سيناريوهات العدوان .. وكمين السعودية في ” عاصفة الحزم ” حسن شقير
لقد اختتمت مقالتي ” اليمن بوابة التسوية … أم الحرب الشاملة ” ، وذلك في الثالث والعشرين من شباط الماضي ، وفي معرض التعليق على عودة الرئيس اليمني المستقيل عن استقالته بعيد فراره إلى عدن ، بأنه “..في حال تحقق تلك المشهدية الإحترابية في اليمن – لا سمح الله – ستجعل بعدها بالتأكيد من كلفة التسوية في اليمن ، ولربما في المنطقة برمتها ، عالية التكلفة ، وتحديداً على من سعى لهذا الإحتراب… وذلك بدلا ً من أن تكون – أي هذه التكلفة – محدودةً في المرحلة الأنية .. وهذا احتمال – إن كُتب له التحقق – سيجعل من تطورات الأوضاع في اليمن ، مفتاحاً توأماً لمفتاح الجبهة الجنوبية في سوريا .. وذلك إن حكمت لغة العقل – إن وُجد – لدى بعض ٍمن مجانين القرار والسياسة في هذا العالم ….أو أن ذلك سيجعل من هؤلاء يسيرون باليمن ، ومعه المنطقة ولربما العالم بأسره إلى ما لا تُحمد عقباه ..”
إنطلاقاً من تلك الخاتمة ، وبعد بدء العدوان العشري الهجين على اليمن بالأمس ، وبعد المواقف الأولية لمختلف الدول المتقابلة في المحاور المتصارعة في المنطقة والعالم ، وبعد خطاب الأمس لزعيم أنصار الله عبد الملك الحوثي ، وتوجيهه تحذيراً مباشراً إلى رأس التحالف الجديد في السعودية ، بأن ” هناك ملفات وخيارات مفتوحة ” سيتم تجسيدها في الميدان ، وذلك في حال عدم توقف العدوان فوراً ، والذي كان رد حلف العدوان عليه ، وبعد أقل من ساعة ، بأن شنت طائراته غارات عنيفة على مختلف المدن اليمنية … متزامناً مع موافقة وزراء خارجية العرب على تشكيل قوة عربية للدفاع عن الأمن القومي العربي !!!
بعد كل ذلك ، يبدو أن مشهد الإحترابية الذي أوردته في تلك الخاتمة ، قد أصبح واقعاً على الأرض ، وأن السعودية ومن خلفها أمريكا ، ومعهما حلف العدوان الجديد ، قد وقعوا في كمين ، بعد أن اعتقدوا بأن عدوانهم ، سيستجلب رداً إيرانياً مباشراً ، لتقع المنطقة في احتراب عربي إسلامي – إسلامي ..
لم تكد تمض سويعات قليلة حتى أدرك حلف العدوان على اليمن ، أن هذه المشهدية الإحترابية الكبرى لن تتحقق ، وبالتالي فإن الساعات الأولى من العدوان ، أظهرت بأن المراهنة على تقوية نفوذ الجماعات اليمنية المرتبطة بالحلف العشري في الداخل اليمني ، قد أصبحت هباءً منثورا ، وهذا ما تنبهت له قيادة أنصار الله بتشكيل جبهتين في هذه المعركة ، واحدة داخلية ، وتعنى بما ذهبنا إليه ، والأخرى خارجية تُعنى بالتصدي للمخاطر الخارجية ، وعلى رأسها تلك القادمة من الحدود مع السعودية ، والتي يبدو أن عبارة ” الملفات والخيارات ” التي وردت على لسان السيد عبد الملك الحوثي كانت موجهة إليها ، وبشكل مباشر …
منذ اللحظات الأولى لسقوط عدن ، وفرار هادي ، تكونت لدى المملكة العربية السعودية صورة سوداوية للمشهد السياسي اليمني المرتقب بعيد حقبة كل أولئك المرتبطين بها ، وهو هاجس المحافظات الثلاث المتنازع عليها تاريخياً مع اليمن ( نجران وجيزان وعسير ) ، والتي اعتبرت المملكة – على ما نعتقد – بأن السلطة السياسية الجديدة في اليمن ستعيد إحياء النقاش بشأنها ، وذلك سيشكل ورقة ضغطٍ عليها في حالتي القبول المستحيل ، أو حتى الرفض البديهي …
من خلال هذه العبارة الأخيرة ، رأت المملكة العربية السعودية ، أن الصورة القاتمة ، والتي ستتشكل على حدود تلك المحافظات ، لن تقو على التعايش معها … وذلك إن وضعنا جانباً موضوع باب المندب على أهميته …
لقد فنّد السيد الحوثي خريطة الطريق التي سيسير بها الحلف العشري في عدوانه على اليمن : النقطة الأولى ، ضربات جوية على أمل تركيع الحوثيين ، وتمهيد الأرض لجماعات هادي والمرتبطين به لكي يملء هؤلاء الفراغ المفترض ، والذي سيخلفه تراجع الحوثيين … والنقطة الثانية في هذه الخريطة ، سيكون حصاراً بحرياً وبرياً مفروضاً على الشعب اليمني ، وذلك على أمل تأليب الرأي العام اليمني على الحوثيين ، وذلك بفعل الضائقة الإقتصادية المفترضة التي سيحدثها ذاك الحصار المخطط له .. وصولا ً إلى النقطة الثالثة في سيناريو العدوان ، وهي مرتكزةٌ على الغزو البري لأراضي اليمن ، وذلك بقوات سعودية ، مدعومة من تلك القوة العربية المشتركة ، و التي أطلقها وزراء خارجية العرب في اجتماعهم بالأمس ..
ضمن هذه النقاط الثلاث ، ستسير خريطة العدوان على سوريا ، والتي نفترض فيها التتالي أو التزامن بين نقاطها … وبالتالي كيف نستشرف أفاق المرحلة المقبلة ، ضمن هذين الإحتمالين ؟
سواء أكان سيناريو العدوان – بخريطة طريقه المفترضة – متتالياً أو متزامناً ، فإن مألات السيناريوهات ستسير وفقاً لما يلي :
لنفترض أن الضربات الجوية ستبقى لأمد ما ، قد يكون قصيراً أو حتى طويلا ً ، وبغض النظر عن ذلك فإن احتمال انهيار الحوثيين نتيجة هذه الضربات ، هو احتمال يقارب الصفرية في نتائجه ، وهذا لا يحتاج إلى محاججة وبراهين ، فلم تحسم أية حرب جوية معركةً في أية حرب ، لا في الماضي القريب أو البعيد .. وما الحرب الصهيونية على لبنان في العام ٢٠٠٦ ، ولا حتى الحرب الجوية الجارية حالياً على داعش ، إلا ّ خير مثال حي على ما نذهب إليه ..
إذا مسألة انزياح الحوثيين وتعبئة الفراغ من قبل المرتبطين بالحلف العشري ، هي مراهنةٌ على سراب … مما سيفرض على هؤلاء للإنتقال إلى نقطة الحصار في هذا الإحتمال ، وبدء المراهنة على تأليب الرأي العام اليمني على الحوثيين ، وهذه النقطة أيضاً ليست مضمونة النتائج ، فلا حصار ٢٤ مليون يمني هو بالأمر السهل والمقبول من ناحية ، ولا حتى طبيعة الشعب اليمني وما يعانيه من فقرٍ مذقع ، سيُسهل ذلك ، وبالتالي فإن موضوع التأليب ، ليس مضموناً في نتائجه ، فلقد جربه الصهاينة في فلسطين عشرات المرات على الشعب الفلسطيني في غزة – ولغاية اليوم – ، مع عدم تحقيق أية نتائج متوخاة صهيونياً من جرّاء ذلك ، لا بل أن جذوة المقاومة والصمود كانت تتوقد أكثر فأكثر في ضمير المواطن الغزي … وهذا الأمر ليس بعيداً عن الشعب اليمني ، المسلوبة حقوقه من بعض أولئك المعتدين عليه اليوم …
إذاً ، لابد لأولئك المعتدين أن ينتقلوا بعدها إلى النقطة الثالثة في هذا الإحتمال ، وهي مرحلة الغزو البري ، والتي ستجعل – وبلا أدنى شك – من الغزاة يغرقون في وحول ورمال اليمن المتحركة ، وذلك بفعل حرب العصابات التي تجعل من أية جيوش غازية ، خاسرةٌ لا محالة ..
لا يختلف التتالي في هذه الخريطة العدوانية عن التزامن فيها ، وبالتالي فإن السعودية بهذا العدوان ، تكون قد سارت برجليها نحو مشهدٍ سياسي معتم ، لم تكن تريد الوصول إليه مطلقاْ ، وهو سيناريو الإستنزاف ، سواء في الوحول اليمنية الداخلية ، أو في منطقة الحدود ، والتي ستشتعل ، وبلا شك ، وذلك من خلال الردود التي وعد بها السيد الحوثي .. وهنا ستقع الكارثة والطامة الكبرى عليها ، بحيث أنها ستتحمل لوحدها تداعيات الحرب الإستنزافية في البر أو حتى في البحر ، والتي لا يملك أحد في زمن الفوضى والإحتراب ، أن يدعي أنه يمتلك التحكم فيها …
هذه التداعيات الكبرى ستتخطى السعودية إلى أوروبا ، والتي أعلن اتحادها بالأمس بياناً أقرب فيه للرفض منه إلى النأي بالنفس عن توجهات الحلف العشري الحالية في اليمن …
خلاصة القول ، أعود إلى تلك الخاتمة ، والتي أوردتها في مطلع هذه المقالة ، فإذا لم تستجب السعودية وحلفها الجديد لدعوات اليمن ، ومن خلفه دول إقليمية ودولية لوقف هذا الجنون الحالي … فإن كلفة التسوية اللاحقة ، ستكون وخيمة ً وأثمانها باهضة عليها ، من كلفة تسوية لاحقة ، قد تُفرض حالياْ من خلال بعض عقلاء السياسة والمصالح في هذا العالم ، وذلك رغماً عنها ….
بكلمة أخيرة ، لابد من التذكير من أن السعودية عبرت بالأمس عن هلعها من ” نموذج تكريت ” ، والكيان الصهيوني أسقط في يده من نفض يد المقاومة من قواعد الإشتباك معه ، وبالتالي بدء زمن تهشيم الأحزمة الأمنة والمُستنزفة والتي راهن عليها الكيان الصهيوني ، فضلا ً عن ضياع حلم أردوغان في جعل حلب موطئ قدم للبنية السياسية والعسكرية لمن سموا بالمعارضين المعتدلين ، خصوصاً بعد القرار المبرم لمحور الممانعة بإكمال إحكام الطوق على الأحياء التي يسيطر عليها المسلحين في المدينة ، هذا فضلا ً عن التنسيق السوري العراقي لبدء ما اسميته سابقاً عن تطبيق استراتيجية الكماشة على طرفي الحدود … فضلا ْ عما يُحكى عن قرار المقاومة في لبنان في الخلاص النهائي من الإرهاب المنشور على الحدود اللبنانية مع سوريا …
لا أشك للحظة ، بأن الكيان الصهيوني وأمريكا – وبفعل التطورات أعلاها – ليسا بعيدين مطلقاً ، عن ذاك النفث في البوق السعودي المحتقن إلى حدوده القصوى في هذه الأيام .
باحث وكاتب سياسي