اليمن .. خطأ فهم ملامح الصراع! د. فايز رشيد
ينبع الإهتمام في اليمن : نظرا لموقعه الإستراتيجي , فهو المسيطر على ممر باب المندب وبالتالي يتحكم بشكل مبير في التجارة البحرية الدولية , كما في الاستراتيجيات العسكرية للعديد من الدول , وهو أيضا ذو أهمية استراتيجية لمنطقة الخليج العربي بكل دوله . الصراع في اليمن هو حلقة في سلسلة صراعات ابتدأت منذ ثورة المشير عبدالله السلال وما تلاها من أحداث محزنة عديدة. جاءت الوحدة بين شطري اليمن لتعطي أملا جديدا لـ استقرار اليمن السعيد..هي الأخرى كان لها صراعاتها الخفيّة التي حدت لـ حراك جنوبي يطالب بالانفصال.
مع الحراكات الجماهيرية العربية.. كانت لليمن حراكاته وما تلا ذلك من أحداث أدت إلى استقالة/إقالة علي عبدالله صالح. جاءت بعدها حراكات من وُصفوا خطأ “بالحوثيين ” , هم في الحقيقة حركة شعبية لها جناح عسكري يحمل اسم “أنصار الله”. هذه الحركة تضم بين صفوفها أفرادا من مذاهب وقبائل مختلفة. الحركة قادت وما تزال تقود حوارا يمنيا- يمنيا عنوانه التوافق بين كافة القوى دون استثناء! ولعل الطرح التوافقي للرئيس المقبل وهو علي ناصر محمد يعني ما يعنيه في فهم توجهات هذه الحركة.
كان للحركة اجتهاداتها في حل مجلس النواب ,وتسمية مجلس رئاسي بمشاركة القوى اليمنية . نعم اليمن وصل إلى مرحلة “اللادولة” بغض النظر عن وجود رئيس مقال!.فعليا فإن الحركة الشعبية ليست “داعش اليمنية” كما يحاولون الإيحاء! بل إنها القوة القادرة فعليا على التصدي لـ داعش ولتحالفها مع حزب الإصلاح!.عمليا جرى دحر داعش ولم يتبق لها غير بعض المناطق الصغيرة والقليلة.
للأسف, قوى دولية دخلت على الأزمة اليمنية انطلاقا من استراتيجية كل منها للمنطقة… تماما مثلما حصل في سوريا !.روسيا أفشلت مشروع قرار لمجلس الأمن يحمّل الحوثيين (الحركة الشعبية) مسؤولية تدهور الأوضاع في اليمن, وكان المشروع سيُطرح وفقا للفصل السابع.اليمن هو مجال آخر للصراع الخفي/العلني أحيانا بين روسيا من جهة وبين الولايات المتحدة والدول الغربية عموما من جهة ثانية.. فهو قائم في سوريا وأوكرانيا, ومن الملاحظ أن انتصارات كبير احرزها الجيش السوري وكذلك من يسمّون بـ “الانفصاليين الأوكرانيين ” …وهما المؤيّدين من روسيا , حتى قمة مينسك جرى اعتبارها : انتصارا لروسيا .ما سبق يشي بـ: استحالة تسليم روسيا للولايات المتحدة بتمرير استراتيجيتها في اليمن. بالفعل نحن نعيش مقدمات “حرب باردة” بشكل جديد مختلف. بسبب انهيار الاتحاد السوفياتي ودول المنظومة الإشتراكية , وهو ما يصعّب من مواجهة روسيا لكل أطراف المعسكر الغربي. رغم ذلك فإن الحرب الباردة تطل برأسها.
لقد حاولت دول المعسكر الغربي وعلى رأسها الولايات المتحدة ضرب روسيا مؤخرا بـ عاملين: الأول في أوكرانيا ولم يستطيعوا وانقلب السحر على الساحر. الثاني: ضرب أسعار النفط ! الرئيس بوتين فهم اللعبة.. الاقتصاد الروسي تأثر سلبا لكنه لم ينهار مثلما توقع الاستراتيجيون الغربيون. الغرب يريد روسيا كما في عهد يلتسين .. روسيا المحتاجة للدعم الأمريكي حتى في المواد الغذائية !. لا يستطيعون فهم: أن مرحلة بوتين: هي مرحلة جديدة لروسيا تحاول إعادة أمجاد العهد السوفياتي في أوجه.. واليمن إحدى هذه التجليات كما هو الوضع في سوريا وأوكرانيا..
الثبات الروسي في اليمن وإضافة إلى وضع العوائق أمام الاستراتيجية الغربية في البلد المهم استراتيجيا وموقعا.. تقوم بتعزيز التوازن القائم في المنطقة العربية ,وتعزز من التنسيق الروسي مع إيران وسوريا ,واعتراف محتّم من قبل الولايات المتحدة بـ الدور العالمي لروسيا على الساحة الدولية …بدليل الشواهد التالية: اعتراف المبعوث الدولي لسوريا دي ميستورا: “بأن الرئيس السوري جزء من الحل”, وهذا لم يكن واردا من قبل المعسكر الغربي!الذي كان يطالب برحيل الرئيس الأسد. تصريح وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر ومطالبته للولايات المتحدة وللغرب عموما “بأن يتركوا لروسيا الإمكانية للعب دورها وإيجاد مكانة رئيسية لها على الساحة الدولية و روسيا مدعوة للعب هذا الدور. موقف كل من المانيا وفرنسا في مؤتمر مينسك بشأن أوكرانيا كان بالمعنى الفعلي نوعا من التأييد لطرح بوتين, ولهذا السبب جرى اعتبار القمة انتصارا له. عمليا: القوة قادرة حتما على فرض نفسها شاء الآخرون أم أبوا؟ هذا هو قانون العلاقات الدولية. ما كان العالم ليعترف بـ روسيا قطبا آخر لولا استعادة القوة العسكرية والاقتصادية والعلاقاتية لروسيا في مناطق عديدة من العالم.
المبادرة الخليجية الأولى لم تجد طريقها للتحقق الفعلي على الأرض . ربما المبادرة الجديدة تكون ذات حظوظ أقوى. يظل اليمن في كل العصور مهما لدول الخليج ولباقي الدول العربية ولأفريقيا وشواطئها الشرقية وللعالم قاطبة .
والحقيقة الأكيدة : أن حل إشكالات اليمن لن يتم إلا من خلال الحوار والحوار فقط.