نصرالله يرفع «بطاقة حمراء» لدرء الفتنة .. هل استهداف الشيعة في سوريا صدفة؟ ابراهيم ناصرالدين
الطائرات السعودية تغير على مواقع انصار الله في اليمن، «وعين» القيادة السعودية على لوزان على امل ان تصل ارتدادات «عاصفة الحزم» الى داخل الغرف المغلقة هناك، فيتم نسف التسوية، او بالحد الادنى تأجيلها حتى تتمكن القيادة الجديدة من ترتيب اوراقها وتحالفاتها في المنطقة. طبعا هذه الدوافع السعودية ليست خافية على احد، لكن دخولها «المتسرع» مع هذا التحالف «ذي الوجه» العربي السني دون انتظار «تلوينة» دولية تنزع هذه الصفة «القبيحة» لهذه الحرب، اماط اللثام عن «كذبة» الصراع على النفوذ او الدفاع عن المصالح الاقتصادية والسياسية لدول للخليج، لتجد السعودية نفسها هذه المرة في «العراء» امام معركة مذهبية مفضوحة عنوانها تحجيم نفوذ الشيعة في المنطقة، وهذه المرة دون قفازات او «مساحيق تجميل»، وهذه المرة لا تقتصر الجبهة على اليمن بل حفلت الايام الماضية بالكثير من المقدمات التي تؤشر الى ان السعوديين قد دخلوا في مغامرة مفتوحة على كل «الجبهات»، هذا ما دفع الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الى توجيه «رسالة قاسية» للسعوديين، وهذا ايضا ما يفسر ايضا «تريث» رئيس مجلس النواب نبيه بري في التعليق على الحدث اليمني.
اوساط بارزة في 8 آذار تشير الى ان مسارعة الرئيس سعد الحريري الى تأييد الضربات العسكرية السعودية في اليمن «ازعجت» الرئيس بري الذي كان يأمل في بلورة موقف متوازن مع الاحداث هناك لمعرفته العميقة للخلفيات التي تدار من خلالها هذه المواجهة وهو لا يريد زيادة التوتر السني- الشيعي في المنطقة، ولا يريد انعكاسات سلبية على لبنان، واذا كان بري يمارس سياسة «التريث» حيال حساسية الخطوة التي لجأت اليها السعودية وحلفاؤها في انتظار قراءة اطول لمسار التطورات، فان السيد نصرالله لديه موقع مختلف، لا يحتمل معه التأجيل او التأويل، فكان لا بد من موقف شديد «اللهجة» يحمل من خلال موقعه في العالمين العربي والاسلامي «رسالة» تحذير هي كـ «بطاقة حمراء» للسياسة السعودية التي ادخلت المنطقة في اتون حرب مذهبية ستحرق «الاخضر واليابس» اذا لم تتراجع «خطوة» الى الوراء.
وبحسب اوساط ديبلوماسية في بيروت فان الممارسات السعودية لم تبدأ اليوم فهي من ادار الحرب العراقية – الايرانية، وهي «تخنق» منذ سنوات شيعة المنطقة الشرقية، و«اجهضت» بالقوة حقوق الشيعة المهدورة في البحرين، وتتواطأ مع دول الخليج على ابعاد مواطنين لبنانيين فقط لانهم شيعة، واليوم تهاجم انصار الله على خلفية مذهبية، لكن ما لم يقاربه السيد نصرالله في كلمته تتحدث عنه الوقائع الميدانية السورية، ففي تزامن يحمل دلالات واضحة على نيات الدول الاقليمية الراعية للمسلحين في سوريا، تركزت الهجمات الاخيرة «لجبهة النصرة» ومن معها من مجموعات مسلحة لها ارتباطات مباشرة بالاستخبارات التركية والسعودية والتركية على مناطق يسكنها سوريون شيعة، فبعد ان كانت «تفاهمات» اقليمية ضمنية نجحت في تحييد هذه المناطق عن اتون الحرب الدائرة في سوريا على خلفية عدم تحفيز البعد المذهبي للصراع، استهدفت هجمات المسلحين مدينة بصرى الشام في محافظة درعا وهي آخر بلدة تسكنها اغلبية شيعية في ريف درعا الشرقي، اما الهجوم على مدينة ادلب والسيطرة عليها فقد اديا عمليا الى قطع خطوط الامداد منها الى قريتي الفوعة وكفريا اللتين تسكنهما اغلبية شيعية، وهناك تهديدات باقتحامهما، وبالتزامن تم تنسيق هجوم كبير من قبل المسلحين في داريا في ريف دمشق الجنوبي حيث يوجد مقام السيدة سكينة، وهناك معلومات استخباراتية تفيد بوجود توجيهات حاسمة من قبل الرعاة الاقليميين للمجموعات المسلحة وخصوصا «جبهة النصرة» بضرورة اسقاط بلدتي نبل والزهراء في ريف حلب الشرقي. فهل كل هذه الاحداث مجرد مصادفات؟
طبعا لا، فما يحصل على «الجبهة السورية» لم يكن فقط المؤشر الوحيد على الحرب «المذهبية» التي تخوضها السعودية، والحدود اللبنانية مرشحة ايضا للدخول في «المعمعة»، والرياض لا تسمح لاي من حلفائها بأي هامش في حربها، فالعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني تلقى قبل ايام اتصالا هاتفيا من نظيره السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز ..كان ذلك عمليا الاتصال الهاتفي الأول بينهما بعد فترة «برود» وتساؤل أحاطت بالعلاقة الثنائية منذ تسلم الملك سلمان مقاليد الأمور، اما فحوى الاتصال تقول الاوساط الديبلوماسية فكان تبديد «الهواجس» السعودية حيال زيارة وزير الخارجية الاردني ناصر جودة الى طهران والتي اثارت «غضب» القيادة السعودية، فجاءت مشاركة الاردن في الحرب على اليمن كـ «العودة الى «بيت الطاعة»، وقد نجحت الرياض في «تخريب» محاولة الاردن الانفتاح على ايران وعلى الشيعة في لبنان، فبعد زيارة وزير الخارجية الاردني الى طهران ولقائه الرئيس حسن روحاني، بدأت عمان تدخل على خط التواصل مع شخصيات شيعية في لبنان والعراق وانتعش رجال الأعمال العراقيون من الطائفة الشيعية في الأردن. طبعا هذا الانفتاح الاردني «استفز» السعوديين، فتدخلوا بقوة لمنع عمان من التمادي في الانفتاح على الشيعة في المنطقة، فجاءت مشاركة الأردن عسكريا في الحملة ضد النفوذ الإيراني في اليمن لتقطع الطريق على هذا التحول «المصلحي» للقيادة الاردنية.
هذا القلق الاردني والخوف من فقدان الدور، والذي دفع بالملك عبدالله الى الارتماء مجددا في «حضن» السعودية ينطبق ايضا على الرئيس سعد الحريري، فموقفه المتسرع لم يكن جزءا من الاصطفاف التبعي وراء اي قرار تتخذه المملكة، فهذا الامر بدهي، لكن مسارعته الى «المبايعة» دون التريث في وضع موقفه في «الميزان» ومقاربته من زاوية ارتداداته السلبية على الواقع اللبناني «الهش»، له دوافع شخصية تتعلق بشعور ضمني بأن موقعه لدى القيادة السعودية قد تغير، وبأن ثمة من يريد تهميش دوره وهو «يصارع» بعض مراكز القوى داخل المملكة التي لا ترى فيه الشخصية القادرة على مواكبة المرحلة الجديدة، ولذلك عمد النافذون المؤيدون له الى «تلميع» صورته من خلال اسناده مهمات غير ذات معنى في بعدها السياسي كزيارته الى مصر ولقائه الرئيس عبدالفتاح السيسي، ومهمات «جس نبض» ذات ابعاد اقتصادية لترطيب العلاقات مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، وهي مهمات «مبتكرة» من قبل تيار الخارجية السعودية لاقناع مراكز القوى الاخرى التي يتقدمها وزير الداخلية محمد بن نايف بأن للحريري ادواراً «مفيدة» يمكن ان يقوم بها، اضافة الى طموحه الشخصي للوصول إلى رئاسة الحكومة اللبنانية «بأي ثمن»، وطموحاته الاقتصادية داخل المملكة مع بروز منافسين لبنانيين كثر لموقعه السابق في «الكعكة» الاقتصادية التي تضررت بتغيير «الحاشية» التي كانت تحيط بالملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز، ولذلك يصارع الحريري على اكثر من «جبهة» لتثبيت موقعه الشخصي داخل المملكة اولا، ولتحييد اي منافس جدي له في «المستقبل» عندما «تفتح» ابواب التسويات، ولذلك لا شيء يمنعه من خوض هذه «المعركة» حتى لو كانت تداعياتها المذهبية كبيرة على الواقع اللبناني «الهش»، وتبقى الخشية الحقيقية من «انقلاب» موقف الحريري على الحوار مع حزب الله في «ساعة تخل» سعودية مبنية على «حسابات خاطئة» «لتأديب» حزب الله على مواقف امينه العام السيد حسن نصرالله ازاء العدوان السعودي على اليمن، فهذا «السيناريو» لم يعد مستبعدا في ظل «حفلة الجنون» الدائرة في المنطقة خصوصا ان «فائض القوة» الذي بدا يشعر به البعض في الداخل والخارج بعد ان اكتشفوا ان للملكة «انياب»، قد يدفع الى «مغامرات» غير محسوبة ربطا بنتائج الحرب المفتوحة على النفوذ الايراني في اليمن وفي غيرها من دول المنطقة. هذا ما يفسر «تريث» بري، وتحذيرات السيد نصرالله، بانتطار رد فعل ايران «العملي» مع تبلور النيات الغربية من الاتفاق النووي.
(الديار)