اتفاق الإطار النووي بين أمريكا وإيران: منير شفيق
وُقع اتفاق إطار لاتفاق نووي بين إيران ومجموعة خمسة زائد واحد، وسوف يتحوّل إلى اتفاق كامل مع نهاية شهر حزيران/يونيو من هذا العام. فهنالك مجموعة من التفاصيل بحاجة إلى مزيد من المفاوضات، ولا سيما التوصل إلى الصوْغ النهائي لبنوده. مما يحتاج إلى حوالى الثلاثة أشهر، وفقاً لموقعيه .
استُقبِل اتفاق الإطار بتعليقات كثيرة ذهبت من جانب أوباما إلى اعتباره إنجازاً تاريخياً كما اعتُبِرَ إيرانياً بأنه انتصار كبير. ثم تراوحت التعليقات حول اعتباره تحقيقاً للمطالب الأساسية التي أرادها الطرفان طوال المفاوضات التي كانت صعبة وقاسية ومعقدة.
النقطة الأهم التي أبرزها الجانب الأمريكي في اعتبار إطار الاتفاق إنجازاً تاريخياً تركزت حول التأكد من عدم امتلاك إيران للقنبلة النووية وحصر علاقتها بالتخصيب النووي في الجانب السلمي. أي الاستخدام العلمي والاقتصادي فقط.
إذا كان هذا البعد الذي أنجزته أمريكا أو مجموعة 5+1 فهو بُعدٌ لم يأخذ من إيران هدفاً كانت تسعى إليه. فالإمام السيد الخامنئي أفتى بتحريم صنع القنبلة النووية أو امتلاكها أصلاً. فإيران لم تتنازل عن شيء هنا. ودخلت العائلة النووية.
طبعاً ما تنازلت عنه إيران له علاقة بالتفتيش الفجائي بلا سابق إنذار إلى جانب مجموعة من الأبعاد الفنية (الشروط) بقصد التأكد من بقاء التخصيب النووي الإيراني بحدود لا تصل 5%. ولكن هذا يظل في إطار الطمأنة وإن تجاوز حدوده نسبياً أو من زاوية ما. ولكن شأنه شأن كل اتفاق يظل رهناً بتطورات موازين القوى التي تتحكم في مستقبله بما في ذلك تحويله إلى حبر على ورق، مثلاً قرار 1701 وشروطه المتعلقة بعدم تواجد حزب الله والمقاومة في جنوب لبنان، وقد تحولت إلى حبر على ورق.
المهم أن الرابح الحقيقي هو إيران في هذا الاتفاق ولا سيما إذا رفع الحصار المالي والاقتصادي فوراً مع توقيع الاتفاق النهائي في أواخر حزيران/يونيو 2015. هذا فضلاً عن مكاسب أخرى على مستوى علاقاتها الإقليمية والدولية ودورها المستقبلي، ولا سيما إذا سدّت الأبواب أمام انعكاسات سلبية للاتفاق في الداخل الإيراني نفسه. لأن من أهم الدوافع غير المعلنة من جانب إدارة أوباما هو استخدام الاتفاق للعب في الداخل الإيراني. وهو ما أُفشِلَ بنجاح حتى الآن.
من يتابع بدقة مجرى المفاوضات وكيفية إدارة كل طرف للصراع فيها يلحظ تفوّقاً من جانب إيران على المفاوض الأمريكي أو على مؤيديه في مجموعة 5+1. وهو دليل آخر على المسار التراجعي الذي دخلته أمريكا الدولة الكبرى بعد أن فقدت قدرتها على الإملاء.
على أن الاستلاب الذي تشكل تاريخياً حول قدرة الدولة الكبرى وسطوتها يحول دون التقويم الدقيق من قِبَل المستَلبين في قراءة اتفاق الإطار النووي. وهذا ظاهر في ما أُشيعَ حول صفقات بين إيران وأمريكا في الوقت الذي فرضت فيه إيران ألاّ تتعدى المفاوضات الموضوع النووي. ومن هنا يخطئ كل من يظن أن الاتفاق له ما بعده في ما يتعلق بالأزمات التي تشهدها عدة بلدان عربية. وإذا كان له من تأثير فليس عبر ما يسّمونه الصفقات وإنما سينجم كتداعيات للاتفاق ومن خلال الصراع ونتائجه على موازين القوى.
أما الدليل فمن الممكن أن يُلاحظ عبر المسار المتعرّج الذي اتخذته المفاوضات، كيف كان مساراً صراعياً حول كل كلمة وتفصيل. وقد تم الوصول إليه بشق الأنفس بل يمكن القول أن توقيع الإطار مجرد اتفاق أولي ما زال أمامه الكثير من التفاوض الذي قد يصل إلى طريق مسدود. طبعاً هنالك وقائع ترجّح التوصل إلى التفاق النهائي حول الموضوع النووي. ولكن هذا الترجيح يجب أن يُبْقي الاحتمال الآخر قوياً وممكناً حتى اللحظة الأخيرة قبل التوقيع. وهو ما حدث عند التوصل إلى اتفاق الإطار نفسه.
إن التدقيق في موازين القوى التي أحاطت بالمفاوضات واتفاق الإطار هي وحدها التي تفسّر الكثير من الأبعاد التي يحملها الاتفاق. فإدارة أوباما تعيش مرحلة في ميزان القوى هي الأسوأ في تاريخ أمريكا منذ الحرب العالمية الأولى حتى اليوم إذ ليس هنالك أسوأ بالنسبة إلى دولة كبرى من أن تفقد سيطرتها على النظام العالمي وعلى مصائر الأحداث فيما يكثر المنافسون الدوليون والإقليميون. فلا تعود قادرة على رسم استراتيجية دولية تَثْبُتُ عليها وتمتلك من خلالها زمام المبادرة، فيما يدب الإرباك في سياساتها التفصيلية (التكتيكية) إزاء معظم القضايا والأزمات، ويتعمق الانقسام الداخلي لا سيما حين يضرب في السياسات الخارجية. وقد وصل الأمر في إدارة أوباما أن تخطئ في سياسات بسيطة بديهية مثل تحديد مستوى المشاركة (في تظاهرة) باريس لاستنكار جريمة إيبدو، أو مثل تقديم واجب العزاء في تشييع الملك عبد الله. أما الأنكى فتصريح وزير الخارجية الأميركية الأخير حول سوريا حيث بدا كما لو كان ارتجالياً إذ سارع الناطقون الرسميون في البيت الأبيض، وحتى في وزارة الخارجية لإيضاحه والتخفيف من مبناه الواضح. ثم ما ثار حوله من نقد أوروبي حتى طوي كأنه لم يكن. الأمر الذي يدل دلالة واضحة على تخبط سياسي ناجم عن تخبط استراتيجي فيما التخبطان ناجمان عما حل من ضعف أميركي في ميزان القوى لم تتبعه استراتيجية وسياسات مناسبة لميزان القوة الجديد.
وهنا يمكنه أن يضاف إلى هذا البعد ما برز من حدة تناقض بين إدارة أوباما وحكومة نتانياهو حول اتفاق الاطار النووي مع إيران. حيث رأى فيه أوباما انجازاً أميركياً، ويخدم “أمن إسرائيل”، ورأى فيه نتانياهو كارثة على “أمن إسرائيل“.
أطلق أوباما تصريحاً مرتبكاً حول ما ينتظر المفاوضات الأميركية الخليجية من صعوبات. وأشار منتقداً بأن على السعودية أن تواجه أزمتها الداخلية المتعلقة بالشباب والبطالة والحريات باعتباره التحدي الأول الذي يجب أن تواجهه. الأمر الذي يؤكد على الحال الذي وصلته أمريكا سواء أكان على مستوى موازين القوى أم على مستوى الاستراتيجية والسياسات الخارجية، أم على مستوى علاقاتها بحلفائها أم على مستوى مواجهة منافسيها وخصومها، وأعدائها.
ومن ثم سيُفجع كل من ينتظر من أمريكا سياسة ثابتة متماسكة بل عليه أن يتوقع الارتباك والتخبط والسياسات المتناقضة في آن واحد. مثلاً تراها تؤيد السيسي وتعارضه، وتقف إلى جانب السعودية وتخذلها، وتتفق مع إيران وتحاربها، وتتجه بأولوية استراتيجيتها إلى الشرق الأقصى وتجعل أولوية عدائها لروسيا بوتين. وتدعم الكيان الصهيوني وتؤزم العلاقة بحكومته. وهذا على مستوى إدارة أوباما نفسها، فكيف على مستوى الانقسام بينها وبين الكونغرس.
ومع ذلك كله ستجد من لا يرى أمريكا مهزومة في الاتفاق النووي ولا سيما إذا ما رفعت العقوبات الاقتصادية والمالية فوراً. وهو ما سيُفرض عليها، أو لا اتفاق، على الأرجح في الموعد المحدد.