التورط السعودي في اليمن
غالب قنديل
أصيبت حكومة الرياض وشركاؤها واتباعها بحالة من الهستيريا المعلنة امام اندفاع قوات الجيش واللجان الشعبية الثورية في اليمن وتداعي الهياكل المتصدعة لبقايا السلطة الافتراضية التي يرأسها منصور هادي وشكل دخول قوات الثورة إلى عدن وبعض المدن الجنوبية الأخرى صفعة للرهانات السعودية على صمود آخر الأوراق المتبقية في المسرح اليمني الذي يعيش منذ اواخر أيلول في العام الماضي تحولات عاصفة بفعل ملاقاة القيادات والنخب الوطنية للمشيئة الشعبية الراغبة في التغيير والاستقلال .
أولا ما يجري هو في التوصيف العلمي والواقعي عدوان على اليمن وهو إعلان حرب رجعية لمنع الشعب اليمني من التعبير عن إرادته ومن فرض تلك الإرادة ومسك شؤونه بيديه لطي صفحات الوصاية والفقر والتهميش .
هذه الحرب العدوانية الرجعية على اليمن تواجه بمقاومة اليمنيين دفاعا عن بلدهم وعن انفسهم وهي مقاومة عادلة ومشروعة ضد الرجعية العربية وصلفها وهيمنتها وضد مخططها لمنع تقدم اليمن واستقلاله بواسطة عملاء ومرتزقة ثبت بالدليل الساطع ان غالبية الشعب اليمني تنبذهم والمعتدون على اليمن هم انفسهم الذي يحاولون تركيع شعب البحرين وهم الذي يتآمرون على الجمهورية العربية السورية مع إسرائيل وهم الذين يعملون لتمزيق العراق بواسطة داعش والقوى الرجعية المعروفة بارتباطاتها المشبوهة.
الشعب اليمني قال كلمته وبرهن عن إرادته بالوقائع وهو يسير إلى صنع غده ومحاولة كسر تلك الإرادة وتعديل التوزانات بالقوة القاهرة مصيرها الهزيمة في مثل هذه الحال وتلك خلاصة التجارب التاريخية المعروفة التي لم يعتبر بها حكام المملكة السعودية وقطر وأقرانهم فركبوا رؤوسهم في خوض حرب جديدة رغم فشل حروبهم في سورية والعراق وانكشاف عجزهم في البحرين ورغم الكارثة التي جلبوها على ليبيا المغدورة.
ثانيا اظهرت المملكة السعودية خلال السنوات الماضية حالة من التوتر والعجز عن التكيف مع التغييرات التي تجري من حولها وخصوصا منذ تبلور معالم فشلها في النيل من الرئيس بشار الأسد والدولة السورية الوطنية المقاومة رغم ما بذلته من جهود واموال وما حبكته من مؤامرات دولية وإقليمية وقد تورطت في التدخل المباشر لقمع ثورة شعبية سلمية في البحرين وهاهي تختار تجريب القوة العسكرية في عدوان سافر على اليمن لقمع ثورة شعبية عرضت قيادتها على الرياض مد اليد والأخوة والتعاون.
الهستيريا الناتجة عن العجز وتراجع النفوذ وهزائم الرهانات المعاكسة لمنطق التاريخ والحياة هي واقع الحال المهيمن في مراكز القرار السعودية التي تصم آذانها لكل مبادرة او نصح بالتعقل والتكيف مع التحولات بدلا من المكابرة والمعاندة وهذا هو التفسير المنطقي لقرار غزو اليمن الذي شهد معارك حدودية بين جيش المملكة وقوات حركة انصار الله قبل سنوات وانتهت إلى هزيمة سعودية معلنة لأن حفاة اليمن باتوا يتسلحون بالوعي والعلم ويتمسكون بإرادة صلبة ميزت سكان الجبال اليمنية الذين صدوا غزوات داخلية وخارجية على مدى مئات السنين فلا بلغت قمم اليمن قوات السلطنة العثمانية ولا جيوش الإمبراطورية البريطانية ولن تنال منها قوات المملكة السعودية وأقرانها المذعورين من انتشار عدوى التغيير والثورة الشعبية .
ثالثا اختارت الرجعية العربية بعنجهية شن الحرب في اليمن وهي ليست في أهلية الزعيم العربي جمال عبد الناصر الذي استنزفه المستنقع اليمني وكان زعامة قومية تقدمية تحظى بشعبية ضاربة من المحيط إلى الخليج وهذا المستنقع اليوم سيكون قاتلا وخانقا لعتاة الرجعية في الخليج الذين يقودهم الحكم السعودي الذي يجرفهم في حلقة الانفعال الهستيري بعد حمى الخسائر والهزائم.
اليمنيون الشجعان لن ترهبهم جرائم المعتدين وهم سيقاومون بضراوة وبسالة كما تعودوا عبر التاريخ وسيلقنون المعتدين دروسا قاسية وهم كما أظهروا في الأعوام الأخيرة يتمسكون بإرادة حازمة في الدفاع عن وطنهم وعن شعبهم وتطلعاته المشروعة فقد ولى زمان الحدائق الخلفية وتسول أسباب العيش والعمل عبيدا في ممالك الرمال.
اليمن بلد الخمسة و العشرين مليونا الذي يعوم على بحيرة من النفط سوف يمسك اموره بيديه وينهض دولة قوية سيدة غير مستضعفة لأن في اليمن شعبا طيبا واعيا ونخبة وطنية ثورية تقود مسيرة التغيير والتحرر وسيكون الفشل المحتوم لغزو اليمن منطلقا لتداعيات مفاجئة في شبه الجزيرة والخليج قد تغير وجه تلك المنطقة بأسرها ومعها ستتغير عوامل كثيرة في الوضع العربي برمته.