مشروع «جبهة وطنية».. لم تولد ملاك عقيل
يدير الرئيس السابق ميشال سليمان الأذن الطرشاء لكل ما يمكن أن يثنيه عن هدف وَضَعه نصب عينيه قبل مغادرته القصر الجمهوري: سأبقى جاثما على قلوب من حاول «تصفيتي» بالسياسة حين كانت أبواب عواصم العالم مفتوحة لي كرئيس للجمهورية. وسيكون مفيدا أن يسجّل سابقة في ما يمكن أن يفعله رئيس سابق على جبهتين. مواجهة معارضيه ومحاولة تكريس قناعات سياسية آمن بها، على رأسها «إعلان بعبدا». وصل سليمان الى حد وصف من يهاجمونه بـ «الكلاب»!
خرج سليمان من قصر بعبدا على وقع وعد جنبلاطي بأنه سيقف الى جانبه «الكتف على الكتف» في إنعاش مشروع الوسطية، وبأن الخميرة التي زرعها «فخامته» في عجينة الاصطفافات السياسية ستنتج تكتلا عريضا يتنفّس وسطية وحيادية. اتفق سليمان ووليد جنبلاط على تشكيل «جبهة وطنية» سرعان ما اكتشف الاول أن ليس فقط «بيك المختارة» غير جاهز للمهمة أو متحمّس لها، بل لأن التطوّرات الدراماتيكية في المنطقة ووتيرتها المتسارعة لا تخدم المشروع الذي يتطلّب بيئة هادئة حاضنة له. سيتخيّل سليمان كيف يمكن ان ينتهي مصير جبهة كهذه لو تناقش المتحاورون مثلا في مشروعية «عاصفة الحزم» في اليمن أو انعكاسات الاتفاق النووي!
منذ البداية احتضن جنبلاط فكرة عدم اكتفاء سليمان بإصدار بيانات موسمية على غرار أسلافه. ولاحقا صار يوعز لفريقه السياسي بأن يعمّم أجواء توحي بقيام ابن عمشيت بمهمّة فوق العادة: التأسيس لخيار مسيحي ثالث.
كان جنبلاط، قبل العهد السليماني وبعده، يدفع بهذا الاتجاه. «شبع المسيحيون، وشبعنا، من تكسير الرؤوس. لا ميشال عون ولا سمير جعجع، بل خيار مسيحي يصطفّ خلفه جميع المنكوبين من صراعات الموارنة الأقوياء». هذا ما يتمناه جنبلاط، لكن لديه من البراغماتية السياسية القدر الكافي للتيقّن بأن حتى حوارات الرابية ومعراب قد لا تفي بالغرض.
اليوم يقول «السليمانيون» إن الرئيس السابق «لم يطرح نفسه يوما كقطب مسيحي، بل كرمز وطني، والدليل ان فريقي 8 و14 آذار وجدا فيه ما يكمّل توجّههما السياسي. 8 آذار في بداية العهد و14 آذار في نصفه الثاني».
هكذا، لم يتعاط جنبلاط مع سليمان على أنه صار من الماضي، لكن مزاج المختارة المتقلّب على مقياس الاحداث الضاربة في المنطقة، أبعده أكثر وأكثر عن «تزريكات» الداخل، وصولا الى نعي «إعلان بعبدا» بالمجاهرة باستحالة تطبيقه.
عمليا، «الجبهة الوطنية» لم تر النور، ولا الخيار المسيحي الثالث. بالامس ولد «لقاء الجمهورية» في منزل سليمان في اليرزة. طلب سليمان من جنبلاط ان يوفد ممثلا فاختار القيادي في «الحزب الاشتراكي» وليد صافي.
أوساط جنبلاط تؤكّد «بالاساس، نحن لا يمكن ان نكون جزءا من أي محور سياسي. ونتعامل مع حركة سليمان كحركة سياسية حيث لديه كامل الحق في القيام بأي نوع من المبادرات تماما كما باقي القوى السياسية الاخرى، كما ان علاقتنا جيدة معه ونحرص على استمرارها. وبما ان الاطار التنظيمي لهذا اللقاء لم يحدّد بعد، فسنرى الامور كيف ستتطوّر لاحقا».
مصادر سليمان تؤكّد بالمقابل على العلاقة «الممتازة مع جنبلاط، ودعوات العشاء المتبادلة البعيدة عن الإعلام شاهدة على ذلك. أما ما يجمع بينهما فأكبر بكثير من جبهة سياسية، خصوصا ان لكل منهما هواجسه وخصوصياته».
في اليرزة تدرّج المشهد من اجتماعات مصغّرة لوزراء الرئيس، الى استقطاب مؤقت للمزعوجين من «العابثين» في الآلية الحكومية، وصولا الى «لقاء الجمهورية». المقربون من سليمان يجزمون «هذا ليس حزبا، مع اننا لا ننفي ولا نؤكّد الرغبة في إنشاء حزب لاحقا. سنبني الآن على الموجود».
خصوم «فخامته» يتفنّنون في أساليب تهميش كل حركة سياسية يبادر اليها، ويتفهّمون الاعتبارات التي تقوده الى استعراضات من هذا النوع. فهذه آخر حكومة يلمح فيها وجه محسوب على ميشال سليمان، وبالتالي سيسعى الاخير، حتى اللحظة الاخيرة، الى استثمار ودائعه في الحكومة كجسر عبور الى طاولة المقرّرين، مشيرين بالاصبع الى «حزب سليمان» الذي ولد لتوّه!
يعد المنضوون في «لقاء الجمهورية» بأنه لن يكون «كمالة عدد».
وبلغة حاسمة ينفي منظمو اللقاء حصول اعتذارات عن عدم الحضور من جانب بعض الشخصيات السياسية. «نحن لم نوجّه الدعوات أصلا، وما يهمّنا كان رمزية المكان وليس العدد الذي يمكن ان نؤمّن أضعاف أضعافه».
صحيح أن سليمان كان محاطا أمس بنائب رئيس مجلس الوزراء سمير مقبل، ونائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري، وبنحو 70 شخصية متضرّرة من «التنكيل» اللاحق بـ «الجمهورية»، إلا ان الغياب الاكبر ليس لوجوه سياسية وازنة من الحلفاء، ربما تتبنى «على العمياني» ما ورد في بيان اللقاء، إنما في الغياب التام لباقة من المرشحين للانتخابات الرئاسية. «السليمانيون» لديهم ما يقولونه، «المرشحون الموارنة أصحابنا ومن البداية أبدينا تفهّما مسبقا لعدم حضورهم، فلديهم حسابات اخرى تماما!».
(السفير)