حماس.. أكناف بيت المقدس وأسئلة مشروعة! د. فايز رشيد
القضية الفلسطينية لا تحتمل المراوغة ولا اللعب بالمشروع الوطني ولا بالشعب الفلسطيني ! حماس ابتعدت عن هذه القضايا المصيرية للاسف . انشدَت ولا تزال للسلطة التي اعتقدت أنها بنتها في غزة ! وهي المحاصًرة والمختنقة إسرائيليا . حماس عقدت هدنة غير مباشرة مع العدو الصهيوني ووفقا لتصريحات قادتها ستبحث مع الكيان من خلال وسطاء هدنة لمدة خمس سنوات ,فهل تجوز الهدنة مع جيش وكيان يحتل أرضنا ويغتصب إرادة شعبنا ويحاصر أهلنا في القطاع لما يقارب الثمانية أعوام؟ . رغم كل ذلك قإن كاتب هذه السطور لم ينبس ببنت شفة تعليقا على ما تقترفه حماس , انطلاقا من حسّ وطني فلسطيني ينطلق في جوهره من مبدأ : تجنّب أية خلافات علنية مع مطلق تنظيم فلسطيني وإبقاء الانتقادات في إطارها الداخلي غير المعلن, وتغليبا لصراع شعبنا وتناقضه التناحري الاساسي مع العدو الصهيوني.
سوريا قدّمت لحماس ما لم تقدمه لتنظيم فلسطيني أو عربي آخر عاش أو يعيش أو سيعيش على أراضيها! لو اختارت سوريا طريق الخلاص الفردي والاستجابة للشرط الامريكي- الصهيوني بطرد فصائل المقاومة الفلسطينية من على اراضيها, لما كانت تعاني ما تعانيه اليوم ولكان دخل المواطن السوري أضعاف أضعاف ما هو عليه اليوم . هذا ما تم عرضه على الرئيس المرحوم حافظ الأسد ,وما تكرر مع خلفه :نجله بشار. هذا ما تؤكده مصادر غربية كثيرة معروفة وموثقة.لا نحن ولا غيرنا يدافع/ ندافع/ يدافعون عن أي نظام إنما في الذهن سوريا الوطن / الدولة العربية التي تفتح أبوابها لكل العرب دون سمة دخول كما من حقّهم التملك في سوريا مثل كل المواطنين السوريين.
رغم كل ما قدمته سوريا لحماس.. فإن الاخيرة كانت لها توجهاتها التي لم تنطلق من خصوصيتها الفلسطينية , بل من قرارات التنظيم العالمي للإخوان المسلمين, الذين وقفوا ويقفون بالمعنى التاريخي ضد هذا البلد العربي. بعدما وصل الطلاق بين النظام السوري وحماس وإخراج/خروج قادتها من سوريا.. انطلقت حماس في علاقاتها مع البلد الذي استضافها وقادتها (في الوقت الذي كانوا يفتقدون فيه بلدا عربيا للإقامة فيه) , انطلقت من شعور انتقامي بحت , إضافة بالطبع إلى قرارات التنظيم العالمي للإخوان بحق سوريا .
لم يعد خافيا على أحد: أن حركة حماس هي من أنشأت تنظيم “أكناف بيت المقدس على ارض الشام” في بداية عام 2013 (هذا بشكل رسمي) .شارك التنظيم مع المعارضة السورية في مواجهة النظام .تشكّل من عناصر أغلبها فلسطينية .قاتلت الأكناف ايضا إلى جانب ” الجبهة الإسلامية” .أكناف بيت المقدس كانت حتى فترة قريبة تتسلح وتتزود بالذخائر من المناطق الجنوبية التي تسيطر عليها الجبهة الإسلامية وجبهة النصرة . من قادتها “أبو أحمد المشير” الذي عمل مرافقا لرئيس المكتب السياسي لحماس الأستاذ خالد مشعل. يتزعم قيادة كتائبها “محمد زغموت”إلى جانب ” رمضان أبو العلا” الشهير بـ “أبو همام” وقد كان مرافقا لـ موسى أبو مرزوق أثناء تواجده في سوريا.انطلقت الأحداث الأخيرة بعد مبايعة أمير جبهة النصرة “أبو جعفر” وأعضاء من الاكناف لتنظيم “داعش” , وبعد اغتيال القيادي في حماس يحيى حوراني في المخيم قامت الأكناف باختطاف عناصر مشتبه بها.. ثم كان الانفجار.معروف أن في مخيم اليرموك 3 آلاف عنصر مسلح , يتوزعون بين الأكناف , “العهدة العمرية” , “جبهة النصرة” , “حركة أحرار الشام” , “لواء الأمة” , لواء شام الرسول”و “كتائب شباب الهدى”. توحدت الفصائل الأخيرة مؤخرا في “الرابطة الإسلامية”.
من الواضح للأسف: أن حركة حماس بدأت تنزلق في اتجاه الطائفية ـ المذهبية ـ البغيضة التي تحاول إسرائيل والولايات المتحدة وحلفاؤهما في الدول الغربية تسعير أوارها, وتعميمها على بلدان كثيرة، سواء في العالم العربي أو المنطقة, وعلى صعيد الدول الإسلامية أيضًا.
نعم ,طالما بقيت المخيمات الفلسطينية ..فستظل شواهد النكبة قائمة.لذلك من الطبيعي أن تجري المحاولات واحدة بعد أخرى لمحو هذه المخيمات من الوجود. من قبل جرى تدميرمخيم نهر البارد الذي تم تهجير سكانه وهدمه بشكل كامل ومن قبله كانت نذابح صبرا وشاتيلا وتل الزعتر.محاولات إعادة بناء بعض هه المخيمات كمخيم نهر البارد ما تزال قائمة , وقسم صغير من أهله عاد إليه.الآن:يتكرر ما حصل من قبل مع مخيم اليرموك, وتجري محاولة من جديد لإزالته. المخيم هوأكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في سوريا،يسكنه قرابة المئة وعشرين ألفاً من أبناء شعبنا، وفيه يسكن أيضاً سوريون . على أطرافه : في الحجر الأسود وببيلا والست زينب وغيرها من المناطق , تتواجد نسبة قليلة من الفلسطينيين وعدد أكبر من السوريين.
منذ بدء الأحداث في سوريا،حاولت الفصائل الفلسطينية ووجهاء المخيم : إبقاء أهاليه على الحياد،وتجنيبه الأزمة للمحافظة عليه،وعدم الزج بساكنيه في أتون الصراع السوري.تفهمّت كافة الأطراف المعنية بالصراع هذا الموقف،واستطاع المخيم أن يكون بؤرة استقطاب للاجئين السوريين من مختلف المناطق.أبناء شعبنا تقاسموا الرغيف مع إخوتهم السوريين.بقي هذا الوضع إلى أن قام قبلا مسلحوا ما يسمى بالمعارضة بمحاولات الدخول إلى المخيم عنوةً وفي أكثر من حي، ذلك وسط رفض أهاليه ,الأمر الذي أدى إلى تدخل قوات الجيش النظامي السوري حينها،وحصلت اشتباكات ذهب ضحيتها العشرات من الفلسطينيين. جرت اجتماعات عديدة بين الأطراف الفاعلة لإدخال مواد غذائية وادوية وجرى الاتفاق على طريقة خروج ودخول اهالي المخيم. اعتقدنا أن القضية انتهت عند هذا الحد لولا أحداث الأيام الأخيرة. للأسف لم تلتزم حماس بقرار فصائل المقاومة الفلسطينية , الامر الذي يطرح تساؤلات مشروعة حول جملة أهدافها وما الذي تريده من سوريا؟.
لقد دخل مئات بل آلاف من مسلحي “داعش” و “النصرة” إلى المخيم الذي يتواجد فيه مسلحوا “أكناف بيت المقدس” وبعض مسلحي الحركتين الإرهابيتين. اشتباكات عنيفة جرت وتجري في المخيم , والحصيلة : ضحايا كثيرون من الفلسطينيين والسوريين, عشرات ذبحتهم داعش .. ولا تزال الاشتباكات قائمة!. فصائل المقاومة وإضافة إلى الوجوه وأعيان المخيم كانت قد شكّلت لجاناً أمنية من المواطنين ,وهي غير مسلحة, للمحافظة على الأمن في المخيم. بعض الفصائل الفلسطينية تشتبك مع جبهتي داعش والنصرة في محاولة لهزم مخططهما للسيطرة على المخيم. أيريدون إزالته عن الوجود؟أيريدون إبعاد أهله عنه نهائياً؟إذ لا مبرر لاستمرار بقائهم فيه،وبخاصة أن أهله لم ولن يتدخلوا في الأزمة السورية.محاولة إزالة المخيم وإبقاء أهله في التهجير تلتقي مباشرة أو بطريق غير مباشر مع المحاولات الصهيونية-الأمريكية-الغربية لمحو تعبير”اللاجئين الفلسطينيين”وتصب في مجرى:تصفية القضية الفلسطينية وتُلحق أفدح الضرر بالمشروع الوطني الفلسطيني والحقوق الوطنية لشعبنا.
يبقى القول:أن المحاولات الجارية لزج اللاجئين الفلسطينين عموماً وبشكل خاص سكان مخيم اليرموك في الصراع في سوريا،سوف يؤدي إلى شطب هذا المخيم , وذلك لتمرير التسوية الأمريكية الأسرائيلية في تصفية القضية الفلسطينية . يجيء ذلك في الوقت الذي عزّز فيه اليمين المتطرف واليمين الأكثر تطرفا من مواقعه في الكيان الصهيوني من خلال انتخابات الكيان الأخيرة وتكليف نتنياهو بتشكيل الحكومة. سياسة شطب المخيمات الفلسطينية ومنها مخيم اليرموك تتماهى مع سياسة تفتيت الدول العربية الى دويلات : طائفية , مذهبية واثنية تحترب فيما بينها ولصالح وانهاء الصراع العربي الفلسطيني – الصهيوني.