فلسطينييو سورية: هل يختزلهم «الإخوان» وقدامى «فتح»؟ عامر نعيم الياس
لم يبقَ خطٌّ أحمر إلّا وتجاوزته «حماس» علناً لا خلسةً في وطني. كسرت المحرمات في سورية على ناعقي «التغريبة» وكأنه لا يجوز توجيه أي انتقاد لأيّ فصيل فلسطينيّ على أراضي الغير، كون النكبة هي نكبة الجميع. وما جرى خلال ستة عقود، تتحمل مسؤوليته الدول العربية قبل الفلسطينيين أنفسهم.
سورية التي خالفت الجميع واختلفت معهم من أجل فلسطين، كان للبعض غصّةٌ منها وحقدٌ يجمع بعض الليبراليين والعلمانيين إلى جانب «الإخوان». فما جرى بحسب زعمهم في لبنان في الثمانينات من القرن الماضي، يستوجب الردّ عندما تحين اللحظة المناسبة. ولا ينبغي السكوت عنه. أما فلسطين وتحريرها فموضوعان مؤجلان.
هو شكل العلاقة الملتبسة بين سورية ومنظمة التحرير ممثلةً بجزء من حركة فتح والرئيس الراحل ياسر عرفات ومريديه من الفلسطينيين السوريين، وبين سورية وحركة الإخوان المسلمين الفلسطينية، التي قُدِّمت كحركة مقاومة تتبنى فكر الإخوان دينياً لا سياسياً، ولكن ما الذي حصل؟
يعمل عدد من الفلسطينيين السوريين من أساتذة جامعات ومثقفين وفنانين في بيروت وباريس وغيرهما من عواصم القرار الفلسطيني المستقل وعواصم احتضان المقاومة الفلسطينية ودعمها، ليلاً ونهاراً على تشويه صورة الدولة السورية إلى أقصى الحدود والفصل بينها وبين الشعب السوري. هؤلاء، وكما جرت العادة، التقوا مع الإخوان المسلمين، وفي التوقيت ذاته، على عداء الدولة السورية والسعي الحثيث إلى تدميرها كلٌّ في مجال عمله. الليبراليون والتكنوقراط على قاعدة العمالة والتشويه المبرمج. والإسلاميون على قاعدة الطائفة والحرب المقدّسة ودولة الخلافة. هنا يجدر التمييز بين موقف حركة فتح وبعض المنتسبين إلى الحركة من جناح العداء المطلق لسورية، فهذا لا يمنع من استغلال مكارم الدولة السورية على امتداد العقود الماضية والعمل في كنف مؤسساتها، ثمّ الخروج براتب تقاعد على سبيل المثال ومهاجمة الدولة السورية من عواصم العزّة والشرف في الغرب والشرق.
وقعت الأزمة السورية وخرجت «حماس» وسيطرت عام 2012 على مخيّم اليرموك. شهادات عدّة مصوّرة ومنشورة على صفحات الصحف الغربية لمقابلات أجريت مع بعض قادة الميليشيات تمَّ فيها الحديث بالتفصيل عن دور حركة حماس تحديداً في عمليات التدريب للمقاتلين السوريين في غالبية المحافظات السورية. والتخصص في تلقين هؤلاء تقنيات حفر الأنفاق، التي دمّرت مدينة حلب عن بكرة أبيها، وأزهقت أرواح الآلاف من جنود الجيش السوري، وشطبت تراثاً تاريخياً عمره آلاف السنين. لكن موقف «حماس» سياسيّ من الأزمة السورية، وترفع علم معارضي الدولة وتتحالف مع أردوغان وتنكر دور إيران، وتؤيد العدوان السعودي على الشعب اليمني، وعلينا نحن كسوريين أن نصدّقها وألا نهاجمها ونهاجم أي فلسطينيّ مؤيد لهذه التوجهات على قاعدة التكفير التاريخي والأخلاقي والإنساني. عقدة ذنبٍ وخطٌّ أحمر على المرء ألا يتجاوزه حتى في وطنه. فالمخيّم ليس جزءاً من سورية، والفلسطينيّ العامل في مؤسسات الدولة السورية والمتمتع بكافة حقوق المواطن السوري، لا منّة لأحد عليه، ويجب ألّا يخضع لقوانين الدولة إلا في مسائل تتعلق بتأمين حقوقه. أما واجباته فليست موضوعاً مطروحاً للبحث. وفي هذا السياق شجبت أيّ محاولة لاتهام «حماس»، وهُدّد أيّ سوريٍّ يهاجمها كونه «شبيحاً» ليس إلّا. فالحركة لا تقاتل الجيش السوري، وإن قاتلته فهي تقوم بواجبها لحماية «الثورة السورية». وكما هي العادة، وبعد تعاون «القاعدة» و«الإخوان» على قتل الفلسطينيين أولاً من أفراد الجبهة الشعبية القيادة العامة وغيرهم من الفلسطينيين الشرفاء الذين رفضوا الخنوع للعبة التهجير الثانية، وبعض السوريين ثانياً داخل مخيّم اليرموك، والحديث عن سيطرة عشرين فصيلاً على المخيّم واللعب أممياً على وتر المساعدات الدولية الإنسانية للدروع البشرية داخل المخيّم، تآمرت «النصرة» على «الإخوان» ممثلين «بأكناف بيت المقدس» التي اتضح أنها استطالة حمساوية، واتضح أن المدنيين داخل المخيّم، الذين عُمِل في مرحلةٍ ما على استصدار قرار دولي خاصّ بهم موجّه ضدّ الدولة السورية، هم أهالي القتلة محتلّي المخيّم.
وهنا عاد خالد مشعل إلى ممارسة انتهازيته، اتصل بأمين عام الجبهة الشعبية القيادة العامة أحمد جبريل، وطالب بنقل القادة العسكريين المصابين من «أكناف بيت المقدس» إلى المستشفيات الخاصة في سورية لعلاجهم بالشكل الأمثل.
طُرد من عمّان فأتى إلى سورية ليقيم في مربّع أمنيّ خاصّ به، ويقيم مأدبات مفرطة في البذخ، ويمنع السوريين أصحاب الحق في وطنهم من ممارسة حياتهم الطبيعية في محيط مربّعه الأمنيّ. كان مطروداً هائماً على وجهه، فرأى في سورية ودولتها خشبة الخلاص. ثمّ غدر بها، واليوم يعيد الرجل رسم تاريخه الملتبس بالطريقة ذاتها. يتصل بأحمد جبريل ويريد معالجة إسلامييه لتقطّع السبل بهم، ويفرض خروج عائلات إرهابييه من المخيّم قبل العائلات المدنية الباقية، ومنها عائلات سورية، كي تقوم الدولة السورية بواجبها إزاء من ذبح أبناءها وامتهن سيادتها.
(البناء)