السعودية في العدوان بين خيبتين: من الحلفاء إلى الميدان. أمين محمد حطيط
فوجئ الكثيرون من المتابعين في العالم العربي والإسلامي بما يحصل في اليمن إذ أن أحدا منهم لم يكن ليتصور بان تقدم دولة تدعي العروبة وتتظاهر بالإسلام دينا والقرآن دستورا، أن تقدم على ما تقوم به السعودية اليوم في اليمن جهارا مع تفاخر بما ترتكب من قتل المدنيين دونما تمييز بين طفل أو امرأة أو شيخ، وأن تغير طائراتها على البنى التحتية التي هي أصلا متواضعة بسبب الفقر الذي تعيشه البلاد والذي كانت السعودية سببا رئيسيا في إنتاجه .
لكن الذين يعرفون تاريخ السعودية وارتباطاتها منذ نشأتها وسلوكها في العقود الخمسة الماضية، اعتقد انه لم يفاجأ بالأمر أنما الذي فاجأه فقط هو انتقال السعودية من الفاعل المستتر إلى المرتكب الظاهر والفاعل المباشر، فدور السعودية في التخريب والتدمير والأخلال باستقرار العرب والمنطقة ليس بالأمر الجديد، وهنا نذكرها في أكثر من دولة عربية.
ففي لبنان كانت تسلح طرفي النزاع في حرب السنتين حتى دمروا بيروت وأحالوها ركاما ما مكن السعودية عبر رفيق الحريري من وضع اليد عليها في عملية سطو غير مسبوق في تاريخ الدول إذ لا يوجد دولة في العالم باعت عاصمتها ومع ذلك فعلتها السعودية في لبنان.
أما في العراق وسورية فدورها مشهود، كان ولايزال، لجهة الوقوف خلف الجماعات الإرهابية التي قتلت ودمرت واجتثت أركان هامة من تاريخ البلدين وأرست ثقافة الأجرام واستباحة المقدسات تماما كما تفعل أو تخطط إسرائيل في معرض تهويد فلسطين وطرد أهلها والتخطيط لهدم المسجد الأقصى واستئصال التاريخ العربي والإسلامي منها.
ولا يخفى الدور السعودي في البحرين اليوم حيث تلقي بثقلها العسكري تحت عنوان “درع الجزيرة”، ضد الشعب البحريني الذي يثور على نظام الاستبداد المدعوم من السعودية، ويبقى الأمر الأفظع من كل ما سبق، هو ما ترتكبه السعودية بحق اليمن وشعبه، نقول الأفظع لسببين الأول يتعلق بالظهور المباشر للسعودية على مسرح الجريمة والثاني حجم الجرائم التي ترتكب باليد السعودية بحق دولة اليمن.
لكن ومع هذه الجرائم التي شاءتها السعودية من اجل إخضاع اليمن وأعادته إلى بيت الوصاية والطاعة السعودية وتثبيته حديقة خلفية للهو مراهقي السياسة فيها، يطرح السؤال حول قدرة السعودية على تحقيق أهداف عدوانها على اليمن، وتاليا مدى قدرة السعودية على إقامة الإمبراطورية السعودية على كامل الجزيرة العربية بدءا من اليمن إلى البحرين معتمدة النار والسلاح والمال والأعلام.
في تقدير موضوعي للموقف العملاني والاستراتيجي نستطيع القول بان السعودية ارتكبت أفدح خطأ استراتيجي خاصة وأنها اندفعت في مغامرة العدوان على اليمن مراهنة على قدرات الغير لأنها لا تستطيع أن تراهن على قدراتها العسكرية الذاتية، خاصة وأن هذه القدرات رغم الأموال الطائلة التي أنفقت لا بل هدرت عليها (80 مليار دولار في 3 سنوات) لم تصل إلى مستوى امتلاك القوة العسكرية القادرة على معالجة معضلات من وزن معضلة اليمن.
لقد عولت السعودية على قوات عربية وإسلامية ظنت أنها ستهب لنجدتها فتكون طوع أمرها عندما تحرك البنان، معتقدة بانها اشترت قرار دولها بالأموال التي أغدقتها عليها في اليوم الأبيض واخرتها لليوم الأسود في تاريخ المملكة.
لكن الظن السعودي لم يكن في محله أيضا وخذلت تلك الدول السعودية عند الحشرة، فكانت الصفعة الزلزال باكستانية، حيث اتخذ مجلس النواب الباكستاني قرارا حكيما برفض التدخل العسكري في اليمن لصالح أي من الفرقاء ودعا إلى حل سلمي يستجيب لقواعد القانون الدولي والعدالة التي ترفضها السعودية.
ثم عولت السعودية على الجيش المصري متصورة أن بعض المليارات اللي قدمتها كمساعدات لمصر أو الوعود بمضاعفة تلك المساعدات ستدفع الحكومة المصرية لوضع جيشها في خدمة الأسرة الحاكمة في الحجاز. لكن المتوقع وهذا ما بدأ يتسرب من المواقف الدبلوماسية المرنة والذكية التي تصدر عن مصر، المتوقع أن يكون الخذلان حليفا للسعودية وأن كان الرد قد يأتي في ظاهره إيجابا وتذهب بعض وحدات من الجيش المصري إلى الحدود مع اليمن ولكن ليس لنجدة السعودية بل لاستعادة الموقع المصري في الخريطة الإقليمية.
ويبقى امر مملكتي المغرب والأردن، حيث سيكون تنازع في الشأن بين امرين: الاستجابة لمملكة بني سعود في سياق تعاضد الممالك ونصرة المملكة لشقيقتها، الثاني الاقتصاد في المساعدة بغية الاحتفاظ بالقوى في الداخل لحماية المملكة ذاتها خاصة الأردن التي توجه تحديات بالغة الخطورة ناجمة عن مشروع الوطن البديل ولهيب الحريق في سورية الذي ينتظر لحظة وهن أردني مناسبة ليتمدد إلى داخل المملكة. لذلك نرى أن الدعم إذا حصل فانه لن يكون بالقدر الذي يشفي غليل أل سعود ولن يغير المشهد.
وعلى هذا الأساس ومع تصاعد إرادة اليمنيين لإطلاق إعصار العزم الوطني الدفاعي رغم المجازر السعودية ومع عجز السعودية عن تحشيد القوة العسكرية القادرة على شن حرب برية لاحتلال اليمن وإعادة عميلها عبد ربه منصور اليها ليستأنف نظام الوصاية السعودية على اليمن، فأننا نرى أن الفشل والإخفاق ينتظر السعودية في اليمن، فشلا سيكون له تداعيات استراتيجية بالغة الخطورة لعلى السعودية ودول الخليج.
إن السعودية تعيش الآن خيبة من الحلفاء وهواجس المستقبل والغريب أنها بدل أن تتعظ وتتراجع تندفع وتمارس إرهابا في اليمن تعلم أنها لن تحصد منه إلا الخيبة أيضا فدماء الأبرياء وركام البنى التحتية لا تصنع نصرا وممارسة إرهاب الدولة لا يعوض خيبة أو فشلا، بل يفاقم الخسائر المعنوية أولا والمادية عند انطلاق إعصار العزم الدفاعي اليمني ردا على عاصفة الحزم العدواني السعودي.