أسرار الآلهة ثريا عاصي
لا أستطيع أن أواصل مقاربة أوضاع اللاجئين الفلسطينين في لبنان وسوريا دون أن أعرّج باقتضاب شديد، على حرب «عاصفة الحزم» التي تشنها الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وإنكلترا على اليمن، متخفيات بلباس أمراء آل سعود. يقال أن الأمير محمد بن سلمان يقود هذه العاصفة. يحسن التذكير لعل الذكرى تنفع أن الأمير خالد بن سلطان قاد رسميا، جيوش أميركا وفرنسا وإنكلترا في عاصفة الصحراء ضد العراق.
من المرجح أن ما يتراءى في الأفق هي نُذُرُ هجوم عسكري شامل على جبهات اليمن، وسوريا ولبنان. يمكننا أن نقول من باب الإفتراض أن الخصوم، أعني المستعمرين والتابعين لهم، أي عشرة نظمٍ عربية بالإضافة إلى العثمانيين الجدد وباكستان، يعتقدون أن الحكومة الإيرانية وصلت في مفاوضاتها مع الدول الإستعمارية، إلى مرحلة حرجة، لا تملك أثناءها كامل الحرية، فهي بحاجة إلى طي ملف خلافها مع هذه الدول حول الأبحاث في مجال الذرة، أملاً بأن ترفع عنها الأخيرة العقوبات الإقتصادية، وتعيد إليها أموال الإيرانيين المجمدة منذ عهد الشاه والتي تبلغ عشرات المليارات من الدولارات، بحسب وسائل الإعلام.
من البديهي أني لست مطلعة على أسرار الآلهة. أنا مراقبة أحاول أن أفهم وأناقش. ما أود قوله في موضوع اليمن هو أن الفريق الذي تدعمه إيران إنتصر عسكرياً وسياسياً، في إطار منازعة يمنية داخلية على فريق يقف وراءه المستعمرون والدول الخليجية وفي طليعتها مملكة آل سعود. حيث يرفدون هذا الأخير بالسلاح والخبرات بالإضافة إلى المرتزقة وجماعات على شاكلة القاعدة و«داعش». أي بالأسلوب والوسائل التي يستخدمونها في سوريا والعراق ولبنان. من المحتمل في السياق نفسه أن يكون مرد إشتراك الحكومة المصرية في الحرب ضد اليمن إلى الضغوط والتهديدات التي تتعرض لها مصر في سيناء وعبر حدودها مع ليبيا. حيث أنجز فيها حلف الناتو، كما هو معروف، الشروط اللازمة لانتشار واستمرار الفوضى الخلاقة!
مجمل القول أن مصر تأمل أن تحصل مقابل تنكرها لمواقف عبد الناصر من قضية العلاقة بين اليمن والسعوديين، ليس فقط على هدنة مع الجماعات التي تهاجم الجيش المصري، وتضع المتفجرات في المدن المصرية، وإنما على مساعدات مالية أيضا، كمثل تمويل مشروع العاصمة الجديدة وشراء طائرات «رافال» من فرنسا (أو «سوخوي» من روسيا) على سبيل المثال.
بالعودة إلى موضوع مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وسوريا. حيث من الملاحظ أن عدداً منها قد إنمّحى في ظروف يشوبها الغموض. فإن اللافت للنظر أن هذه المخيمات قائمة منذ سنة 1948. بمعنى ان الذين لجأوا صاروا كهولاً أو ماتوا. بمعنى أن سكان المخيم هم أولاد اللاجئين وأحفادهم. بناء عليه يحق لنا أن نتساءل عن الآفاق المستقبلية لهذه الكتل البشرية. يقال أنهم ثمانون ألفا في مخيم عين الحلوة، في مدينة صيدا بوابة جنوب لبنان. ماذا تعرف هذه الاجيال الشابة في المخيمات عن فلسطين، بعد أن سكت القدماء؟ هل الهوية كمثل النسب إلى القبيلة أم أنها تولد وتنمو وتتكامل من خلال التفاعل بين المرء وبين الناس والمكان؟
ما هي هوية الشاب الفلسطيني الذي ولد في مخيم في صيدا؟ لا أعتقد أن المطلوب منه أن يجد بمفرده حلاً للخروج من الوضع المأزوم الذي يتخبط فيه. هذا الحل مطلوب من المجتمع، من البيئة التي نشأ فيها هذا الشاب. لا ينطبق هذا المعطى على الشاب الفلسطيني في المخيم وحسب، ولكن يتوجب الأخذ به أيضاً في التصدي لمعالجة المعضلات الإجتماعية التي تركت ملايين الناس في بلادنا على حافة الطريق، إلى حد أنهم صاروا غرباء فيها، يشعرون بالألم أمام الذين أعمتهم السلطة أو مكرمات أمراء النفط فعربدوا وتجبروا.
ليس منطقيا أن يبقى الفلسطيني لاجئاً إلى الأبد، لأن المستعمرين الإسرائيليين إغتصبوا أرض جده وطردوا هذا الأخير. من البديهي أن الأعداء وعملاءهم يعرفون جيداً أن الحلول الحقيقية، الفعالة، هي حلول جمعية. أعتقد أن كثيرين في المخيمات وفي المجتمع السوري واللبناني خارج المخيم، لا يعيرون هذه المسألة الإهتمام الذي تستحقه. فكان طبيعيا أن يطرح المستعمرون الإسرائيليون وحلفاؤهم وأعوانهم حلولاً غير ملائمة للمشكلات الإجتماعية. من البديهي أن الأخيرين جميعا حققوا نجاحات كبيرة، لا مفر من الإعتراف بها. فلقد إستهوانا أمرء النفط بأموالهم. وما زاد الطين بلة هي بلوانا بحكام مستهترين.
هذا مختصر السيرورة التي أوصلتنا إلى المأزق الذي نحن فيه. «عاصفة الحزم». يقولون اليوم أنهم يدافعون عن مكة. كانت الحرب على إيران ما بعد الشاه هي نقطة الإنطلاق. قالوا آنذاك أن العروبة في خطر. ثم هبت «عاصفة الصحراء» على العراق. تنكر للأخير جميع الذين ساعدوه وأيدوه في الحرب ضد إيران وأداروا ظهرهم للعروبة !.
نحن نعرف، أيها «الحازمون»، ان اليمن عائم على بحيرة من النفط. لعل هذا من العوامل التي جعلت السفن الحربية الأميركية والفرنسية والبريطانية ترابط في بحر العرب، قُبالة الساحل اليمني. لا يخفى علينا أن علاقاتكم بإيران هي منذ سقوط الشاه، بالضد من علاقة الأخيرة بالولايات المتحدة الأميركية وبدولة المستعمرين الإسرائيلين.
إن مصيبتنا كما ذكرت أعلاه، هي حكامنا «المهابيل» الذي ظنوا أن حفيد اللاجئ في المخيم هو لاجئ بالوراثة وأنه سيبقى لاجئا طيلة حياته، والذين استهتروا بالخطورة التي يمثلها على المجتمع وعلى البلاد، تزايد أعداد المنبوذين والعاطلين عن العمل والذين لم يستفيدوا من إعداد مدرسي، تربوي ومهني.
لقد وجد جميع الذين يريدون السوء بنا، تربة ملائمة، فروّجوا حلولا غلط، وهمية لمشكلات إجتماعية تعاظم أثرها إلى حد لم يعد مقبولا. إستنادا إليه ليس مستبعدا أن تصل «عاصفة الحزم» إلى سوريا ولبنان. أعتقد أن الإستشعار باقترابها يقوى بموازة الحديث عن أن الوصول إلى اتفاق على الملفات بين إيران والقوى الأمبريالية الغربية صار وشيكاً.
مجمل القول وخلاصته أن المسؤولية الوطنية تقتضي أن يسلك الأفرقاء الوطنيون نهجا غايته رأب التصدع الذي أصاب الجماعة الوطنية. فلا حلول للأزمات الإجتماعية ولا إمكانية لمواجهة العدوان وحسم الصراع معه لصالح الوطن، إلا في إطار إعادة تركيب أجزاء المجتمع على أسس سليمة. قد يتطلب ذلك كشف أعوان الأعداء والعمل على تعطيل قدراتهم على الأذى!
(الديار)