قانون السير الجديد اختبار لا بد منه…
فاطمة طفيلي
كثر الجدل مع الإعلان عن البدء بتنفيذ قانون السير الجديد في لبنان لضبط الفلتان المروري والحد من النزف الخفي المتصاعد، الذي يحصد خيرة شبابنا على الطرقات مجانا. وتعالت الأصوات المعارضة والرافضة، حتى كاد الرفض يكون شاملا بذريعة الغرامات المرتفعة وعدم أهلية المؤسسات القائمة لتنفيذه.
إذا سلمنا جدلا بأن عيوبا تشوب القانون الجديد، وهذه أمور يؤكدها المتخصصون وخبراء السلامة المرورية، ألا يستحق الأمر عناء التفكير الإيجابي من باب تعديل ما أمكن تعديله والبدء بما تيسر تطبيقه رحمة بالعباد وضنا بمئات الأرواح، التي تزهق سنويا على الطرقات بفعل الحوادث المميتة؟.
وهل يعقل أن يكون الرفض وعدم المبالاة ردا وحيدا على محاولات النهوض بقطاع المرور في لبنان والعمل على تطويره، وإن بإمكانات متواضعة ؟. ألا يستحق الأمر المحاولة وتحمّل المسؤولية كل من موقعه لضمان شيء من الأمان والسلامة على طرقات تكاد تكون موحدة الاتجاه نحو اللاعودة موتا محتما أو إعاقة تقعد صاحبها وتقضي على مستقبله، والمحظوظ هو من تقوده إلى المستشفى مع قدر لا يستهان به من الإصابات والخسائر المادية؟.
استحقاق المرور في لبنان لا يقل شأنا عن أي استحقاق آخر، من السياسة وزواريبها إلى الأمن ومخاطره، التي لا تقارن خسائرها بما تحصده حوادث السير من ضحايا، تجاوزت أعدادهم السبعمئة قتيل خلال العام 2014، ناهيك عن الجرحى والمعوقين، وما تشكله من استنزاف بشري ومادي دائم على مستوى الوطن، وهي مرشحة للارتفاع إن استمرت الأوضاع على ما هي عليه من استهتار ولا مبالاة، علما أن الخسائر المادية يمكن تعويضها، ومهما كبرت وعظم شأنها لا يمكن أن تقارن بحياة شاب تزهق هباء على الطريق. فهل نعي خطورة ما نحن فيه، أم نستمر في سباقاتنا المحمومة نحو الفلتان والفوضى وانعدام فرص الأمان المروري؟.
أسئلة برسم العقلاء والغيارى على مصلحة الوطن ومستقبل أبنائه، ولا فرق بين مسؤول ومواطن، فكلنا في الهم سواء لأن الحوادث لا تميز بين رئيس ومرؤوس، بين فقير وميسور، بين منطقة وأخرى، بين انتماء سياسي أو ديني وآخر، ليبقى الاختلاف الجوهري في ما نبديه به من وعي ومسؤولية، ومن حرص على إظهار الصورة الافضل لما نتحلى به من ذوق وأخلاق، وطرقاتنا هي المرايا الأولى التي تعكس ما نحن عليه، فأي صور نصدّر للعالم، وأي حضارة نشكل؟!.
ليكن الثاني والعشرون من نيسان 2015 الموعد المفترض للبدء في تطبيق قانون السير الجديد، اختبارا فعليا وامتحانا لقدرتنا على الانضباط والالتزام، وبداية فعلية لورشة وطنية شاملة تتضافر فيها الجهود عملا دؤوبا وجدية في التنفيذ، ووعيا لمخاطر الفوضى القاتلة. ولتكن النتائج الايجابية مثالا يحتذى في بقية شؤوننا وقضايانا، وفي ذلك بداية الخلاص للوطن وأبنائه، فهل نفعل ونقبض على الزمام، أم نحجم ونترك الحبل على الغارب؟.