الوزيرة والفضيحة: سمدار بيري
هذه إحدى القضايا الغضة، ودرس في العلاقات الخارجية بين دولتين تفصل بينهما هوة عميقة. القضية، التي حظيت ليس عن طريق الصدفة، بتغطية إعلامية على مستوى منخفض، غلفت بداخلها بساط العلاقة بين الشرق والغرب، مسائل الاحترام والكرامة امام مصالح اقتصادية، والتي تتأرجح ما بينهما وزيرة خارجية تحارب على حساب مجتمع الاعمال. فاكثر من مليار دولار تقريبا القيت في سلة الازمة، والتي انتهت في نهاية الامر بمكالمة هاتفية قصيرة.
فقد رفع الملك كارل غوستاف السادس في استكهولم السماعة وهاتف الملك سلمان ملك السعودية واعتذر عن «سوء الفهم»، الذي لحق التعاون التجاري ـ الامني «المهم» و»العميق» وتعهد بانه لن تكون هناك اي تدخلات في الشؤون الداخلية للمملكة التي تتمتع بسمعة حسنة «كحامية للإسلام الصحيح». هذا يدلل ان الدرس تم استيعابه، وان احدا في السويد سوف لن يتدخل مستقبلا بالامور الحساسة حول حرية التعبير ومكانة المرأة الصارخ في العربية السعودية. وهكذا بعد 16 يوما من الغياب المدوي، عاد السفير السعودي إلى السويد.
تسلسل الامور بدأ في الدعوة التي تلقتها وزيرة خارجية السويد، مارغريتا وولستروم، لالقاء كلمة في اجتماع للجامعة العربية في القاهرة. فبعد ان وصلت إلى مصر، غردت على تويتر عما تريد ان تتحدث عنه، والمحت دون الاشارة إلى اسم دولة معينة، إلى العقوبة المقلقة التي تلقاها المدون (السعودي) الذي تجرأ بالمناداة لاجراء الاصلاحات في بلده، لكي ينتهي به الامر إلى السجن لمدة 7 سنوات وجلده الف جلدة. ووعدت الوزيرة ان تتضمن كلمتها التمييز الذي تعاني منه النساء في الدولة والتي يمنع عليهن فيها الخروج من البيت بدون اذن وجميع حياتهم يمليها عليهن «الراعي» المرافق.
وردت المملكة السعودية كمن ضبط متلبسا وقطعة من الزبدة على رأسه في يوم حار. وتم إلغاء كلمة الوزيرة السويدية، وتم استدعاء السفير السعودي من استكهولم «للتشاور» إلى الرياض. وفورا بعد ذلك اعادت دولة الامارات النفطية سفيرها من السويد إلى البيت. ولكن وولستروم اصرت: عندما تدوس دولة حقوق الانسان وتمارس التمييز ضد النساء، من الافضل ان يتم إلغاء اتفاقيات التصدير الامنية معها. حيث تحتل السويد الصغيرة المركز 12 في قائمة الدول في بيع المنتجات الامنية في العالم. وكانت قبل عقد من الزمن قد وقعت اتفاقا لتصدير هذه المنتجات مع العربية السعودية بمعدل ثابت قدره 1.3 مليار دولار في السنة.
واستمرت القضية بالتدحرج: فقد اعلنت العربية السعودية عن إلغاء تأشيرات دخول لرجال اعمال سوديديين اليها. وليس فقط التصدير الامني، بل جميع انواع البضائع في سلسلة المبيعات. وبعدها لحقت الكويت ودولة الامارات. وتابعت مصر الامر بقلق، وقررت التدخل. فاستدعت السفير السويدي في القاهرة، واوضحت له انه يتوجب التهدئة فورا وان المبادرة في ذلك يجب ان تأتي من استكهولم، التي «بدأت هذا الامر غير الضروري». وقام حوالي 30 من رجال الاعمال في المجالات الامنية والتجارية بإرسال كتاب غاضب للملك السويدي. جاء فيه ان السعودية بامكانها ان ترتب امورها بدوننا، ولكن نحن لا نستطيع ذلك بدون المليارات القادمة الينا من الدول العربية الغنية.
لم تحظ القضية بأي اهتمام عشية «عاصفة الحزم» في اليمن، حيث تقود السعودية الحرب ضد حلفاء إيران الذين يهددون بإجتياح اراضيها. وهكذا، تكون الوزيرة التي صممت على قول الحقيقة في وجه الدولة الظلامية، قد تلقتها من جميع الاتجاهات. فالسويد لن تلعب بعد الان بلعبة الديموقراطية الخطرة في العالم العربي.
ليس هناك مثل الشماتة، فالقدس لم تخف سرورها عما حدث في السويد. فقبل سبعة اشهر اعادت اسرائيل سفيرها من السويد، وان تلقين السفير السويدي في اسرائيل توبيخا دبلوماسيا عنيفا بعد ان اعلنت السويد اعلانها الرسمي، وكانت الاولى في اوروبا، باعترافها بالدولة الفلسطينية.
نتنياهو نعم، نتنياهو لا، فالسويديون الذين يتوددون الآن للعربية السعودية لم يعملوا اي حساب لاسرائيل ولم يعتذروا.
يديعوت احرونوت