خواطر على هامش اللحظة اليمنية الراهنة إبراهيم علوش
ستة عشر مليوناً من اليمنيين قضوا أيامهم بلا كهرباء في ظلال «عاصفة الحزم»، في بلدٍ يعاني من انقطاعات يومية في الكهرباء أصلاً، والمؤسسة العامة للكهرباء تنذر بوقف الخدمة نهائياً لعدم توافر المشتقات النفطية اللازمة لتموين محطات التوليد التابعة للمؤسسة. اللجنة الدولية للصليب الأحمر تعلن أن المستشفيات والعيادات التي تعالج قوافل الجرحى في اليمن باتت تعاني من نقصٍ حادٍ في الأدوية والمعدات المنقِذة للحياة. عدن تعاني من نقص رهيب في الماء والغذاء. وفي سابقة غريبة من نوعها، عشرات الأسر اليمنية تهرب من تعز وغيرها إلى… الصومال وجيبوتي وأرض الصومال، بحسب المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة، كنتيجة مباشرة لعدوان طائرات التحالف السعودي، في وقت يستمر تدفق اللاجئين الصوماليين إلى اليمن. التكفير والتدمير على جانبي البحر الأحمر، ولسان الحال يقول مع أبي الطيب: وسوى الرومِ خلفَ ظهركَ رومٌ فعلى أي جانبيك تميل؟!
تنظيم «القاعدة» يستغل الانقضاض السعودي والحليف على مؤسسات الدولة والجيش اليمنيين ليجتاح المكلا ويحرر 300 من سجنها، بينهم قياديون معروفون من تنظيم «قاعدة الجهاد في الجزيرة العربية» ظهروا في القصر الجمهوري في المكلا بعدها. التغلغل التكفيري في صفوف القبائل يتعمق ويقدم نفسه كحامٍ للعرب السنة، وتتصاعد عملياته في تعز والبيضا وغيرها تفجيرات وكمائنَ ضد «الرافضة»، هذه العمليات التي يطلق عليها أنصار هادي وبعض وسائل الإعلام تعبير «مقاومة»، فيما يتخذ الصراع في اليمن أكثر فأكثر شكلاً طائفياً، واضعاً كل شبه الجزيرة العربية على شفا جرفٍ هارٍ. حتى بتنا نردد مع أبي العلاء المعري: لعمرك مــا أســـرُّ بـــــيوم فـطر ولا أضحـــــى ولا بغـــــدير خـــــــم!
حكام الحجاز يطلقون صيحة «واعرباه!» وهم يستنجدون بباكستان، مهد العروبة الأصيلة، لترسل قواتها البرية والبحرية والجوية لضرب اليمن، مهد الفرس المجوس، بالنيابة عنهم! لكن مجلس النواب الباكستاني يرفض، مفضلاً البقاء على الحياد وحل المشكلة اليمنية سياسياً، بخاصة مع احتمال تفشي عدوى الصراع الطائفي السني-الشيعي في باكستان نفسها، ما بالكاد يبقى الآن تحت السيطرة، ومع وجود حدود طويلة لباكستان مع إيران «صدف» أن مجموعات بلوشية ذات أجندة طائفية قامت الأسبوع الماضي بعمليات عسكرية عبرها قُتل فيها ثمانية جنود إيرانيين. وجون كيري وزير الخارجية الأميركي يعلن أن الولايات المتحدة «مدركة» أن إيران تقدم دعماً للحوثيين، فيما يعلن ناطق عسكري باسم «عاصفة الحزم»، المقتبس اسمها من «عاصفة الصحراء» ضد العراق عام 1991، وصول عدد غاراتها على اليمن إلى 120 غارة يومياً، وعن إسقاط دعم لوجستي لـ«اللجان الشعبية» في عدن. وكما قال أبو العتاهية: إياك من كذب الكذوب وافكه فلرُبما مزَج اليقين بشكه! وَلَرُبَّما كَـذَبَ اِمـرُؤٌ بِكَلامهِ وَبِصَـمتِهِ وَبُـكائِـهِ وَبِضِحْـكِهِ!
أردوغان أرغى وأزبد وهاج وماج ضد الدور الإيراني في سورية واليمن، معلناً تأييده لـ«عاصفة الحزم»، ثم هرول إلى طهران ليتسول تخفيضات في أسعار الغاز الإيراني الذي تستورده تركيا، وفي اختتام اللقاء أعلن الرئيس الإيراني روحاني اتفاق تركيا وإيران على ضرورة وقف الحرب في اليمن والتوصل إلى حل سياسي بحسب موقع «العربية نت» في 7/4/2015، ما يكشف خواء عنتريات أردوغان العثمانية مجدداً، فضلاً عن سقوط الرهان السعودي على توريط تركيا، وهي لما تستطع تخليص نفسها من الأزمة السورية من دون إعلان رسمي للهزيمة! فحال السعودية في الرهان على تركيا في اليمن مثل حال تركيا في سورية تثير الحزن والشفقة في الواقع، كما جاء في قول الأعشى: قالت هريرةُ لما جئت زائرها ويلي عليكَ وويلي منك يا رجلُ!
لكن، وهذه موجهة لإيران، نلفت النظر إلى خطورة ما تناقلته بعض وسائل الإعلام عن عرض وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لرئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف وقائد الجيش راحيل شريف لإقامة تحالف إيراني-تركي-باكستاني ضد السعودية وحلفائها الرسميين العرب يُقال إن باكستان رفضته… فبغض النظر عن المبررات البراغماتية لمثل هذه الدعوة الإيرانية من زاوية تفكيك التحالف المضاد أو إضعاف معنوياته، فإن طرح الموضوع بهذا الشكل، إن تم فعلاً، لا يخدم اليمنيين، ولا الإيرانيين، بل يقدم ذخيرة مجانية لحكام الحجاز وحلفائهم لتغليف عدوانهم على اليمن بعباءة صراع عربي-شعوبي، ما يسهم بتوجيه الصراع بعيداً من معناه الرئيسي ويخدم حكام الحجاز تماماً إذ يكرسهم كحراس للعروبة، وما قد يشق معسكر مؤيدي اليمن في الشارع العربي إذا شعر بعضهم أنهم يقفون على الجهة الخطأ في صراع ضد العروبة، وإيران في مواجهة الإمبريالية والصهيونية شيء، وفي مواجهة العروبة شيء آخر، والعبرة ليست في القدرة على تحقيق مثل هذه الخطوة، بل في حكمة السعي إليها وحصافتها استراتيجياً، وكما قال المتنبي: الرأي قبل شجاعة الشجعانِ هو أولُ وهي المحل الثاني!
باختصار اليمن يُدمر، وحكام السعودية لا يملكون أفقاً لتدخل بري يحسم المعركة على الأرض، ودخولهم عبر المناطق الجبالية الشمالية للوصول لصنعاء سيحولها لمقبرة جماعية لجنودهم، كما أن موقف أقرب حلفاء السعودية الذين تعول عليهم مثل تركيا وباكستان لا يدل أبداً على أنهم على وشك التورط في اليمن، ومصر بالرغم من كل خطاب نظامها الداعم رسمياً لـ«عاصفة الحزم» لا يملك أي مراقب سياسي أن لا يلاحظ امتعاضها من: 1 تقرب حكام الحجاز من تركيا وقطر والإخوان، و2 استبدال أولوية محاربة الحركات التكفيرية التي تستهدف مصر دولةً وجيشاً وشعباً بأولوية محاربة إيران، ومصر على كل حال ليست في وضع يسمح لها بالتورط برياً أو على نطاق واسع في اليمن وهي تواجه الخطر التكفيري في سيناء، ولهذا يبدو أن السعودية ستقوم فقط بتخريب اليمن لتخرج بعد ذلك بخفي حنين!
(البناء)