المخللات.. المسرطنة!: ايلي الفرزلي
بعد المطاعم وأهراء القمح والمستودعات والسكّر.. حان وقت المخللات. فقد تبين أن إحدى أبرز الصناعات الغذائية، التي يتميز بها لبنان، لا تحيد عن السياق المنتظم للفساد الغذائي الذي يزيّن موائد اللبنانيين.
الكشوفات التي أجرتها وزارة الصحة بالتعاون مع وزارتي الصناعة والزراعة تؤكد أنه يوجد في لبنان 132 مصنعاً لإنتاج المخللات، 25 منها فقط مرخّصة، كما أن التقرير الذي أنجزته الوزارة يظهر أن غالبية هذه المصانع لا تراعي الشروط الصحية.
لكن أخطر ما تم كشفه هو أن 95 في المئة من المصانع تعبّئ منتجاتها في براميل بلاستيكية غير مطابقة. إلا أن التدقيق في عبارة «غير مطابقة» يكشف عن استعمال براميل صناعية كانت في السابق معبأة بمواد مثل الغراء وزيوت السيارات والطلاء، وهذه مواد لن تزول آثارها مهما غسلت البراميل.
وإلى الضرر المتأتي من تلك الترسّبات، فإن نوع البلاستيك المستعمل يساهم في زيادة المشكلة، حيث يكثر استعمال أنواع قابلة للاندماج مع الأملاح والمخللات ولا تشكل عازلاً للحرارة عن المنتج. كذلك تبين أن بعض البراميل تغلق بأغطية حديدية، يطالها الصدأ بمجرد تفاعلها مع فوران الخل والملح.
وإذا كانت هذه المضار ترتبط بطريقة الحفظ، فإن مضار المواد المستعملة في التخليل ليست أقل. فالسعي إلى إنضاج المنتج بأسرع وقت يجعل المصنّعين يستعملون نسباً عالية من المواد المخللة، ولأن لهذه الخطوة أضراراً جانبية كأن ينضج المنتج أكثر مما هو مطلوب، يعمدون إلى استعمال مواد حافظة أيضاً بمعدلات مرتفعة ومن دون مراعاة المقاييس والنسب المسموحة، وهو ما يؤدي إلى ضرر بالاتجاهين، يضاف إلى الأضرار المتأتية من سوء التخزين.
كل ذلك يؤدي إلى نتيجة واحدة يعبّر عنها وزير الصحة وائل أبو فاعور بقوله لـ «السفير» إن موضوع الكبيس «هو أخطر موضوع تم كشفه حتى الآن».. حتى أنه لا يتردد بالإشارة إلى أنه أخطر من موضوع القمح، لأن سوء تخزين القمح يؤدي إلى انتشار البكتيريا، بينما طرق الإنتاج والتخزين للمخللات في المصانع تجعل منها مصانع لإنتاج المواد المسرطنة.
هل فات أوان المعالجة؟
يتبين من الاجتماع الذي عقده وزير الصناعة حسين الحاج حسن مع أصحاب مصانع الكبيس والمخللات وأصحاب مصانع البراميل البلاستيكية، والذي اتبع باجتماع بينه وبين الوزيرين أكرم شهيب وأبو فاعور، أن المسألة وضعت على طريق المعالجة. فقد تم التوافق بين الوزراء الثلاثة على عدد من الإجراءات أبرزها:
– إعطاء مهلة شهر للمؤسسات غير المرخصة لتقديم طلب ترخيص. ويشير شهيب لـ «السفير» إلى أنه سيصار إلى تسهيل عملية التسجيل والتساهل مع المعايير المتعلقة بالإنشاءات، لكن مع التشدد، بكل ما يتعلق بسلامة المنتج.
– تشكيل لجنة تتولى متابعة الملف وتحضير تقارير دورية عن البراميل الخام المستخدمة في التعبئة.
– التوصل الى اتفاق بين مصنّعي الكبيس ومصنّعي البراميل حول السعر المناسب.
– نتيجة الكشف المشترك، سيصار الى تلف البراميل غير الصالحة للتعبئة، كما تلف محتوياتها، وسيتم الكشف بصورة دورية.
– يمنع استخدام البراميل المعاد تدويرها داخل المصانع الغذائية.
– عدم الممانعة على وضع البراميل المعبأة بالكبيس والمخللات في الشمس، شرط أن لا تكون البراميل بيضاء اللون.
– سحب البراميل Food grade المخصصة لتعبئة الكبيس بعد مرور خمس سنوات على تصنيعها.
وللمسألة جانب اقتصادي مهم أيضاً، فصناعة المخللات تشكل قيمتها نحو 50 مليون دولار سنوياً، كما أنها أحد أبرز الصناعات التصديرية، إضافة الى كونها تساهم في تحريك العجلة الزراعية، خصوصا مع توسيع مروحة الخضروات التي تستعمل للتخليل. أما عن الضرر الذي يمكن أن يلحق بالصادرات من جراء «الفضيحة» التي كشفت، فلا يتوقع الحاج حسن، في حديثه لـ «السفير» أن يكون التأثير كبيراً، «لأن المصانع المرخّصة وهي قليلة هي التي تصدّر وقد تبين أنها الأكثر التزاماً بالمقاييس والمواصفات الصحية».
(السفير)