العالم يعترف: إيران نووية … ما الدلالات والتداعيات؟ امين محمد حطيط
بعد 12 عاما من التفاوض الشاق المترافق مع مناورات وتهديد لأكثر من مرة بحرب واجتياح عسكري، وفي ظل سلوك دولي عدواني ضد إيران تمثل بفرض العقوبات الظالمة والحصار والتطويق إلى حد كاد أن يشكل عزلا دوليا لها، تمكنت إيران من انتزاع اعتراف دولي بحقها بامتلاك التقنية النووية لاستعمالها لأغراض سلمية، وأن تدخل إلى نادي الدول النووية لتحتل مقعد عضويتها فيه بكفاءة واستحقاق دونما منة من أحد أو مقايضة على مبادئ وقرار مستقل.
ومنذ أن وقع الاتفاق-الإطار لحل سلمي للملف النووي الإيراني، احتل هذا الموضوع وبحق صدارة المشهد العالمي، لما له من أهمية وتداعيات لن تنحصر فيمن توصل إلى التفاهم، بل ستنعكس على العالم باسره بدءا بمنطقة الشرق الأوسط والصراع الدائر فيها منذ عقود والذي انفجر منذ أربع سنوات حريقا في بلاد العرب يلتهم الأخضر واليابس نؤججه بشكل مباشر أموال العرب وتدخلات الأجانب من إقليميين ودوليين.
وعودة إلى أساس المشكلة و الاتفاق، فان الغرب ادعى انه يلاحق ايران في سعيها النووي لمنعها من امتلاك القنبلة الذرية ، و منذ اللحظة الأولى للادعاءات و الافتراءات الغربية كان الأمر واضحا بان الحقيقة في مكان و مواقف الغرب في مكان يعاكسه ، فالغرب لاحق ايران مدفوعا بسياسة اعتمدت من قبل نادي المنتصرين في الحرب العالمية الثانية ، سياسة تقوم على حرمان غير أعضاء النادي ذاك من امتلاك القوة الفاعلة و المؤثرة التي تمكن صاحبها من حماية قراره المستقل و سيادته بعيدا عن الإلحاق و الاستتباع و الاستعمار المقنع الذي يفرض عليه بخاصة من دول الغرب الاستعماري .
وإضافة إلى هذه الاستراتيجية تمت الملاحقة لسبب جوهري اهم متصل بموقف إيران من إسرائيل ونظرتها اليها على أنها غدة سرطانية واجبة الاقتلاع، وهي النظرة التي ترجمتها إيران دعما للمقاومة التي تقارع إسرائيل وأرست بها مع سورية دعائم محور المقاومة الذي اتخذ من القضية الفلسطينية والحقوق المغتصبة قضية مركزية لعمله.
على هذا قوتلت إيران وحوصرت وكذبا كان الغرب يدعي انه يحاصر إيران ويعاقبها لمنعها من تصنيع القنبلة النووية لأنه كان على يقين أن إيران لا تسعى إلى هذا السلاح لسببين، شرعي أخلاقي عبر عنه الأمام الخامنئي قائد الدولة بفتواه التي حرمت تصنيع وامتلاك واستعمال القنبلة تلك، وعملاني عسكري يتعلق بامتلاك أعدائها وخصومها الاف الرؤوس النووية التي تجعل من أي مواجهة نووية في غير صالح إيران بشكل حتمي.
والآن وقد تم التفاهم على إطار-اتفاق يوقع قبل اخر حزيران المقبل فماذا عنه وعن دلالاته وتداعياته؟
قد يقول قائل بان إيران تنازلت عن الكثير في المجال النووي واكتفت بالفتات، ولكن دراسة علمية وموضوعية تقود إلى القول بان إيران أكدت واعترف العالم بحقها بامتلاك التقنية النووية وتطويرها بالقدر الكافي للاستعمال السلمي الذي تريد، اعتراف ترافق مع رفع العقوبات كلها، كان ذلك مقابل تعهد إيراني بعدم تصنيع القنبلة النووية التي لم تكن تسعى أصلا إلى صنعها وقبول بتحقق دولي من الالتزام هذا وهو ما كانت سمحت به منذ توقيعها على البروتوكول الإضافي لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النوبية. أي أن إيران انتزعت حقا، والغرب اطمأن إلى أن تخوفه الوهمي المدعى لن يتحقق فكانت مبادلة بين حق لإيران ووهم الغرب.
أما عن الدلالات وهي الأهم برأينا فأننا نجد أن الاتفاق أكد على أربعة أمور بالغة الأهمية كالتالي:
1) انتصار تاريخي لإيران في مواجهة طويلة أكدت خلالها فشل منظومة العقوبات الغربي لإخضاعها، وارتفاع كلفة المواجهة العسكرية معها لأنها امتلكت القوة الدفاعية الناجعة، واضطر الغرب مرغما إلى التفاوض للحل لان ليس أمامه بديل اخر مضمون النتائج.
2) دخلت إيران النادي النووي بقوتها وانتزعت حقا بامتلاك التقنية دون أن تتنازل عن أي حق ذاتي أو إقليمي أو تحالفي، مؤكدة على سيادتها وقرارها المستقل دونما مقايضة باي امر اخر.
3) كسرت إيران احتكار الكبار للتقنية النووية وقدمت نموذجا للدول الصاعدة بان بإمكانها الارتقاء إلى مصاف الدول النووية بالاتكال على الذات دونما تبعية أو التحاق بأحد وفي ذلك أول هزة كبيرة لسياسة احتكار القوة من قبل نادي منتصري الحرب الثانية.
4) حافظت إيران على مبادئ سياستها الخارجية وأفشلت سياسة الحصار والضغط لحملها على الاعتراف لإسرائيل بما يسميه العدو “حق إسرائيل بالوجود” متمسكة برفض وجود إسرائيل في ارض فلسطين اغتصابا وهذا ما وصفه السناتور الأميركي ماكين بانه كارثة، لان كل الخطط والضغوط لحمل إيران على التراجع فشلت.
ولهذا نرى انه سيكون للاتفاق تداعيات بالغة الأهمية ليس اقلها:
1) تصعيد للمواجهة في المنطقة خلال الأشهر الثلاثة المقبلة على أكثر من اتجاه في الميدان والسياسة من اجل تحسين المواقع التفاوضية للأطراف أثناء صياغة الاتفاق النهائي وترجمة المبادئ الواردة في التفاهم إلى بنود تحدد الحقوق والموجبات بدقة.
2) سباق محموم تشهده الساحة الدولية في عنوانين ا يتعلق الأول بالاتفاق ذاته حيث سيسعى المتضررون وفي طليعتهم إسرائيل لوقفه أو تعطيله، والثاني لجهة عودة الغرب إلى إيران عبر المسالك الاقتصادية والاستثمارية. .
3) التحضير لمعالجة ملفات المنطقة خاصة في كل من العراق وسورية والبحرين ولبنان أيضا، حيث لمحور المقاومة وجود وحركة وفضاء استراتيجي، وسيكون هذا المحور مع إيران النووية المتحررة من العقوبات أكثر رشاقة وفعالية في إدارة هذه الملفات.
4) إعادة رسم العلاقات والتحالفات في المنطقة خاصة على صعيد الدول الإقليمية والعربية التي شعرت بخسارة استراتيجية التي ستسعى إلى تعويض خسائرها واحتواء الاندفاعة الإيرانية.
وبالتالي فان المنطقة ستكون في عصر جديد تتواجه فيه وفقا لقواعد جديدة “عاصفة الحق” التي يقودها محور المقاومة ذو المشروع الاستقلالي التحرري و”عاصفة العدوان “التي يحركها أرباب المشروع الاستعماري واتباعهم مع ارجحيه للأولى الواثقة بالانتصار المؤكد.