جبل المفاوضات وفأر الحل محمد نورالدين
سيكتب على المشكلة الكردية في تركيا المزيد من المعاناة والانتظار قبل أن يجد المعنيون حلاً لها . هي مشكلة موجودة على الصعيد المعنوي منذ أكثر من قرن وعلى الصعيد النضالي موجودة منذ بدايات العهد الجمهوري الذي شهد انتفاضات متعددة ضد سياسات الإنكار لمصطفى كمال أتاتورك . وعلى صعيد النضال المسلح الواسع كانت الانطلاقة الكبرى في العام 1984 . عشرات آلاف القتلى من الطرفين الكردي خصوصاً والتركي . آلاف القرى الكردية دمرت وهجر سكانها وعشرات آلاف الأمكنة من قرى وأنهار وجبال وأودية غيرت أسماءها من الكردية إلى التركية .
ومنذ أن اعتقل زعيم حزب العمال الكردستاني في العام 1999 والقضية الكردية تتراوح بين هبات باردة وهبات ساخنة . تغيرت بعض الأساليب في العلاقة مع الأكراد لكن الذهنية لم تتغير واستمر إنكار وجود المشكلة وبالتالي تجاهل المطالب الأساسية للأكراد في الحكم الذاتي والتعلم باللغة الأم وإطلاق سراح المعتقلين .
ومنذ ثلاث سنوات بدأت علناً مفاوضات مباشرة بين الدولة التركية وأوجلان في سجنه . كلام كثير سال على لسان المسؤولين وفي صفحات الجرائد وعلى شاشات التلفزة . والنتيجة حتى الآن أنه ليس هناك من أي معطى يشير إلى أن هناك خرقاً مهماً قد حدث .
الجميع انتظر رسالة أوجلان الجديدة في عيد النوروز قبل أيام . الترقب منشأه أن أوجلان كان قد صرح أنه سيدعو حزب العمال الكردستاني إلى عقد مؤتمر يقرر إلقاء السلاح والبدء بمرحلة جديدة من عملية الحل .
رسالة أوجلان خالفت بعض التوقعات . الأمور ليست بهذه الآلية الأتوماتيكية:إلقاء سلاح وانتهى الأمر .
لم يتحدث أوجلان عن إلقاء سلاح أو نزع سلاح بل عن إنهاء الصراع المسلح ضد الجمهورية التركية . إنهاء الصراع المسلح لا يعني تلقائياً نزع السلاح .
لم يحدد أوجلان موعداً لمؤتمر الحزب . انعقاد المؤتمر في هذا الربيع يبقى غائماً ولن يعني شيئاً في ظل انشغال البلاد بالانتخابات النيابية التي ستجري في السابع من يونيو/ حزيران المقبل .
أوجلان أشار إلى أهمية البيان المشترك بين حزب الشعوب الديمقراطية الكردي المؤيد له ونائب رئيس الحكومة يالتشين آق دوغان قبل حوالي الشهر في قصر دولما باهتشه حول ضرورة الحل والإشارة إلى النقاط العشر التي طرحها أوجلان كإطار للحل . لكن رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان كان أعلن قبل يوم واحد من كلمة أوجلان أنه يعارض البنود العشرة كما يعارض البيان المشترك في قصر دولما باهتشه .
وهي سياسة كانت قد انفجرت قبل أسبوعين فقط عندما قال أردوغان إنه ليس من قضية كردية في تركيا .
أوجلان يشترط وهو على حق إذ لا يمكن أن ترمي إحدى اهم نقاط القوة بيدك دون أن تضمن الحصول على مقابل . وفي المقابل فإن الدولة التركية غير حاسمة في طريقة حل المشكلة الكردية . منذ 12 عاماً وحزب العدالة والتنمية في السلطة ولم يقدم شيئاً للأكراد في وقت كان قادراً على ذلك في ظل ترؤس أردوغان للحزب والحكومة .
اليوم بعد انتقال أردوغان إلى رئاسة الجمهورية وتولي أحمد داوود أوغلو رئاسة الحكومة والحزب برزت الازدواجية في السلطة . أردوغان يتصرف كما لو أنه لا يزال المسؤول عن أعمال الحكومة فيما يريد داوود أوغلو التحرر من هيمنة أردوغان من دون الذهاب إلى الحد الأقصى لأنه يعرف أنه لولا أردوغان لما كان في رئاسة الحكومة والحزب .
تصريحات متناقضة بين أردوغان من جهة وكل من أوغلو ونائب رئيس الحكومة بولنت أرينتش من جهة أخرى . أردوغان يعارض بشدة الشكل الذي يأخذه المسار الحالي للحل فيما الحكومة تبدي بعض المرونة . وفي النهاية يبقى أوجلان قابعاً في السجن والمطالب الكردية في ثلاجة الانتظار المزمن منذ 3 أو ثلاثين سنة أو قرن من الزمن . لا شيء قبل الانتخابات النيابية ولا شيء أيضاً بعدها . تركيا أمام خيارات تاريخية: أن تكون دولة حديثة معاصرة وهذا صعب جداً جداً، أو أن تكون مقسمة على غرار النموذج العراقي وهذا ليس مستبعداً .
(الخليج)