التمرد الباكستاني على السعودية
غالب قنديل
تظهر المملكة السعودية عجزا متماديا عن التكيف مع التحولات وبداية هي عاجزة عن فهم تلك التحولات التي تقابلها كالعادة بوهم ان قدراتها المالية الهائلة تكفي لحل جميع المشاكل ولشراء ما لا يشترى .
شكل الموقف الباكستاني من العدوان على اليمن نموذجا للتحولات الجارية في غير مصلحة النفوذ السعودي وحركيته طيلة أكثر من نصف قرن مضى فكيف يمكن تفسير التمرد الباكستاني بإعلان الحياد في اليمن رغم العلاقات الوثيقة بين الجانبين ورغم ان نواز شريف رئيس الحكومة الباكستاني هو أقرب ساسة بلاده إلى المملكة التي كان لاجئا لديها قبل ان ينتخب لمنصبه الجديد .
أولا تشهد باكستان قيام حركة شعبية نشطة ومعارضة سياسية وبرلمانية فاعلة وقد تحركت هذه القوى الحية ضد التورط في الحرب على اليمن وجاهرت برفض إرسال الضباط والجنود الباكستانيين للقتال في اليمن انطلاقا من موقف اخلاقي ومبدئي يرتبط بانعدام العدالة والمشروعية في الحرب التي تشنها السعودية وبالتالي فالطلب السعودي لا يتعلق بمساهمة احد الحلفاء في الدفاع عن المملكة بل بمشاركته لها في العدوان على بلد آخر .
وبعدما نجحت القيادة اليمنية الوطنية بإبراز مشهد العدوان ونتائجه عاريا امام العالم فلا مجال لأي التباس والمطلوب من باكستان هو المشاركة في غزو شعب مسالم وليس الدفاع عن صديق تقليدي هو المملكة السعودية التي ربطتها علاقات وثيقة بباكستان طيلة العقود الماضية وقد جاء تصويت البرلمان الباكستاني حاسما ضد التورط في الحرب على اليمن مما شكل صفعة للسعودية ردت عليها بإرسال وفد برئاسة وزير الأوقاف والشؤون الدينية لحشد ما تيسر من طلاب ومشايخ المعاهد الوهابية في باكستان والتي أنشئت بقرار سعودي منذ الثمانينات لتخريج كوادر التكفير الإرهابي الذين جرى الزج بهم في حروب اميركية متنقلة بدءا من أفغانستان وصولا إلى سوريا وليبيا والعراق ومصر .
ثانيا ما تزال باكستان تعاني من نتائج التورط بقيادة السعودية في حرب أفغانستان وتداعياتها التي كان منها نشوء حركة طالبان باكستان التي تستهدف الجيش الباكستاني وتخوض حربا إرهابية متواصلة داخل البلاد وهي تحتل أجزاء واسعة من الأقاليم الباكستانية البلوشية وحيث يواجه الجيش الباكستاني استنزافا متواصلا .
في اولويات القيادة العسكرية الباكستانية محاربة المخلفات الإرهابية للوهابية السعودية داخل بلادها قبل الذهاب إلى حرب عدوانية تحذر من عواقبها جميع مراكز التخطيط الأميركية لاسيما وان تطورات جديدة مرشحة للظهور في أفغانستان مع ترتيبات الخروج الأميركي والأطلسي من البلاد وحيث ترجح التوقعات اندلاع مواجهة ضارية بين طالبان وحكومة كابول وهو ما يعني مجابهة مخاطر مقلقة لها انعكاساتها داخل باكستان حيث يوجد الامتداد العضوي الطالباني ومن البديهي ان تلتزم القيادة العسكرية الباكستانية بلائحة اولوياتها المحلية الصعبة والمكلفة بدلا من تصدير قواتها إلى حروب خارجية غير مضمونة النتائج مهما كانت الغواية المالية السعودية .
ثالثا تتحسب القيادات الباكستانية لتحولات متسارعة في بيئتها الإقليمية تفرض عليها أن تضع في الاعتبار توازنات ما بعد الخروج الأميركي من أفغانستان حيث سيتصاعد حول باكستان وزن مثلث القوة الفعلية المكون من إيران والصين وروسيا وفي الملف اليمني بالتحديد بات محسوما ان التورط في الحرب السعودية سيعني تحمل تبعات صدام سياسي مكلف مع القوة الإيرانية الصاعدة التي تربطها مع باكستان علاقات اقتصادية نامية مرشحة للتصاعد نوعيا بعد رفع الحصار عن إيران وإلغاء العقوبات وهو الأفق المحتمل ما بعد نهاية شهر حزيران وبالتالي فابتعاد باكستان عن التورط في العدوان على اليمن يمثل خيارا وقائيا في زمن التحولات المتسارعة .
مما لاشك فيه ان دينامية الدبلوماسية الإيرانية ساهمت في التأثير على الموقف الباكستاني على أرضية تراكمية من المصالح الراهنة والمشاريع المستقبلية التي وضعت القيادة الإيرانية اطرها مع باكستان خلال السنوات الماضية وبكل احترام لهومش الخصوصيات السياسية الباكستانية بما فيها العلاقات التقليدية مع الولايات المتحدة والمملكة السعودية اللتين استخدمتا حدود باكستان لتنظيم هجمات إرهابية ضد إيران خلال السنوات الماضية ولاقت الردع المناسب .