بوتين يمنح إيران درعها الصاروخية عامر نعيم الياس
وسط الجدل حول الاتفاق النووي الإيراني، وقبيل افتتاح جولة مباحثات جديدة بين إيران والدول الكبرى لمناقشة نقاط البيان ـ الاتفاق الصادر عن طهران والدول الكبرى، والذي يتوقّع أن ينتهي بتوقيع الاتفاق النووي الإيراني نهاية حزيران الماضي. ووسط شكوك روسية عبّر عنها وزير الخارجية سيرغي لافروف حول تفاصيل صوغ بنود الاتفاق النووي، والتحذير من العودة إلى المربع الأول. ووسط صراخ صهيونيّ لم يهدأ. وقّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرسوماً يلغي منع تنفيذ عقد أبرمته الجمهورية الإسلامية الإيرانية عام 2007 لتوريد خمس بطاريات لمنظومة «أس ـ 300 بي أم أو ـ1» بمبلغ 800 مليون دولار.
تاريخ تصنيع المنظومة من قبل شركة «آلماس ـ آنتاي». يعود إلى عام 1975، وأدخلت حيّز الاستخدام عام 1979. وشهدت المنظومة عدّة تطويرات، إذ طُوّرت عام 1993، وأصبح بمقدور منظومة «أس ـ 300 بي إم أو» متابعة 100 هدف وضرب 12 هدفاً في آن، على مسافة من 5 كيلومترات حتى 150 كيلومتراً، وارتفاع حتى 27 كيلومتراً، فضلاً عن قدرتها على صدّ الصواريخ البالستية وتدميرها، فالنظام الذي يعدّ من الأقدر على مستوى العالم، على رغم تصنيعه في القرن الماضي، يحتاج إلى خمس دقائق فقط ليكون جاهزاً للإطلاق، وصواريخه لا تحتاج لأي صيانة على مدى الحياة.
لم تُلغَ الصفقة بين إيران وروسيا، لكن تنفيذها عُلّق، ربما أراد بوتين استباق توقيع الاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى، كي يسلّف إيران موقفاً منفصلاً عن الاتفاق والعملية التفاوضية التي ستجري في شأن صوغ بنوده، بطريقة تظهر موسكو بمظهر الحليف المختلف عن حلفاء مفترضين آخرين في حال التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران بنهاية مهلة 30 حزيران. لكن الأمور لا تقف عند هذا الحدّ، فتزويد المؤسسة العسكرية الإيرانية بهذا السلاح يوجّه رسائل متعدّدة إلى الحلف الذي يقود المواجهة ضدّ موسكو وطهران، وإن اختلفت حدّة المواقف التي تواجه كلا العاصمتين. فبالنسبة إلى البيت الأبيض الذي استنكر المتحدّث بِاسمه القرار الروسي، فإن القرار يأتي في الوقت الذي تكتسب فيه المواجهة الدبلوماسية داخل مجلس الأمن بين واشنطن وموسكو بعداً جديداً في الملف اليمني. ففي الوقت الذي تحاول موسكو سحب البساط من دعاة الحرب واستمرارها عبر عرقلة مشروع القرار الخليجيّ، تدفع الولايات المتحدة بهدوء لتبنّي وجهة النظر الخليجية. والأمر لا يقف عند هذا الحدّ، بل يمكن اعتبار القرار الروسي ردّاً غير مباشر على الهيستيريا السعودية في القمة العربية والتي وجّهت لانتقاد رسالة الرئيس الروسي. فحصول إيران على هذه المنظومة يكرّس حضورها السياسي والاقتصادي عسكرياً كقوة إقليمية تملك ردعاً يقطع الطريق على أيّ مشروع أو حلم بالأحرى، لاستهداف إيران وضرب منشآتها النووية وصناعاتها العسكرية في المديين القريب والمتوسط. فالمنظومة الروسية إضافةً إلى منظومات أخرى تمتلكها إيران، ترفع سقف المجازفة الذي يواجه أيّ مغامرة صهيونية بدفع خليجيّ وبعض من المحافظين الأميركيين، يمكن أن تستهدف البرنامج النووي الإيراني في حال فشلت العملية التفاوضية، أو حتى في حال الالتفاف على مجلس الأمن الدولي وقراراته المتوقع صدورها في ما يخصّ إيران ما بعد الاتفاق النووي.
«تل أبيب» في ورطة تعكسها ردود فعل وسائل الإعلام الصهيونية. فما هي آفاق شنّ هجوم على إيران في ظل امتلاكها الدرع الصاروخية الروسية التي تعدّ الأفضل على مستوى العالم؟ ما حدود العلاقة الصهيونية ـ الروسية مقارنةً بالعلاقات الإيرانية ـ الروسية؟ كيف يمكن تبرير حجم الخسائر الكبرى في حال وُضِع سيناريو مهاجمة إيران من جانب الكيان الصهيوني وبشكلٍ منفرد كما يتبجح رئيس حكومة الكيان بنيامين نتنياهو؟
من الخطوة الاستباقية للدفع بالاتفاق النووي، والرفع الاستباقي لبعض العقوبات، إلى تعقيد أيّ محاولة لاستهداف إيران، إلى اليمن والمغامرة الخليجية الطائشة، يأمر بوتين باستكمال منظومة الدرع الصاروخية الإيرانية مكرِّساً موسكو حليفاً لا غنى عنه لطهران.
(البناء)