حصاد الصبر اليمني
غالب قنديل
أثار السلوك اليمني الذي وصفه السيد حسن نصرالله بالصبر الاستراتيجي قلقا كبيرا وحيرة ظاهرة في صفوف القيادة السعودية الأميركية للحملة العدوانية على اليمن فمنذ انطلاق الضربات الجوية تدور التساؤلات عن الرد اليمني ويجري تداول سيناريوهات عن احتمالات القصف الصاروخي وعن إمكانية دخول وحداتيمنية مقاتلة عبر الحدود على غرار ما حصل في الحرب السابقة بين قوات انصار الله والجيش السعودي عام 2009 والتي انتهت بهزيمة سعودية موصوفة .
حتى الساعة تسود الحيرة دوائر المخططين بينما تخترع القيادة السعودية لعدوانها إنجازات مزعومة من نوع تدمير القوة الصاروخية وتشتيت الوحدات المقاتلة لتملأ بالكلام فراغا غامضا انتجه الصبر اليمني الذي يعد بمفاجآت كثيرة.
أولا ركزت القيادة اليمنية جهودها على السيطرة داخل البلاد وحددت أهدافها العسكرية بمعاقل القاعدة وداعش والجماعات التابعة لحلف العدوان وهي استطاعت ان تنجز العديد من الأهداف وأبرزها :
1- إحكام سيطرة الجيش اليمني واللجان الشعبية في معظم المحافظات ومواصلة عملية الإعداد لمقاومة طويلة عبر تنظيم الجبهة الداخلية .
2- ترسيخ البناء السياسي لحالة التضامن الوطني في مجابهة العدوان السعودي الأميركي وتوسيع نطاق الشراكة في الإعداد لمجابهة الاحتمالات الأسوأ وقد نجحت القيادة اليمنية في هذا المجال من خلال تلاقي الأحزاب والتيارات الرئيسية على موقف وطني حاسم دفاعا عن اليمن وهو ما عبرت عنه مواقف كل من الحزب الاشتراكي والناصريين والمؤتمر الشعبي العام إضافة إلى انصار الله .
3- إنجاز الفرز السياسي الداخلي على سمت الموقف من العدوان بحيث ظهرت جماعة الأخوان المسلمين وبعض المواقع الرجعية المرتزقة إلى جانب القاعدة والدواعش بوصفها طابور العدوان السعودي الأميركي داخل اليمن.
4- تراكم حالة الرفض الشعبي للعدوان وتصاعد المطالبة الجماهيرية برد رادع على حلف العدوان وهو ما عبرت عنه سلسلة اللقاءات الشعبية والقبلية التي عقدت في معظم المحافظات اليمنية ضد جرائم العدوان الجوي الذي يعرف اليمنيون أهدافه الفعلية على أجساد اطفالهم.
5- استكمال تنظيم صفوف المثقفين والشخصيات اليمنية في الداخل والخارج في حملة الدفاع الوطني وفقا لما تضمنته خطة المواجهة كما عرضها السيد عبد الملك الحوثي منذ انطلاق العدوان .
6- التمهل الكافي في مواصلة تنفيذ التفاهمات الوطنية والتروي في الخطوات التأسيسية التي تضمنها اتفاق السلم والشراكة لتأكيد الحرص على قيام شراكة حقيقية بين جميع المكونات السياسية والشعبية وعلى الرغم من الضرر الناتج عن هذا التمهل الذي أشار إليه السيد عبد الملك الحوثي في كلمته يوم أمس .
7- الاحتفاظ بأوراق القوة وفقا لنهج الغموض البناء بحيث تقرر القيادة اليمنية طبيعة خطواتها في سياق الرد على العدوان بناء على تقييم دقيق للأهداف والوسائل والتوقيت وعدم الانزلاق إلى مواقف استعراضية.
ثانيا اتاحت خطة مواجهة العدوان السعودي الأميركي بعناصرها السياسية والميدانية حتى الآن تحقيق هدف استراتيجي كبير وهو تقديم الصورة العارية للعدوان من غير أي التباس وهي صورة كانت متعذرة الحضور لو تخلل المشهد استعجال للرد عبر الحدود بانفعالية على طريقة التصرف السعودي الغاشم.
المشهد الذي يتابعه العالم هو أسراب طائرات حربية تقصف أهدافا مدنية وهنا ربحت القيادة اليمنية المعركة الأخلاقية لمشروعية الرد على عدوان وحشي ظالم امهلت العالم والمنطقة للعمل على وقفه بالوسائل السياسية قبل ان تتحرك لردعه.
في كل يوم يظهر المزيد من مظلومية الشعب اليمني للرأي العام العربي والعالمي وتظهر مع صور القتلى من الأطفال والنساء والشيوخ عزيمة شعب مظلوم وإرادته الوطنية برفض الهيمنة والتمسك بالاستقلال وتتبدى مشاهد جديدة لهذه القضية العادلة المبرمة لتعزز دعوات وقف الحرب العدوانية التي شرعت تجد صداها في مواقف سياسية وإعلامية متزايدة عربيا ودوليا.
رغم الظلم اللاحق باليمنيين في قرار مجلس الأمن ورغم التراخي الروسي بعدم استعمال الفيتو فقد أنتج الصبر اليمني بداية تفكك في حلف العدوان وفي اعقاب تحولات عبرت عن نفسها في الشارع الباكستاني الذي فرض على حكومته الحياد وصحيح ان القرار البرلماني جاء نتيجة عوامل ومؤثرات كثيرة لكن من بينها وعلى رأسها انكشاف الطابع الإجرامي والعدواني للضربات الجوية ولحصادها من الأهداف المدنية وكذلك يمكن ان نرد لهذا العامل تفاعلات مهمة شرعت تظهر في مصر بما يصدر من مواقف رافضة للتورط ومن الواضح ان الصبر اليمني عزز التفاعلات السياسية في غير اتجاه لمصلحة شعب اليمن وضد حلف العدوان فحتى القدرة الإيرانية السياسية على التأثير في حسابات باكستان وتركيا ومصر جاءت نتيجة الحقيقة العارية للحكومة السعودية كجهة معتدية بينما تتصاعد دعوات وقف الحرب والحل السياسي من جميع عواصم المنطقة ولم يكن ذلك التأثير والتفاعل متاحا لولا صبر القيادة اليمنية واحتفاظها حتى الساعة بحق الرد الذي سيكون في لحظة انطلاقه تتويجا سياسيا وعمليا لمسار دفاعي مدروس وفاعل ستكون له انعكاساته على جميع معادلات المنطقة.