عندما تُعقد القمة العربية من دون سورية
ناصر قنديل
– يحار الغيارى على القضية الفلسطينية وعلى العروبة، في إيجاد أوصاف تتناسب مع درجة الانحطاط التي بلغها الوضع العربي الرسمي، مع انعقاد القمة العربية في شرم الشيخ، ويتعب الساعون من دون إيجاد تفسير يتناسب مع هذا المستوى من التدهور، لتُعقد أول قمة عربية تقرّر تشكيل جيش مشترك، وتعلن حرباً مشتركة، ويكون الهدف عربياً آخر، و«إسرائيل» تنعم باغتصابها لفلسطين للسنة الثامنة والستين، بلا تقديم بارقة أمل لسلام يعلق عليه العرب تخاذلهم، واستيطان يبتلع القدس، وقطعان تلاحق سكان البلاد العرب الأصليين.
– فروع تنظيم «القاعدة» تتوسّع وتنمو وتنهش الجسدين العربي والإسلامي مادياً ومعنوياً، وتطوّق السعودية والكويت والإمارات والبحرين ومصر والعراق وسورية والأردن ولبنان والمغرب وليبيا وتونس، وكلّ مكان في بلاد العرب أنين وصراخ من هول وبشاعة القتل، ولا من يقرّر حرباً ولا من يشكل جيشاً، بل يمسكون يد مصر عن الحرب في ليبيا إفساحاً في المجال لتعويم «الإخوان المسلمين»، ويغمزون من العراق، ويبلعون بِريقهم عند ذكر لبنان، ويتآمرون على سورية مع «القاعدة» وفروعها.
– الحكام العرب يعلنون الحرب فقط على فريق يمثل جزءاً عضوياً من شعب اليمن، أصل الأنساب العربية، لم يقم بعملية إرهابية واحدة، ولا توجه إلى عمل خارج بلاده، ولا اعتدى في بلده على سفارة أو سفير، جريمته أنه صاحب مطالب في بلده، أصاب أم اخطأ، فليس هو الخطر على أمن العرب، سهل للحوار لو أرسلوا في طلبه يوفد من يمثله إلى القمة وأداروا معه حواراً، لوصلوا إلى ما يريدون من ضمانات لهواجس يدّعونها، لكن جريمة الحوثيين من الدرجة الأولى، ليست مذهبهم ولا شبهة علاقتهم بإيران، بل كونهم يرفعون شعاراتهم في كلّ مناسبة، الموت لأميركا، الموت لـ«إسرائيل»، ويحيون في كلّ مناسبة اسم وذكر فلسطين، يقولون إنها لا تزال قضيتهم المركزية، ولم يتمكنوا من نسيانها.
– يشكل الحكام العرب حلفاً إقليمياً يضمّ معهم تركيا وباكستان، وشرط العضوية علم «إسرائيلي» يرفرف في العاصمة، وطبعاً تصير إيران مستبعدة، لأنها أزالت يوماً ما هذا العلم واستبدلته بعلم فلسطين، فطبيعي أن تكون هي هدف الحرب من هذا التحالف لأنها ترتكب الخطيئة الكبرى، فمن في هذا الزمن يتذكر فلسطين، أو يريد أن يتذكرها، يجب محو كلّ ما يذكّر بها، كما يفعل جماعة «داعش» بتدمير كلّ ما يذكر بتاريخ المنطقة وحضاراتها لتصير ربعاً خالياً، فليس لدينا كعرب إلا حضارة البرميل والربع الخالي، وطبيعي أن يتذكر المنعقدون في القمة، حزب الله، فهو سبب البلاء، لأنه أعاد التذكير بفلسطين ومعه وصفة سحرية لاستردادها اسمها المقاومة.
– أول نتائج تشكيل الحلف، وبدء الحرب، هجومان شمال وجنوب سورية في بصرى وإدلب، بدفع الآلاف من عناصر «جبهة النصرة» عبر حدود دولتين عضوين في الحلف هما الأردن وتركيا، وقوة الهجوم هي القوة التي كانت ترابط في معسكرات «إسرائيلية»، لتنفيذ مهمة محدّدة هي ربط الحدود الأردنية بالجولان والسيطرة على جنوب سورية كحزام أمن «إسرائيلي» صرّح عنه «الإسرائيليون» علناً، وجاءت عملية مزارع شبعا للمقاومة اللبنانية لتقطع طريق المضيّ بالمشروع، بالتنسيق مع «إسرائيل»، التي ينشر رئيس استخباراتها على صفحات شبكات التواصل وصدر الصحف «الإسرائيلية» صور زيارته للسعودية، حيث التنسيق لنقل وحدات «النصرة» وبدء الحرب على اليمن، والنتيجة أنّ العضوين غير المعلنين في الحلف الجديد هما «إسرائيل» و«القاعدة»، يجب أن نذكّر أنّ «النصرة» هي فرع تنظيم «القاعدة» رسمياً وعلناً وبإعلان وإصرار من «النصرة» و«القاعدة».
– هذه هي القمة العربية وظروفها ومهامها ونخواتها وصحواتها، فهل من سبب يفسّر هذا الانحلال والانهيار والانحطاط؟
– لا يمكن التفسير لهذا المستوى من الانحدار الأخلاقي والقيمي إلا بكونه بنيوياً وتكوينياً وليس ظرفياً وطارئاً.
– يمكن تفسير التوقيت بشيء واحد هو أن وجود سورية في الجامعة العربية وحضورها للقمم العربية، كان وحده يفسّر عدم ظهور هذا الانحطاط والانحلال.
– كانت القمة تحتاج أن تُعقد مرة في غياب الرئيس السوري حتى نتعرّف إلى حقيقة الحكام العرب، فيعقدون لمرة قمة تشبههم.
(البناء)