ما هي تداعيات التدخل العسكري السعودي في اليمن على الساحة اللبنانيّة؟ ابراهيم ناصرالدين
كان لافتا مسارعة الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط الى تاييد العملية العسكرية السعودية في اليمن، واذا كان الحريري لا يملك ترف التريث في «التصفيق» للخطوة السعودية فان «هرولة» «البيك» لتسجيل رقم قياسي في التأييد غير مفهوم، انطلاقا من حمله «راية» حماية الدروز من اتون الصراع «السني الشيعي» في المنطقة، فهل هكذا يمكن حمايتهم من خلال مواقف لا تقدم ولا تؤخر عمليا، وانما تزيد الخشية من تداعيات سياسية خطيرة قد يدفعها عندما يأتي «يوم الحساب»؟ ويبقى السؤال الاهم عما اذا كان «فائض القوة» التي شعربها الحريري وجنبلاط يمكن صرفها في لبنان او على الساحة السورية؟ ولماذا اصلا يشعران بهذه «النشوة»؟
اوساط بارزة في 8آذار ترى ان المسارعة في اطلاق هذه المواقف «الاحتفالية» تتوازى في السوء مع الخطأ السعودي في التورط عسكريًا في اليمن، فتلك حرب استنزاف ستطول ولا تزال في بداياتها، في المبدأ لا تريد السعودية التورط في حرب مفتوحة هناك وهي تسعى الى تعطيل سلاح الجو الحوثي بضرب القواعد الجوية، ومساندة رجال الرئيس عبد ربه منصور هادي في المواجهات عبر تقديم التغطية الجوية لمنع سيطرة انصار الله على عدن والمنفذ البحري الاستراتيجي في باب المندب، وهي تريد ان تكون هذه العملية «جراحية ودقيقة»، وتنتهي وبأسرع وقت، ولكن من قال ان من يبدأ الحرب يملك القدرة على انهائها كما خطط لها؟ ومن يستطيع السيطرة على المعطيات التي تتغير وبسرعة على الارض، فتقييم المخاطر والنتائج يختلف تمامًا بين حلفاء الرياض وخصومها، فالهجوم العسكري السعودي على الاراضي اليمنية سيكون له ما قبله وما بعده، والدخول المباشر في هذه المواجهة العسكرية ليست تعبيرا عن موقف قوة، وانما عن «ضيق» كبير تشعر به المملكة بعد ان سقطت «حديقتها الخلفية» بيد ايران عبر «انصار الله»، واليوم الرياض تورطت في «مستنقع» لن تخرج منه بسهولة، وحملة «التصفيق» من حلفائها في لبنان متسرعة بعض الشيء، ولا تعبر ابدا عن حكمة او اتعاظ من الاحداث التاريخية في المنطقة.
اما الانعكسات اللبنانية المباشرة، تضيف الاوساط فلا يبدو ان مسار الاحداث سيؤدي الى خروج الاوضاع عن «الستاتيكو» الراهن، رغم ان التصعيد السعودي تجاه حزب الله قد شهد منحى تصعيديا من خلال المسعى السعودي لاصدار قرار في مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة يدين «الحزب لمشاركته في الحرب السورية، وكل المؤشرات قبل انطلاق الحرب على اليمن، كانت تشير الى ان المملكة اتخذت قرارا برفع وتيرة التصعيد لاستعادة التوازن المفقود في المنطقة في ظل احتمال توقيع الاتفاق النووي بين ايران والدول الغربية، وحزب الله كجزء رئيسي في محور المقاومة وضع على راس لائحة الاستهداف في هذه الاستراتيجية السعودية التي اوصدت «الابواب» امام اي تسوية ممكنة على الساحة السورية والعراقية واليمنية، ولذلك لن يكون لبنان استثناء مع فارق جوهري ان القدرات السعودية العملانية على الساحة اللبنانية تسمح لها بالتعطيل ولا تمكنها من تغيير اي وقائع، ولذلك فان ارتفاع وتيرة الشحن على الساحة الداخلية سيزيد تعقيد المشهد وسيرفع من عوامل التوتير، وهذا سيزيد من الضغوط على الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل دون ان يؤدي الى تعطيله، ولكن دون ان يفضي الى نتائج عملية.
وتلفت تلك الاوساط الى ان تمسك حزب الله بالحوار لن يتغير وهو مصلحة استراتيجية له طالما لا يمس بقواعد «اللعبة» الداخلية والاقليمية، اما «تيار المستقبل» فهو يدرك ان حواره مع الحزب هو حاجة للحفاظ على الاستقرار الأمني،
بعد خسارة «التيارالازرق» لكل ادواته «التخريبية»في الداخل، ولم يعد بمقدوره الاضطلاع بالادوار السابقة التي أوكلت اليه للتخريب على الساحة اللبنانية لارباك حزب الله والتضييق عليه، واي مغامرة على المستوى اللبناني ستؤدي هذه المرة الى خسارة السعودية لكامل نفوذها في لبنان، ولذلك فان هذه المخاوف السعودية تمنعهم من اتخاذ قرار بتفجير الساحة اللبنانية.
لكن هذه الاحداث لن تبقى دون ارتدادات في لبنان، وبرأي تلك الاوساط فان اولى الانعكاسات السلبية ستكون اطالة فترة الفراغ الرئاسي، فقرار السعودية الدخول في حرب على اليمن لتغيير الوقائع هناك يعني حكما ان ايران وحلفائها لن يقدموا لها اي تنازلات في ساحات اخرى ومنها لبنان، فقواعد المواجهة قد اختلفت في الوقت الراهن، وسيكون هناك ردود على مختلف ساحات المواجهة، وفي لبنان ستكون اولى التداعيات التمسك بترشيح رئيس «تكتل التغيير والاصلاح» العماد ميشال عون وعدم المساومة عليه، وهذا يعني ان «العناد» السعودي في رفض ترشيحه ستقابل «بعناد» اكبر بالتمسك به، فاما تقتنع القيادة السعودية بان هذا الخيار هو المدخل الجدي للتسوية السياسية في لبنان تحت سقف اتفاق الطائف، اما الاستمرار في تعطيل البلاد لفرض خيارات غير واقعية لا تتناسب مع التوازنات الراهنة فانه سيؤدي حكما اذا ما توسع الحريق في المنطقة، الى الاضرار بالمكتسبات الدستورية التي اكتسبها فريق سياسي وطائفي معين في لحظة تاريخية اصبحت من الماضي، والتطورات المتسارعة في المنطقة تجعل من كافة الاحتمالات ممكنة وواردة.
ويبدو ان واحدة من رهانات الحريري وجنبلاط تتعلق بتكرار تجربة الضربات الجوية في اليمن في سوريا، وثمة حديث في اروقة 14 آذار عن مرحلة ثانية ستقودها تركيا ضمن هذا التحالف الدولي الجديد لتغيير الوقائع الميدانية لاسقاط النظام السوري، في ظل توقعات بتطورات ستؤدي الى تقليص قوة حزب الله مع وجود جهوزية اسرائيلية لتغيير قواعد الاشتبكات في الجولان السوري، وهذا ما يدفع تلك القوى الى عدم الاستعجال في الدخول بصدام مع الحزب راهنا، لان التطورات المقبلة ستكون لصالحهم على المدى المتوسط!.
وبرأي تلك الاوساط فان هذه الاستنتاجات او التوقعات مجرد وهم غير قابلة للتحقق على ارض الواقع، فالتدخل في سوريا يعني حربا اقليمية مباشرة وشاملة، ولن تكون هذه المرة بـ «الوكالة»، ولن يكون محور المقاومة متسامحا مع اي تهديد مباشر قد تتعرض له الدولة السورية، فتجاوز «الخطوط الحمراء» في اليمن لا يزال في بدايته، والردود ستكون مفاجئة هناك، وتملك هذه القوى بنية تحتية هائلة لن تسمح بتغيير المعادلات السياسية اليمنية، وما تم تقديمه خلال لأعوام الأربعة من دعم للنظام السوري بدد كل الرهانات على إمكان حدوث تحول جذري حاسم في المعادلة الاقليمية عبر بوابة اسقاط النظام، واليوم سيزيد هذا الدعم، ولن يسمح محور المقاومة في تغيير «قواعد اللعبة» والايام المقبلة ستشهد تسريعا في استراتيجية الحسم على اكثر من جبهة قتالية كرد فعل مباشر على ما حصل في اليمن. اما في لبنان ثمة نصائح غربية وخصوصا اوروبية ابلغت الى اكثر من قيادي في 14 آذار بعدم الاستعجال في الاستنتاجات، والحفاظ على الاستقرار الهش راهنا بانتظار تداعيات هذا الحريق الكبير الذي اشعلته السعودية في المنطقة.
(الديار)