مغامرة سعودية خطرة
غالب قنديل
القرار السعودي بشن عدوان على اليمن وتغطيته عبر تنظيم حلف واجهة تحت الرعاية الأميركية يمثل مغامرة غير محسوبة وهي تنطوي على مخاطر كبرى من حيث النتائج سواء ظلت في إطار الحملات الجوية ام توسعت لتشمل الزج بقوات سعودية او حليفة عبر الحدود اليمنية البرية والبحرية.
اولا قرار العدوان على اليمن جاء تعبيرا عن تفاقم العجز السعودي عن التكيف مع التحولات الجارية في المنطقة ويعبر عن حالة فقدان التوازن في صنع القرار السعودي نتيجة ذعر متراكم من فقدان الدور الإقليمي ومن انتهاء عهد الحديقة الخلفية في اليمن وهو قرار سواء كان مخططا له منذ فترة بعيدة كسيناريو احتياطي أم نفذ على عجل يبقى مغامرة خطرة تفتح أبواب احتمالات في غاية السوء والسلبية من حيث انعكاسها على المملكة السعودية وعلى منطقة الخليج برمتها بل وعلى المنطقة العربية .
المعضلة السعودية التي تؤسس لتهور مستمر وذعر من التحولات هي عدم قدرة الرياض على تفهم حقيقة التغييرات السياسية الجارية من حولها وتبني رد واحد على جميع الأسئلة الاستراتيجية والتحديات الإقليمية يعبر عنه بمعزوفة النفوذ الإيراني والتغلغل الإيراني دون السؤال عن سر ذلك النفوذ المزعوم وذلك التغلغل المشكو منه وليس في الأمر إعجاز او لغز عصي على الحل فمن يدرس السلوك الإيراني يجد ان طهران تحتضن قضية فلسطين وحركات المقاومة منذ إسقاط نظام الشاه وقيام الجمهورية وهو ما أكسبها مشروعية أكيدة خلال العقود الماضية بينما تصدرت المملكة الجهود الرامية للاعتراف بإسرائيل وقادت جميع المحاولات الأميركية لتطويع المنطقة وإرغامها على الخضوع لهيمنة إسرائيل عبر التنازلات العربية وهي ناصبت العداء لحلف المقاومة الذي قاتل إسرائيل وكسر هيبتها منذ العام 2000 .
ثانيا يتصدر التحدي الإرهابي المخاطر الراهنة في البلاد العربية وبينما تترجم إيران موقفها الداعم لمكافحة الإرهاب بالتزامات عملية وعلى الأرض وتقدم المساندة العملية للقوى الجادة في درء خطر التكفير الإرهابي الوجودي فإن الممكلة السعودية متورطة بدعم الإرهاب منذ تأسيس فصائل القاعدة بالشراكة مع الأميركيين في الثمانينيات من القرن الماضي وهي منذ انطلاق العدوان على سورية تمثل السند والحاضن لعصابات الإرهاب والمرتزقة التي تضرب المنطقة بإجرامها.
سمت المملكة زحف داعش على الموصل ونينوى ثورة شعبية وسعت لتثميرها سياسيا داخل العراق ولم تبدل لغتها إلا بطلب اميركي ولده خطر الارتداد الداعشي وخروجه عن السيطرة وما يثبت ان مزاعم التشيع واهية في تفسير التغلغل الإيراني المزعوم هو دعم طهران للمقاومة الفلسطينية ومساندتها مؤخرا لأكراد العراق المصرح عنها بلسان زعيمهم الأبرز والصديق الأقرب لواشنطن مسعود البرزاني الذي قال إنه لولا الدعم الإيراني لما تمكنت قوات البيشمركة من صد تقدم داعش نحو أربيل بينما كانت وسائل إعلام المملكة تهلل للثورة المزعومة.
ثالثا حالة الصدمة في الرياض تتجدد في جميع ساحات الاشتباك امام انهيار القوى التي تدعمها السلطات السعودية وتقدم لها الأموال وتجند في خدمتها إمبراطورياتها الإعلامية وتصنع لها مشروعية سياسية افتراضية ثم تجدها غارقة في خسائر متلاحقة وهذا ما حصل في المسار اليمني خلال السنوات الأخيرة ولم يخضع على ما يبدو للدرس العميق وللتحليل في دوائر القرار السعودية عندما اضمحلت أو انقلبت القوى التي شكلت مرتكزا للهيمنة السعودية في اليمن طيلة العقود الماضية.
تحول الرئيس علي عبد الله صالح بعد التخلي عنه ومحاولة قتله ومن ثم عزله وانهار نفوذ آل الأحمر وفشل حكم الأخوان تحت عباءة المبادرة الخليجية وأخيرا سقط مشروع التقسيم بعد هروب منصور هادي إلى عدن وكل ذلك جرى بفضل ديناميكية يمنية داخلية ناتجة عن نهوض حركة شعبية يمنية استقلالية لم تعادي المملكة بل عرضت عليها علاقة الأخوة والجوار والشراكة والتعاون في مكافحة الإرهاب التكفيري الذي ترعرع في حضن معاهد الوهابية السعودية وحظي بالمال القطري والسعودي.
رابعا لا يفيد في مواجهة التحولات اليمنية الهادرة التي تصدم المملكة إشهار التحريض الطائفي الذي رافق المغامرة فاليمنيون يعرفون حقيقة ان بلادهم لم تشهد أي احتكاك مذهبي طيلة قرون وهم يعيشون في ظل استقطاب واسع تشارك فيه قوى التغيير الاجتماعي الساعية إلى استقلال اليمن وتقدمه وتنميته بعيدا عن هيمنة آل سعود التقليدية في بلادهم وإلى جانب حركة انصار الله تقف القوى الحية اليمنية ونخب من مختلف التيارات العقائدية والمشارب السياسية في بلد شهدت حياته السياسية غنى وتعددا على مر العقود الماضية وهو ما يصعب فهمه في المملكة وتبدو خطط إثارة الفتن بين اليمنيين صعبة وبعيدة المنال ولا تمثل المخرج الواقعي من مأزق تمرد الشعب اليمني على وصاية خارجية لازمت تاريخ بلاده المعاصر وحيث يولد الانتقال إلى العدوان تعزيزا لإرادة الاستقلال اليمنية التي يصعب كسرها بالغزو الجوي ولا حتى بالغزو البري الذي تتربص به مقاومة ضارية وشديدة جربتها المملكة غير مرة وانهزمت امامها.
خامسا أظهر الشعب اليمني رفضا للعدوان السعودي الأميركي ومن الواضح ان القيادة اليمينة متحسبة وتعد باعصاب باردة لمواجهة طويلة الأمد إذا اقتضى الأمر ولديها اوراق وخيارات كثيرة في جعبتها وما أعلنه أمس السيد عبد الملك الحوثي عن خطة التعبئة والمواجهة في التصدي للعدوان يعبر عن إرادة مقاومة وصمود ستجعل التورط السعودي في اليمن مستنقعا وبؤرة استنزاف تختلف عن جميع الساحات حيث يدور التورط السعودي عن بعد في إشعال حروب فاشلة تمولها المملكة بواسطة الإرهاب التكفيري ضد سورية والعراق او يرعاها شريكاها القطري والتركي في ليبيا فهي اختارت ان تنزل مباشرة وان تقود العدوان بنفسها واشترت قرار حلفاء ملتبسين جميعهم مثخنون بأزمات لا تحلها المليارات السعودية فالمفارقة اللافتة ان ينبري البشير من السودان الممزق وباكستان العاجزة عن وقف إرهاب طالبان والسيسي الذي يواجه التحدي الإرهابي والأخواني في داخل مصر وفي ليبيا وهو يقدم له الحماية في اليمن عبر استهداف الجيش اليمني والحركة الشعبية اليمينة المقاومة.
اليمن سيكون مستنقعا داميا والورطة السعودية سوف تطول إذا تمادى العدوان وما لم تتراجع المملكة عن مغامرتها غير المحسوبة فهي ذاهبة إلى حريق سيشعل اطراف الثوب وربما يرتد عليها بمخاطر كثيرة.