاز اي من المهمات الصغيرة والكبيرة التي اوكلت اليه، وهو في نفس الوقت مسؤول عن «تفريخ» الفكر الارهابي وتصديره الى العالم، واستطلاعات الرأي الاميركية تعكس مزاج الرأي العام الغاضب من الحليف السعودي الذي لم يورد لهم الا انتحاريي برجي نيويورك، ومن هنا يبدو الضيق السعودي مبررا فمن جهة تراجعت الدولة الراعية لوجودها خطوة الى الوراء وهي تغازل عدوها اللدود ايران، وهي لا ترغب ابدا ان ينتهي الامر بـ «زواج» و«شهر عسل»، وهي تخسر حربها المذهبية في سوريا والعراق كما خسرتها في السابق في لبنان. فهل ثمة شك حول الطرف المتوتر بعد اقدام المملكة على خطوات انتحارية محكومة بالفشل؟
وازاء ما تقدم تقول الاوساط، وجد السيد نصرالله نفسه مضطرا الى مخاطبة خصومه اللبنانيين، وخصوصا تيار المستقبل بالعقل، قبل ان تاخذهم العاطفة الى محطة جديدة من الفشل، وهو عندما خصص لهم دقيقتين في خطابه الاخير، اراد في الشكل ان لا يعطيهم وزنا لا يستحقونه، هو يعرف قدراتهم، واراد لهم ان يتواضعوا فلا تورطهم «الرؤوس الحامية» بمغامرات غير محسوبة، فبعض الكلمات يراها كافية لايصال «رسالته»، وهو يعرف جيدا ان بقاءهم في الحوار يعود الى رغبة بتقطيع الوقت ريثما تتحسن الظروف وتنقلب المعادلات لصالح مشروعهم السياسي، وهو قال لهم صراحة لا تستعجلوا في الاستنتاج والبناء على انتصار لن يتحقق في اليمن. اما لماذا النصيحة؟ فلأن المعلومات المتوافرة تشير الى ان القيادة السعودية عممت على حلفائها نظرية تفيد بان نزع سلاح «الميليشيات» الحوثية في اليمن ستكون سابقة يمكن البناء عليها، لنزع سلاح الميليشيات في العالم العربي، وستكون بداية لمسار جديد في المنطقة ولن يكون «حزب الله» في لبنان استثناء عنه، فالمملكة بدأت بتسليح الجيش اللبناني ليكون جاهزا لتولي المهام الامنية مستقبلا وسحب الذرائع من الحزب، وما على الحلفاء في لبنان الا الانتظار ريثما تصبح الظروف مهيأة لذلك. هذا ما تخطط له السعودية، فهل المطلوب ان يبقى حزب الله مكتوف اليدين ويلام لانه يقف في وجه استراتيجية تستهدفه اولا واخيرا؟ لا، كبيرة قالها السيد نصرالله، وعلى طريقته قال لمن يعنيهم الامر «ما تجربونا».
(الديار)