لو أراد السيد التصعيد
ناصر قنديل
– في قلب الحرب الإعلامية التي وضع لها هدف التصويب على السيد حسن نصرالله بغارات ونيران لا تتوقف، بالتزامن مع الغارات والنيران التي تستهدف اليمن، انطلقت عاصفة حزم إعلامية لها مهمة واحدة يطلب لجميع أعضاء التحالف الذي تقوده السعودية من حكومات وأحزاب وشخصيات وفضائيات وصحف وكتاب ومثقفين ومعمّمين، الانخراط فيها تعبيراً عن انضوائهم في التحالف، والعاصفة الإعلامية لها مهمة واحدة هي استهداف السيد حسن نصرالله.
– يقع أصحاب الحملة في شباك السيد نصرالله من حيث لا ينتبهون، فمن يتابع بداية مداخلة السيد في الأزمة اليمنية، والحرب السعودية على اليمن، إنْ كان متحرّراً من التعليمات، والوصفة الوظيفية الجاهزة للاستخدام، سينتبه إلى أنّ السيد شعر بالاستفراد الذي أصاب الحوثيين في اليمن في حرب استغلت لحظة حرجة في التفاوض الإيراني مع دول الغرب، وأرادت استدراج إيران إلى الحرب الفعلية، لنسف الاتفاق النووي قبل ولادته، انطلاقاً من استفزاز إيران بتغيير قواعد اللعبة في الخليج وتعريض حليفها اليمني لحرب إبادة لا ترحم من جهة، وباستدراجها إلى حرب إعلامية من جهة أخرى، وكان لا بدّ لأحد من الحلفاء ممّن هم في وزن السيد نصرالله من أن يقدّم المعونة بوضع صدره قبالة النيران لاستقطابها نيابة عن الحوثيين، تحقيقاً لقدر من التوازن في الحرب، وقع السعوديون وجماعاتهم كلها بلا استثناء في ما رسمه السيد، وما زالوا، وكلما واصلوا إطلاق النار عليه، ازداد نجاحاً في تحقيق ما رسم.
– بعد نجاح السيد خلال ثلاثة أسابيع، في جعل الإعلام السعودي وملياراته، مسخّراً للحرب عليه، وموظفاً كلّ طاقاته وقدراته وحلفائه، في هذه الحرب الإعلامية، لم يكتشف جماعة العاصفة الإعلامية، أنهم يسهمون من دون انتباه أيضاً في رسم الصورة اللاإرادية التي لا يفيد إلا الحوثيون من رسمها في أذهان الرأي العام العربي والإسلامي، عن الحرب، ويقدّم لهم السيد عوناً لا يعادله رصد المليارات الموازية لحملة دعاية معاكسة للحملة السعودية، فيتركز الضوء على جانب من هويات الحرب هو الأشدّ إيلاماً للسعودية على حساب الجوانب التي تريد هي تسليط الضوء عليها، فتظهر الحرب على الحوثيين حرباً «إسرائيلية» بالواسطة تستهدف حزب الله الذي يقاتل «إسرائيل» ويقضّ مضاجعها، وتستهدف الحوثيين بالواسطة لصلتهم بحزب الله في قلب معادلات حربه مع «إسرائيل» وحماية لأمن «إسرائيل»، ولو أراد الحوثيون تحقيق هذه النتيجة من دون تدخل السيد نصرالله، ومن دون الهستيريا السعودية، وبالتالي تورّط حلفائها ومنابرها في تلبية متطلبات ما أراده السيد عبر خططه الإعلامية، لما تمكن الحوثيون من ذلك مهما فعلوا، ولو أرادوا رسم استراتيجية إعلامية دفاعية لحربهم لما تمكنوا من وضع هدف يحقق لهم مكاسب بحجم ما يتحقق من عاصفة الحزم الإعلامية التي لا تفعل سوى وضع الأرباح في نصيبهم بلا جهد، كهدف لحرب «إسرائيلية» ضمن شبكة أمان من صواريخ حزب الله الممتدّة عبرهم إلى اليمن، والتي تتولى السعودية تدميرها، كما قال وزير خارجية منصور هادي، «الرئيس الشرعي» الذي يخوض السعوديون حرب تثبيت حكمه، فتضيع في الحرب على السيد نصرالله كلّ العناوين التي أعلنها السعوديون لحربهم، والتي كرّس السيد نصرالله خطاباته لتفنيدها، ليحلّ مكانها عنوان واحد هو: يتقاتلون مع السيد نصرالله كرمى لعيون «إسرائيل»، والحوثيون ليسوا إلا هدفاً فرعياً في هذه الحرب.
– يقع السعوديون وجماعاتهم، بعد خطاب السيد في مهرجان التضامن مع اليمن، في خطأ مواصلة الخطأ، فيتحدّثون عن التصعيد، ويرون أنّ السيد رفع السقوف، كأنهم لم ينتبهوا إلى شيء في الخطاب، الذي يبدو أنه مبنيّ على دراسة عميقة لسيكولوجيا التلقي السعودي للخطاب، فيثير نقاط الهستيريا بوعي ودراية، ويتحكم بمسارات حربه النفسية والإعلامية، ويستدرجهم إلى جولة ثانية لها مهمة تغطية فترة الصبر الحوثي التي أشار إليها الخطاب، وفتح الباب لمهلة التجاوب للحلول السياسية قبل أن يأتي وقت لا مكان فيه إلا للتصعيد، فما فعله السيد هو شرح وتفسير للمواقع والمواقف، وليس فيه أيّ نوع من التصعيد، فمن يصف الحرب بحرب سعودية أميركية، وإضافة صفة الأميركية هنا أقرب إلى تمنّ سعودي، وليست بالنسبة إليهم تهمة ولا تصعيداً ولا إساءة، بينما يتجنّب وصفها بـ«الإسرائيلية»، فكأنه يريد إبقاء الباب مفتوحاً للتراجع السعودي، بينما لديه من التصريحات والمواقف السعودية و«الإسرائيلية» ما يكفي لوصفها بحرب «إسرائيلية» بأيد سعودية، ومن لا يتطرّق إلى طبيعة النظام السياسي السعودي وعلاقته بشعبه ومكوّناته، ولا يضع مصير النظام على الطاولة، لا يكون قد كسر الجرة كما يقولون، ولا يكون «غاضباً خلافاً لعادته» كما يتذاكى المتذاكون، بل هو في غاية الدقة في حساب كلّ كلمة وكلّ نقطة وكلّ فاصلة في الخطاب، وهو مسيطر على سياق حربه الإعلامية ويعرف كيف يستدرج خصومه إلى ملعب رسمه هو ويتحكم بقواعد اللعبة فيه هو وحده، وهو يعرف جيداً ماذا يفعل، وهكذا فمن يرفع للمرحلة عنوان ترك الوقت ليفهم السعوديون أن لا جدوى من حربهم، وكي ييأسوا من الرهانات الخاطئة كما قال، ويستعرض حجم الاهتمام الإيراني بالحوار مع السعودية مقابل عنجهية تنتظر نصراً يحقق لها التوازن مع خسائرها، لينتهي برفع شعار كفى، لا يعلن حرباً مفتوحة مع السعودية، بل يرسم سياقاً تفاوضياً سيكتشف السعوديون أنهم يسيرون على خطى رسمها لهم وتوقعها لهم، ويرى جماعات السعودية أنهم كانوا مجرّد وقود لحربه الإعلامية.
– لو أراد السيد التصعيد لقال ببساطة، تأسيساً على مسؤولية السعودية عن كلّ خراب وفساد، لا أمل بصلاح حال العرب والمسلمين ببقاء هذا النظام وهو لم يقل ذلك، ولتساءل تأسيساً على أنّ «إسرائيل» مستفيدة، هل هي فعلاً مجرّد مستفيدة، أيّ تتلقى الأرباح من دون انتباه السعوديين، أم هي شربك، أم هي محرك، ووصل للقول إن لا أمل يرتجى بإلحاق الهزيمة بـ«إسرائيل» من دون هزيمة السعودية، واستعاد من التاريخ ما يكفي من الشواهد من مرحلة جمال عبد الناصر ما يكفي لنفي أيّ صلة لحروب السعودية بمفهوم أمن قومي عربي، أو دفاع عن مذهب، بل حروب «إسرائيلية» ضدّ كلّ من يرفع لواء الحرب على «إسرائيل»، ليصل إلى معادلة، وطالما «إسرائيل» موجودة في حرب اليمن فسنكون حيث يجب أن نكون، وطالما الحرب لتحييد اليمن من الصراع مع «إسرائيل»، فهي حرب على المقاومة بالوكالة والواسطة، والمقاومة ستخوضها بطريقتها، رضي من رضي وغضب من غضب، لكن السيد لم يقل شيئاً من هذا، فهو يقول طالما أنّ الحوثيين لم يستعملوا ما بيدهم من أوراق قوة لأنهم يمنحون السعودية فرصة التراجع المشرّف، وهم الخط الأول في الاشتباك فلماذا يزجّ بالاحتياط الاستراتيجي والحرب لا تحتاج إليه، وربما لن تحتاج، والمرحلة لا تزال فتح الأبواب الخلفية لتراجع السعودية عن حربها.
– بعض اللبنانيين لاعبون ثانويون في هذه المواجهة، يهبون وينتفضون من دون انتباه، ومن دون تدقيق، لمجرد أنّ هناك من قال لهم إنّ المطلوب ردّ ناري على السيد، فيستعجلون ويراكمون كمية من التعابير الثقيلة، يظنون أنها حرب إعلامية، أو حرب نفسية، بينما سيد الحرب الإعلامية والنفسية، يتبسّم وهو يرى حربه تسير وفقاً لما رسم لها، وهو يقول بدلاً من لكلّ مقام مقال كما قال في خطابه، لكلّ حادث حديث، ولكلّ ساعة ملائكتها وسوف نرى…!
(البناء)